العدد 386 -

السنة الثالثة والثلاثون – ربيع الأول 1440هـ -ت2 \نوفمبر 2018م

حروب الغرب في بلاد المسلمين هي صراع حضارات، النصر فيها للإسلام، والهزيمة لحضارة الغرب الفاشلة

حروب الغرب في بلاد المسلمين هي صراع حضارات، النصر فيها للإسلام، والهزيمة لحضارة الغرب الفاشلة

 

أدرك الغربُ أن الأمةَ الإسلامية تعيش حالةً من الصحوة وإرادة العودة إلى تحكيم دينها منذ سنوات طويلة مثلما أدركها حزبُ التحرير الذي جعل استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة قضيته الأولى. وإدراك الغرب لهذا جعله يضع الخطط المبكرة لمنع هذه العودة ولحرف بوصلة العاملين على التغيير. فأميركا مثلًا أوجدت تغييرًا في إيران على أساس الإسلام ضد الشاه لأنها كانت تعلم أن الإسلام هو القوةُ الوحيدة القادرة على خلع الشاه يومذاك. وأميركا استغلت حيويةَ الجهاد في نفوس المسلمين في أفغانستان لضرب الاتحاد السوفياتي. وعندما سمح الغرب الأوروبي للانتخابات في الجزائر أن تكون حرةً لأول مرة في المنطقة اكتسحت جبهةُ الإنقاذ الإسلامية النتائج، فألغت نتائجَها وزجت بزعمائها في السجونِ بدلَ أن يعتلوا كراسي الحكم. ولما قامت حربُ الصربِ والكرواتِ على مسلمي البوسنة والهرسك قامت على اعتبار أن المسلمين هناك ظهرت عليهم علائمُ الصحوة والعودة إلى دينهم، وكانت التهمةُ أنهم بدؤوا يمتنعون عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر… والملاحظ أنه كان عند حدوث أية حالة من هذه الحالات كان المسلمون، كلُّ المسلمين، وفي كل بلادهم، يتعاطفون معها أيَّما تعاطف؛ فتقوم مظاهراتُ التأييد، وتقدَّمُ أموالُ التبرع، ويذهبُ المتطوعون لنجدة إخوانهم هناك… وصارت آمالُ عودة الإسلام إلى معترك الحياة تكبر وتزداد مع كل حالة من هذه الحالات.

عندها وجدتْ أميركا، ومعها الغربُ الأوروبي، أن الأمرَ صار يكبرُ عليها ويصعُب، وصارت تخافُ من خروجه عن الطوق. فحالةُ الجهاد التي استغلتها في أفغانستان لمصلحتها انتشرَ مع وجودها حبُّ الجهاد في كل بلاد المسلمين، ورأت أن القاعدة التي سكتت عن وجودها ابتداءً، بل وأمرتْ الدولَ العميلةَ لها كالسعودية بدعمِها، شبَّت عليها، فما أن طُرد الاتحادُ السوفياتيُّ من أفغانستان حتى توجهتْ لمحاربتِها، وقامتْ بسلسلةٍ من التفجيرات لسفاراتِها، ومن ثَمَّ كانت تفجيرات 11/9… من هنا جعلت أميركا، بعد سقوطِ الاتحادِ السوفياتي وانهيارِ حضارتِه الشيوعية، الإسلامِ هو عدوَّها الحضاريَّ الجديد، وظهرتْ عليها بوادرُ تقسيمِ بلادِ المسلمين من جديد، وجعلِها تقومُ على حدودٍ طائفيةٍ دمويةٍ، لتتحكمَ بها، ولتمنعَ من توحُّد المسلمين على دولة إسلامية واحدة.

ثم كانت حربُ احتلال أميركا لأفغانستان بعد تفجيرات 11/9، وحربُ احتلالِها للعراق بعد استدراجِها لصدام حسين للدخول إلى الكويت. ويمكن القولُ إن أميركا أتت إلى المنطقة بنفسها لتستعمرَها خالصةً لها من دون المنافسين، ولتشرفَ مباشرة على تقسيمِها، ولتمنعَ عودةِ الإسلام إلى الحكم؛ ولكنها فوجئتْ بمقاومةٍ إسلاميةٍ شرسةٍ لها في هذين البلدين، وتكبدتْ خسائرَ بشريةً وماليةً فوق طاقتِها، وأثَّر ذلك على إفشال خطة أميركا بانفرادها في حكمِ العالم، فيما عُرف بمشروع القرن، وأكثر من ذلك تهدَّدَ النظامُ الرأسماليُّ برمته، وكاد يعصفُ به بعد وقوع الأزمة المالية سنة 2008م؛ فأدركتْ أميركا ومعها دولُ الغربِ الأوروبيِّ أن الإسلامَ أقوى من أن يُنال منه؛ وهذا ما عزَّز خوفَ الغربِ وهلعَه من قيام دولة الخلافة، فكثرتِ التصريحاتُ ذاتُ الدلالةِ الفائقةِ الأهميةِ تتوالى من مختلفِ زعماءِ العالمِ الغربيِّ، ومن مفكريهم وباحثيهم وإعلامييهم، تُحذِّر أيَّما تحذيرٍ من عودةِ الخلافة، وهذا معروفٌ ومسطَّرٌ وتناولَته وسائل الإعلام الدولية والإقليمية كثيرًا. ومن لطفِ اللهِ الذي يُذكر في هذا المجال أنه إبَّان الأزمةِ الماليةِ التي عصفتْ في أميركا، تناولتْ بعضُ وسائلِ الإعلامِ الغربيةِ المرموقةِ عندَهم أن الغرب الرأسمالي أوجد المشكلة، ولكنه لا يملك الحل لها من داخل النظام الرأسمالي نفسه، وفي الوقت نفسه، ذكروا أن النظامَ الماليَّ الإسلاميَّ يحلُّ هذه المشكلة، ويمنع الوقوعَ فيها أصلًا، وذكرتْ أنه يجبُ أسلمةُ وول ستريت (السوق المالي المشهور). وهذا يعزز قوةَ الإسلامِ وقدرتَه على قيادة العالم. إذًا،  فإنَّ الزاويةَ التي تنطلق منها أميركا في حروبها مع المسلمين في بلادهم هي القضاءُ على فكرةِ إقامة الخلافة، ومنعُ الإسلام من أن يكون منافسًا مستقبليًا لها.

وعندما جاء أوباما إلى الحكم، أعلن بشكلٍ رسميِّ عن تراجعِ أميركا عن سياسة التفرُّدِ في حكم العالم القائمةِ على الاحتلالات المباشرة واستعمال القوة القاسية… وعودتِها إلى اتِّباعِ سياسة الاحتواء القائمةِ على جهودِ المخابرات في زرع العملاء، وشراءِ الذِّمم، وبثِّ الفتن، وإثارةِ الاضطرابات، وتدبير الانقلابات. بمعنى آخر غيرت أميركا أسلوب حربها للإسلام ولم تعدل عنها.

وفي عهد أوباما هذا، وعندما قامت في بلاد المسلمين ثوراتٌ تطالبُ بإسقاط الأنظمة، نظرتْ أميركا، ومعها دولُ أوروبا، إليها من هذه الزاوية، زاويةِ أن الأمةَ تريدُ إسقاطَ صنائعِها من الأنظمةِ وإقامةَ الخلافة. وتعاملوا معها على هذا الأساس، تحت شعار (الحرب على الإرهاب) الذي كان معمولًا به من قبل في عهد بوش. وقد برزَ أكثرَ ما برزَ هذا الصراعُ الحضاريُّ في سوريا؛ حيث وُجد توجهٌ واضحٌ لدى المسلمين هناك لإقامة دولة إسلامية، والخلافةِ تحديدًا، وهذا هو الذي يتحسَّبُ منه الغربُ كلَّ التحسب؛ لذلك التقتْ دولُ العالم جميعُها بقيادة أميركا، على ضرب هذا التوجهِ من غير رحمة، وبشكل إجراميٍّ حيوانيٍّ خلا من كل قيمة إنسانيةٍ أو خلقيةٍ، ومن كل منطق، فأيُّ منطقٍ هذا الذي يحكُمُ الغربَ عندما يؤيِّدُ بشار أسد قاتلَ شعبه، ويعملُ على عدم إسقاطه وبقائه في الحكم؟! ماذا يعني إلا مزيدًا في سقوط حضارته؟! وفي المقابل، هل استطاع الغربُ فيما يرتكبُه من إجرامٍ بحق المسلمين ودينهم، أن يجعلَهم يستسلمون له؟! إنه لم يستطعْه من قبل، ولن يستطيعَه بعدُ، بإذن الله. فالأمةُ حيةٌ، ودينُها حي، والضربات تُقويها ولا تثنيها، وممارساتُه المفلسةُ تزيدُها إصرارًا على التغيير، وتزيده سقوطًا.

صحيح أن الغربَ في ميزانِ الحروبِ العسكريةِ يكسب، أما في مجال الصراع الحضاري فإن الإسلامَ هو الذي يتقدمُ والغربُ يزيدُ سقوطًا وإفلاسًا. ويخطئُ من يظنُّ أن الغربَ قد انتصر، هو فقط يؤخرُ ظهورَ الإسلام، ولن تتوقفَ حروبُه العسكريةُ ضد المسلمين حتى تُحسَمَ الحربُ الحضاريةُ لمصلحة هذا الدين العظيم. ومن هنا فإن الغربَ عندما يهاجمُ المسلمين والإسلامَ إنما يهاجِمهم وهو في موقف الضعفِ والخوفِ من سقوط حضارته، وليس كما يحاولُ أن يزيفَ الحقائقَ ويصورَ نفسَه أنه المنتصر، والخطرُ، كلُّ الخطر، أن يصدقَّه المسلمون. إذًا فالحرب مفتوحةٌ بينه وبين المسلمين في مشروعِهم الإسلامي، وهو إقامة الخلافة.

وهنا لا بد من لفتِ النظرِ إلى أن ما يقومُ به الغربُ من عملٍ دؤوبٍ وجادٍّ ومجرمٍ لمنع قيامِ الخلافةِ إنما المعنيُّ الأولُّ منه هو العاملون لإقامة الخلافة، وحزب التحرير تحديدًا باعتبارِ أنه الوحيدُ القائمُ على هذا الهدف. وفي المقابلِ، فإن على الحزبِ قيادة مواجهته، وجعل الأمة تنقاد له في هذه المواجهة، فمشروعُ إقامة الخلافة هو مشروعٌ حصريٌّ للحزب.

وكذلك لا بد من لفت النظر إلى أن تقيُّدَ الحزبِ بالطريقة الشرعية للتغيير وعدمَ الحيد عنها، وبالطريقة الشرعية الوحيدة للاجتهاد، واعتبارُه ذلك من لزومياتِ حسنِ العبادةِ واستحقاقِ النصر، فلا نصرَ من الله إلا بهما. وهذان الأمرانِ مفقودانِ تمامًا لدى عامةِ علماءِ المسلمين أو الحركاتِ الإسلامية التي يسميها الغربُ (معتدلة) ويمدحُها لأنها على طريقته في فهم الدين، فهي ذرائعيةٌ وتستمدُّ أحكامَها من الواقع، وتتأثرُ بالطروحات غير الإسلامية، وتقبلُ أنصافَ الحلول وأرباعَها وأثمانَها وحتى أقلَّ من ذلك، وهي مستعدةٌ للانخراط في أي مشروعٍ غربيٍّ يُعرَضُ عليها. فعلى سبيل المثال عندما دعا الغربُ الحركاتِ الإسلاميةَ العاملةَ للتخلي عن العمل في الإسلام السياسي، ليمكنَها الانخراطَ في العمل السياسي في بلدها، وليمكنَ التعاملَ معها على نطاقٍ دولي، أسرعتِ النهضةُ التونسيةُ إلى إعلان تخليها عن العمل بالإسلام السياسي. ثم إن الإخوان المسلمين يعتبرون في طليعة الحركات الإسلامية الذرائعية التي تتعامل مع الواقع على حساب الشرع، وقد ظهر ذلك جليًا في الفترة القصيرة التي تسلموا الحكم فيها في مصر. وأما السلفيون فإنهم قادمون على مرحلة سيكونون فيها كالخاتم في يد ابن سلمان، والإفتاء لمصلحة مشروعه في التحالف مع كيان يهود ضد إيران.، وفي إصدار الفتاوى المعلَّبة.

