العدد 395 -

السنة الرابعة والثلاثون، ذو الحجة 1440هـ – آب 2019م

مع القرآن الكريم

مع القرآن الكريم

] مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ٢٦١ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٢٦٢[.

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه

عطاء بن خليل أبو الرشته

   أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:

ذكرنا أن هذا الجزء من القرآن الكريم يبدأ بموضوع الإيمان والكفر]وَلَٰكِنِ ٱخۡتَلَفُواْ فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنۡهُم مَّن كَفَرَۚ [ ثم ذكـر الله سـبحـانه بعدها فريضة الإنفاق من رزق الله.

وبدأت الآيات بعد ذلك بذكر الإيمان والمؤمنين وأن الله وليهم وأن الكفار أولياؤهم الطاغوت ثم دلائل الإيمان وإحياء الموتى.

وبعدها، في هاتين الآيتين الكريمتين يذكر الله عن الإنفاق وهو الموضوع الثاني الذي بدأ به هذا الجزء من القرآن الكريم:

  1. يبين الله سبحانه شأن الذين ينفقون في سبيل الله، أي في الجهاد؛ حيث إنَّ الإنفاق في سبيل الله في القرآن الكريم يعني الجهاد كما ذكرنا سابقًا، فيبين الله شأن هؤلاء المنفقين وأن شأنهم عظيم، فما ينفقونه يضاعف أضعافًا مضاعفةً من سبعمائة ضعف إلى أضعاف مضاعفة لا يعلم منتهاها سوى الله سبحانه ] وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ٢٦١ [.

] أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ [ تمثيل التصوير للأضعاف كأنه حاضر بين يدي الناظر، فهو من تشبيه المعقول بالمحسوس: مضاعفة الأجر بمضاعفة الزرع.

و(سنبلة) «بالضم واحدة سنابل الزرع، وقد سنبل الزرع» هكذا في القاموس، وهذا يعني أن النون أصلية، والفعل (سنبل) رباعي وزنه (فَعْلَلَ)، وبذلك يكون وزن (سنبلة) هو (فُعلُلة).

وإسناد الإنبات إلى الحبة مجاز لأنها سبب للإنبات، والمنبت في الحقيقة هو الله تعالى، فالإسناد إلى الحبة إسناد مجازي.

ويؤكد معنى الإنفاق الذي ذكرناه بأنه في الجهاد حديث رسول الله r عن عدد من الصحابة أن رسول الله r قال: «مَنْ أَرْسَلَ بِنَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمَنْ غَزَا بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْفَقَ فِي وَجْهِ ذَلِكَ فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ»[1].

] وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ٢٦١[ ]وَٰسِعٌ [ كثير العطاء والمثوبة لعباده.

] عَلِيمٌ [ عليم بنية المنفق وإخلاصه بالنفقة.

  1. يبين الله سبحانه في الآية السابقة أجر المنفق في سبيل الله، وقد ورد النص عامًا لكل منفق في سبيل الله مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ [ وفي هذه الآية الكريمة تخصيص للآية السابقة بأن الأجر هو لمنفقين مخصوصين في سبيل الله، وهم الذين لا يُتبعون ما أنفقوا منًا ولا أذىً، أي يكون إنفاقهم خالصًا لوجه الله سبحانه، وأولئك يكون لهم أجر عظيم فلا يخافون على مستقبلهم، ولا يحزنون لما فاتهم فلهم الأمن الكامل: حياة طيبة فيما يأتي، وفي الآخرة، ومغفرة عما مضى ]لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٢٦٢[.

] ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ [ أي في الجهاد، ] ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى [المن في الأصل: القطع ومنه (حبل منين) أي ضعيف كأنه على وشك القطع. وهي هنا كناية عن الرياء في النفقة والمفاخرة بها.

وأما ] أَذٗى[ فهو ما يصنعه المنفق من إساءة كردة فعل منه عند عدم تحقيق المصلحة التي أنفق من أجلها، فإذا جهز في القتال عدة أو عتادًا لتظهره الدولة أمام الناس من المجاهدين، فإن لم تفعل ولم تظهره، انفعل وأفسد وأساء.

وما جاء في الآية الكريمة من تخصيص بوصف مفهم]ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى[ مقصود منه بيان الإخلاص التام في النفقة في سبيل الله حتى تقبل عند الله، ويكون لها الجزاء الأوفى الذي ذكره الله سبحانه، فتكون النفقة خالصةً لله مجردةً عن كلّ منٍّ أو أذىً.

وعندها يكون لهم الجزاء العظيم الذي أعده الله لأوليائه ] أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٦٢[.

[1]           ابن ماجه: 2751، الدر المنثور: 2/37

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *