كيف تحبط دولة الخلافةِ محاولات إجهاضها حين نشوئها؟ (1)
ثائر سلامة (أبو مالك)
في أوائل الخمسينات، لم يكن عامة المسلمين يصدقون أن بإمكانهم العودة إلى الخلافة أو إعادة إقامتها، ولم يكونوا يفهمون من عبارة (العودة إلى الإسلام) إلا العودة إلى العبادات والأخلاق.
كان طغيان الأفكار الاشتراكية والقومية والوطنية عارمًا، وكان يُشاع أن الإسلام رجعية، وما لبثت تلك الأفكار أن اندحرت وتخلص العالم الإسلامي من أوحالها.
وبفضل الله وتوفيقه، ثم بفضل العاملين بوضوح وتصميم، وُجدت في الأمة فكرة إقامة الدولة الإسلامية، ثم بشكل محدد أكثر (دولة الخلافة على منهاج النبوة). وتقلبت الظروف وتحولت فكرة إعادة الخلافة إلى قناعة فأمل فعمل فحركة جارفة. وحين رفعت الجزائر شعار الدولة الإسلامية في انتخابات سنة 1991م، التفّ الشعب الجزائري (الذي كانت فرنسا ظنت أنها حولته إلى ثقافتها حين حكمته 130 سنة) عن بكرة أبيه حول هذا الشعار، ومن ذلك موقف الأمة الإسلامية كلها من الثورة التي رفعت شعار التغيير على أساس الإسلام في إيران سنة 1979م، وموقفها من الاستفتاء الذي أجري على الدستور في مصر سنة 1980م، وموقفها من الانتخابات النيابية في كل من الأردن سنة 1989م والجزائر سنة 1990م، وهكذا في كل مرة، وما يكون للمسلمين أن ينتخبوا ويختاروا ما بين “إسلامي” وغيره، في نقابات أو جمعيات أو مؤسسات، أو غيرها إلا فاز “الإسلامي” بدون أدنى عناء، واشرأبت الأعناق نحو صحوة إسلامية، وصارت فرائص الكفار في الغرب ترتعد فَرَقًا من عودة الإسلام إلى حلبة الصراع الدولي، وصاروا يحاربون دُعاةَ الإسلام بأنهم (متطرفون) و(إرهابيون) و(أصوليون).
وبلغ من شدة خوف الأنظمة من فكرة الخلافة، ودعوة الخلافة، وحزب التحرير أن أضحى “جرم” توزيع نشرة من نشرات حزب التحرير كفيلًا بوضعك في السجن لمدة 3 سنوات في الأردن، وأكثر من 10 سنوات في تركيا[1]، وأكثر من 20 سنة في روسيا، ووضعك تحت التراب في أوزبيكستان وقرغيزستان، وكفيلة بإعدامك في ملعب أحد جامعات ليبيا وأمام الطلاب وأهاليهم في زمن المقبور القذافي (هذا فقط توزيع نشرات، فما بالك بأعمال سياسية أُخرى يقوم بها الحزب؟!)[2]، وبلغ من هلع الأنظمة المارقة من هذا الحزب والدعوة التي يمثلها أن تغلق مدن كاملة بمداخلها ومخارجها لمنع تجمعٍ أو ندوةٍ أو محاضرةٍ يقوم بها الحزب، كما شاهدنا مثلًا في ندوات إحياء ذكرى هدم الخلافة في الضفة الغربية، سنة بعد سنة!.
في السابق، كان أبناء المسلمين الذين يذهبون إلى بلاد الغرب يُفتَنون بحضارة الغرب وأنظمة الغرب، أما اليوم فإنهم صاروا يلمِسون خداع الغرب وفساد حضارته وعداوته للإسلام، وهذا جعلهم يتمسكون بإسلامهم وينشطون في العمل من أجل عودة الخلافة الراشدة.
ثم تواترت وتوالت تصريحات القادة والسياسيين الغربيين، ومراكز الفكر الغربية، محذرين من قرب قيام الخلافة، وقاموا باستطلاعات للرأي العام في العالم الإسلامي[3]، وأرعبهم أن نسب المؤمنين بضرورة تطبيق الشريعة وتوحيد العالم الإسلامي بلغت أكثر من ثلاثة أرباع المسلمين! ففي نتائج استطلاع آراء مجموعة من أهل البلاد الإسلامية الذي نفذته منظمة “غالوب” لاستطلاعات الرأي[4]، ضمن مشروعها العالمي في استطلاع آراء العالم – ومنها آراء المسلمين – والمنشورة على موقع مركز “غالوب” لدراسات المسلمين في 25/7/2008م.
الخصال موضع السؤال |
نسبة الإيرانيين الموافقين أن الشريعة تحقق تلك الخصال |
نسبة المصريين الموافقين أن الشريعة تحقق تلك الخصال |
نسبة الأتراك الموافقين أن الشريعة تحقق تلك الخصال |
تحقيق العدالة للمرأة |
76% |
97% |
69% |
تحدّ من سلطات الحاكم |
46 |
49 |
23 |
تحمي الأقليات |
65 |
85 |
51 |
تحفظ حقوق الإنسان |
76 |
97 |
62 |
تخفِّض مستوى الجريمة |
76 |
94 |
68 |
تخفِّض من الفساد |
77 |
لم يشمل |
70 |
تجلب العدالة الاقتصادية |
78 |
94 |
55 |
تجلب قضاء عادلًا |
80 |
96 |
63 |
تجلب ازدهارًا علميًا |
59 |
96 |
52 |
تسمح للناس أن يقولوا كلمتهم في حكومتهم |
61 |
لم يشمل |
53 |
64% من المصريين المستطلعة آراؤهم رأوا أن تكون الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع، وحين قلبت الأسئلة نجد مثلًا 4% فقط يرون أن الشريعة لو طبقت ستحد من التقدم العلمي.
وفي استطلاع في 10 كانون الأول/ديسمبر 2007[5]، شمل بلدانًا مثل إندونيسيا، وباكستان وتركيا وإيران ومصر، وجدنا النتائج التالية:
الخصال موضع السؤال |
الأتراك |
المصريون |
الإيرانيون |
إندونيسيا |
باكستان |
الشريعة مصدرًا من مصادر التشريعات |
28 |
25 |
62 |
51 |
25 |
الشريعة المصدر الوحيد للتشريع |
8 |
64 |
13 |
13 |
52 |
الشريعة ليست من مصادر التشريع |
41 |
2 |
12 |
8 |
5 |
وفي استطلاع بتاريخ 8 آذار/مارس 2008م[6] نجد النتائج التالية: الغالبية العظمى من المستطلع آراؤهم رفضوا أخذ النموذج الديمقراطي الغربي، وإنما رأَوا نموذجًا “ديمقراطيًا منبثقًا من الإسلام”، لا من القيم الغربية، ثم حين تم الاستطلاع حول الشريعة كمصدر وحيد للتشريع، وجدت النسب التالية: 54% من الرجال و55% من النساء في الأردن، 70% من الرجال و62% من النساء في مصر، في إيران 12% من الرجال و14% من النساء، في إندونيسيا 14% من الرجال و14% من النساء.
من الواضح إذًا، أن سؤالهم حول جعل الإسلام مصدرًا من مصادر التشريع، إذا ما ضممنا إليه سؤالهم حول مصادر القيم الديمقراطية، ورفض غالبية المجيبين أن تكون من القيم الغربية، فإننا متأكدون أنهم أيضًا يرفضون القوانين الفرنسية والرومانية والإنجليزية مصادر للتشريع! فالذي يرفض القيم الغربية أساسًا للديمقراطية ويصر على أن تكون القيم الإسلامية هي التي تصوغ شكلها، يكون أشد رفضًا للقوانين الفرنسية والإنجليزية! خصوصًا في ظل إيمان الغالبية الساحقة من المسلمين أن أنظمة الحكم التي تحكمهم بتلك القوانين الغربية المنشأ، بالغة السوء والفساد وعدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من حقوقهم. إذًا، لنا أن نقول بأننا متأكدون تمامًا أن الغالبية الساحقة من المسلمين تريد الاحتكام إلى الشريعة وحدها، وتريد قيام دولة على أساسها!
عام 2006م، أيَّد – مثلًا – 93 % من الأردنيين أن تكون الشريعة الإسلامية مصدرًا للتشريع، وفي مصر أيَّد 90% من المصريين دور الشريعة بالتشريع، كما أيد ذلك 81% من الباكستانيين، تتشابه هذه النتائج بين البلاد الإسلامية المشمولة في العينة، مثل: بنغلاديش، والمغرب، وإندونيسيا، وإيران، وفي المجمل كان المعدل العام هو 79% للذين يؤيدون أن يكون للشريعة دور في التشريع في الدول العشر التي استَطْلَعت آراءها “غالوب” في ذاك العام.
ولم تختلف هذه النتائج عن استطلاعات الرأي ما بعد الثورات العربية، والتي نفذتها “بيو PEW” في نفس فكرة استطلاعات “غالوب” حيث سألت في ربيع 2011م عن مدى موافقة بعض الشعوب الإسلامية المشمولة بالعيِّنة على العبارات: “القوانين يجب بشدة أن تتبع تعاليم القرآن”، أو “القوانين يجب أن تتبع قيم ومبادئ القرآن، ولكن بدون تشدد”، حيث أيَّدت الغالبية العظمى في أكثر البلدان بأن تتبع القوانين تعاليم القرآن سواء بشكل “متشدد Strictly” أو بدون تشدد، فمثلًا: أيَّد ذلك 98% من الباكستانيين، و95% من الأردنيين، و89% من المصريين، و66% من الفلسطينيين.
وحين تفتَّت الاتحاد السوفياتي السابق، كان حزب التحرير يسابق الزمن ليملأ الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه ذلك التفتُّت، ويتلقف هذه الجموع المسلمة التي خرجت من عقود من الاضطهاد الممنهج ضدها من قبل تلك الدولة المجرمة، وهي تتحرَّق لإسلامها، فاشتد عود الدعوة، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، وقابلتها حكومات أوزبيكستان وطاجيكستان وقرغيزستان وغيرها بأشد أنواع البطش والإجرام، وامتلأت السجون بحملة الدعوة لإقامة الخلافة، وألجأ نشاط هذه الدعوة رئيس روسيا بوتين مرات ومرات ليحذر الغرب من الخلافة، وأنها في الحديقة الخلفية لروسيا!
ومن ثم توالت أعمال الغرب العدوانية ضد العالم الإسلامي مخافة أن تقوم الدولة فتنتشر، فتتعرض مصالح الغرب للخطر الشديد[7]، فالانقلاب الفكري الشعوري الذي يشهده العالم الإسلامي أحدث تأثيرًا في الساحة الدولية. وقد ظهر هذا التأثير في ناحيتين:
-
إعلان الغرب الكافر على لسان قادته ومفكريه بأن الإسلام قد أصبح هو العدوّ رقم واحد، فالغرب الكافر ينظر للإسلام، كحضارة وكدولة تقوم على أساسه، مصدر خطر حقيقي عليه وعلى حضارته ونظام حياته.
-
على ضوء إدراك الغرب الكافر لحقيقة الواقع الذي أصبحت عليه الأمة والمجتمع في العالم الإسلامي، قام برسم سياسته ووضع خططه وأساليبه لمواجهة هذا المد الإسلامي المتنامي على النحو التالي:
-
الاحتلال العسكري لمنطقة الخليج والمياه المحيطة بالمنطقة، وإقامة القواعد المتقدمة في تلك المنطقة.
-
وضع الخطط الأمنية التي تهدف إلى ما يلي:
-
تقوية وسائل السيطرة والتسلط الغربي على بلاد الإسلام.
-
الحيلولة دون أي تحرك إسلامي في المنطقة.
-
إضعاف المنطقة اقتصاديًا وعسكريًا.
-
التسريع في عقد معاهدات الاستسلام بين الدول العربية وكيان يهود في فلسطين[8].
-
الدخول في الفوضى الخلاَّقة، وإشعال الحروب، والفتن الطائفية، وتدمير المدن الكبرى في العالم الإسلامي، وتدمير البُنى التحتية لإضعاف قدرة العالم الإسلامي على النهوض في وجه الغرب الكافر.
-
تمييع المجتمع من ناحية الإسلام ليسهل عليه إخراج الإسلام منه، ودور الإعلام والترفيه في ذلك.
-
تمييع قضية المسلمين المصيرية عن طريق نماذج الحكم الإسلامي المشوَّه.
-
السيطرة الكاملة على المنطقة ككل في جو من عدم الاستقرار السياسي.
-
إعلان الحرب على الإسلام والمسلمين في كل مكان وبمختلف الوسائل والأساليب.