إن أميركا تعلمُ أن انتصارَها العسكريَّ لن يَحسمَ الحربَ الحضاريةَ لمصلحتها؛ لذلك وضعتْ خطةً خبيثةً ماكرةً متكاملة، تقومُ على إسقاط مشروعِ إقامة الخلافة عند أهلِها وفي بلادِهم: فهي خططتْ لوجود تنظيم الدولة، وقيامِه بأبشعِ الممارساتِ لتعطيَ أبشعَ صورةٍ عن الخلافة التي هي أملُ المسلمين؛ لتجعلَهم يتخلَّون عن أن تكونَ مشروعَهم، وبالتالي يرفضونها ويرفضون العاملين لها. وقدمتِ الأنموذجَ التركيَّ الأردوغانيَّ على أنه الأنموذجُ الأمثلُ للمجتمع الإسلامي الحديث، والبديلُ الإسلاميُّ الحديثُ عن الخلافة. وأميركا تفكر بأبعد من هذا، فقد تمَّ نشرُ وثيقةٍ أميركيةٍ لإصلاح الإسلام؛ إذ هي تعتبر أن مشكلتها ليست مع فئة من المسلمين تسميهم أرهابيين، بل إن مشكلتها هي مع نصوص الإسلام نفسه. وفي نفس السياق، طالبتْ شخصياتٌ علمانيةٌ فرنسية ومعهم بعض العلمانيين من المسلمين الفرنسيين بتجميدِ آياتٍ من القرآن الكريم. هذا ولا يخفى وجودُ فوضى فكريةٍ وهجومٌ متعددٌ على الإسلام بصورٍ مختلفةٍ على صفحاتِ التواصلِ الاجتماعي، القصدُ منها إيجادُ اضطرابٍ فكريٍّ يضيعُ الحقُّ فيه في خِضَمِّ الباطل – وهناك الدعوةُ إلى حصرِ الفتوى بالهيئات الدينية التي ينشئُها الحكامُ لإيجاد الفتاوى التي على مقاسهم، من مثل هيئة كبار العلماء في السعودية، والإفتاء في مختلف بلاد المسلمين.

ومع كل ما فعلتْه أميركا وتفعلُه من قهر للثورات، فإن هناك كتاباتٍ عندهم تَظهر بين حين وآخر، تتخوفُ من تجددِ الثورات. فالسعودية مع مجيء سلمان إلى الحكم، وتعيين ابنِه وليًا للعهد، وما شكله من انقلابٍ داخليٍ على قانون العائلة في التوريث، وانقلابِ الدولةِ على المفاهيم الدينية الوهابية، إلى جانب استعدادِ السعوديةِ للصلحِ والتحالفِ مع (إسرائيل) مع تغييرِ طبيعةِ الصراعِ من صراعٍ  عربيٍّ-(إسرائيليٍّ) إلى صراعٍ عربيٍّ إيرانيٍّ، إلى جانب دخول السعوديةِ في حربٍ في اليمنِ وتكاليفِها الباهظة، إلى جانب الاعتقالاتِ والاغتيالاتِ التي طالتْ رموزًا دينيةً وإعلاميةً وسياسيةً، وطالت حتى أمراءَ من العائلةِ، إلى جانبِ القراراتِ السياسيةِ غيرِ الحكيمةِ والاعتقالاتِ والاغتيالاتِ التي كان آخرُها جمال خاشقجي… هذا وغيره، يمكن القولُ إنه أدخل السعوديةَ ضمنَ الدولِ المعرَّضةِ لقيامِ ثورةٍ وانتفاضةٍ فيها. وما يمكن أن يحدثَ في السعودية سيمتدُّ إلى دويلات الخليج. وهناك دراسةٌ (إسرائيليةٌ) في هذا الموضوع بعنوان: «هل ثمةَ ربيعٌ عربيٌّ جديدٌّ على الأبواب في الخليج الفارسي؟» وذكرتِ الدراسةُ أن السلطاتِ السعوديةَ أقدمتْ على خطواتٍ من شأنها إثارةُ الجمهورِ السعوديِّ ضد نظام الحكم، ويمكنُ أن تسمحَ بانفجارِ مظاهراتِ غضب، تمامًا كما حدثَ في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، أواخر 2010م، ومطلعَ 2011م، واستنتجتِ الدراسةُ أن نظامَ الحكمِ الحاليَّ في السعودية بشكلٍ خاصٍّ، يواجهُ خطرَ السقوط، وحثَّت الدراسةُ واشنطن على التحرك للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، قبل أن تقعَ تحتَ طائلةِ «ربيعٍ عربيٍّ جديد». وكذلك ثمة عناوين يقع عليها المتابع تتحدث في هذا المجال من مثل “إرهاب ما بعد داعش، كيف سيكون شكل الوحش القادم”.

وظهر لدى الغرب توجه حاسم لمحاربة الحركات الإسلامية العاملة في الإسلام السياسي، وطلب حل نفسها تحت طائلة التهديد بالقضاء عليها، وعدم السماح لأحد بمجرد العمل بالإسلام السياسي، تحت شعار جديد سيأخذ، مستقبلًا، حيزًا واسعًا من الهجوم عليه والتشنيع به وهو شعار (محاربة الإسلاموية) و(الإسلامويين) والإسلاموية تعني عندهم النظرة للإسلام على أنه دين منه الدولة، وأن فيه نظام حكم، الإسلامويون هم العاملون لإقامة الخلافة كمشروع سياسي يقوم على مبدأ الإسلام. 

إذًا علينا أن نعدَّ أنفسَنا لأن نكونَ في صدارة المواجهة مع الغرب. وأولُّ هذه المواجهةِ تكمُنُ في فهم الواقع جيدًا على أساسِ فهم حقيقةِ الصراع، ونحنُ نكادُ نكونُ الوحيدينَ في مَيدان المواجهة الفكرية. وعلينا أن نعطيَ للأمة جرعاتٍ من الثقةِ بالقدرة على التغيير، وأن لها لقاءً قريبًا مع الخلافة إن شاء الله.

أو لم يكفِ الشبابُ آيةً على نجاحِهم أن يكونَ مشروعُهم السياسيُّ هو محورَ الصراعِ الدولي اليوم، فعسى أن يكونَ هذا من دلائل رضى الله عن دعوتهم، وعن حزبهم. يكفينا فخرًا أن تكونَ تلك أمانينا، أليست هذه من معالي الأمور التي يحبها اللهُ في عباده. وهي إتمامُ الدينِ بظهوره على الدين كله.

إن الدولَ الكافرةَ المتجبرةَ تستحقُّ عند الله الهلاك إذا ظهرت فيه علائمُ ثلاث: الظلمُ، وبلوغُ الدعوة بشكل مبين، والإصرارُ على الكفر مع الإياسُ من إيمانهم، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ١٣ ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ ١٤ وهذه قد ظهرت في أعداءِ الإسلام في أيامنا هذه. وها هم بنو إسرائيل قد أورثَهم اللهُ الأرضَ وملكَ فرعونَ عندما كانوا مع سيدِنا موسى عليه السلام، وكانوا مستضعَفين، ولم يكن عندهم أدنى قوةٍ في مواجهةِ فرعون. ولكن لأنهم كانوا على الحق، ولأنهم صبروا؛ دمَّرَ اللهُ فرعونَ وقومَه وما كانوا يصنعون. قال تعالى: ﴿ وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ ١٣٧ . وهذا هو القرآن ينطق بالحق للمسلمين في كل مكان وزمان، قال تعالى: ﴿ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَ‍َٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٢٦. فحامل الدعوة الحق لا يهمه إلا أمر واحد فقط، وهو أن يكون على الحق، لا يخاف إلا الله وحده. ولا يخضع لضغوط مهما بلغت، ولا لأفواه مهما لغت، ولا لأيادي الإجرام مهما ولغت. فما النصر إلا من عند الله، ولا يستحقه إلا من كان مع الله، وعلى طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا هو الفهم الصحيح للإسلام، والذي تفتقده الحركات الإسلامية التي تتخلى بسهولة عن ثوابت دينها؛ لتصبح في ميزان الشرع فاقدة الوزن والمصداقية.

اللهم اجعلنا من حزبَك الذين ترضى عنا وعنه، اللهم خذْ بيدنا إلى الحق، اللهم خذْ بيدنا إلى النصر، اللهم اجعلْنا أهلًا للتقوى يا أهل التقوى، اللهم اجعلْنا أهلًا للمغفرة يا أهل المغفرة، اللهم اجعلنا أهلًا للاستخلافِ والتمكينِ ونشرِ هذا الدينِ برحمتك يا أرحمَ الراحمين، ويا خيرَ الغافرين. ويا خير الناصرين،  اللهم اجعلنا تلك الفئةَ القليلةَ التي تستحقُّ نصرَك، اللهم عجلْ لنا بالفرج وإظهار هذا الدين. اللهم آمين. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *