العدد 295-296-297 -

العدد 295-296-297 – السنة السادسة والعشرون، شعبان ورمضان وشوال 1432هـ

آن الأوان لدولة الخلافة أن تقود العالم بمبدأ الإسلام بعد سقوط المبدأ الرأسمالي

آن الأوان لدولة الخلافة أن تقود العالم بمبدأ الإسلام بعد سقوط المبدأ الرأسمالي

إبراهيم عثمان أبو خليل – السودان

إن أية أمة لها رسالة ومبدأ تؤمن به تسعى لأن يسود هذا المبدأ العالم؛ ولذلك تأخذ بأسباب القوة التي تعينها في جعل هذا الأمر يتحقق في أرض الواقع، ولا بد لها – أي لهذه الأمة- من دولة قوية مرهوبة الجانب مسموعة الكلمة تقود المسرح الدولي لصالحها حتى يتحقق لها ما ترجوه من أن تكون الأولى والقائدة، ومن أن يكون مبدؤها هو المبدأ الذي يسود وكلما كان هذا المبدأ صحيحًا مُقنعًا للعقل وموافقًا للفطرة كان اندماج أهل هذا المبدأ قويًا ومؤثرًا.

إن الإسلام منذ انطلاقته الأولى، وقبل قيام الدولة، كان المؤمنون به قوة دافعة ومؤثرة رغم قلة عددهم، مما اضطر أعداؤهم لممارسة التعذيب والتنكيل بهم، فلم يزدهم هذا العذاب والتنكيل إلا قوة وصلابة حتى قامت دولتهم في المدينة وبدأ النبي r بإعداد القوة المادية من أجل مواجهة خصوم المبدأ الساعين للقضاء عليه، فكانت الدولة للمسلمين ودارت الدائرة على المشركين ثم على الكافرين جميعًا فدخل الناس في دين الله أفواجًا، وتمددت الدولة في كل قارات العالم القديم، صهرت الشعوب والأمم في بوتقة الإسلام العظيم، فكانت الأمة الإسلامية من جاكرتا إلى طنجة أمة واحدة مبدؤها الإسلام، ونظامها أحكام رب العالمين، ولم تستطع أوروبا الغربية بكل ما أوتيت من قوة من القضاء على دولة الإسلام رغم خوضها لحروبها ضد الإسلام والمسلمين باسم الصليب (حروب مقدسة) فكان النصر دائمًا في نهاية الأمر لدولة الإسلام لالتزامها بمبدأ الإسلام في جميع شؤونها، لأن الدولة المبدئية، أي المتمسكة بمبدئها القائمة على أساسه في سياستها الداخلية والخارجية لا يمكن أن تسقط بسهولة، فكيف إذا كان هذا المبدأ المنزل من رب العالمين خالق البشرية أجمعين. وعندما تخلت الدولة الإسلامية (الخلافة التركية) في آخر عهدها عن المبدئية وبدأت تتنازل عن بعض أحكام الإسلام لصالح المبدأ الرأسمالي، حينها بدأ العد التنازلي للدولة، واستطاع عدوها المتربص بها دائمًا في إثارة المشاكل والنعرات العنصرية بين شعوب الأمة الإسلامية، فأصاب الدولة الضعف، ثم كان هدم الخلافة على يد الإنجليز بمعاونة خونة الترك والعرب، ومنذ ذلك التاريخ ساد المبدأ الرأسمالي وإلى جانبه المبدأ الاشتراكي الشيوعي المسرح الدولي حتى سقطت دولة الاتحاد السوفياتي في نهاية ثمانينات القرن الماضي، فتفرد المبدأ الرأسمالي بقيادة العالم، وسعى منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا لسيادة مبدئه على الكرة الأرضية. لقد سقط المبدأ الاشتراكي وتفككت دوله لأن المبدأ كان باطلًا ينكر وجود خالق للكون ويؤمن بالتطور التاريخي؛ لذلك لم يستطع أن يخضع من أخضعهم من دول وشعوب إلا بالحديد والنار، فكان من الطبيعي أن يسقط لمخالفته فطرة الإنسان الذي فطر على الاحتياج للخالق المدبر.

وليس المبدأ الرأسمالي بأفضل من المبدأ الاشتراكي حيث تقوم عقيدته على الحل الوسط؛ الذي هو واقعيًا غير موجود في الأرض، وفي الحقيقة ليس هناك حل وسط بين وجود خالق وعدمه، فإما للكون خالق خلقه وهو من يدبره ويضع النظام للمخلوقين ويسيرون وفقه، وإما أنه لا خالق كما قال الشيوعيون. أما الذي يجعل المبدأ الرأسمالي متماسكًا حتى اليوم لا يسقط فليس لأن المبدأ صحيح أو موافق للفطرة أو مقنع للعقل، بل لأنه اتخذ من الترقيع سمة لازمة له، فضاعت معالم المبدأ الأساسية في خضم هذا الترقيع الذي أثقل ثوب المبدأ، وهذا وحده نذير بزوال المبدأ الرأسمالي وبالتالي الدول التي تقوم على أساسه، وهم يشعرون بذلك الآن. ولكنهم يقاومون حتى لا يظهر مبدأ آخر فيحتل مكان الصدارة في العالم بديلاً لمبدئهم الآيل للسقوط.

لقد قلنا إن أسباب فشل النظام الرأسمالي كامن في مبدئه وعقيدته، ويعترف بذلك مفكروه وساسته على السواء، فقد قال البروفسور (دون فان إيتين) أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا: “لا شك في أن العقيدة الرأسمالية بلا خلق ولا دين، هكذا هي منذ أن ولدت إلى يومنا هذا”، ويقول جورج سورس المضارب العالمي في كتابه (أزمة الرأسمالية العالمية): “أخشى أن تؤدي النتائج السياسية الناتجة عن الأزمات المالية الأخيرة إلى انهيار النظام الرأسمالي برمته”، ويقول روجر تيري في كتابه (جنون الاقتصاد): “يعرف الأمريكيون أن هنالك خطأ ما في أمريكا ولكنهم لا يعرفون ما هو، ولا يعرفون لماذا ذلك الخطأ، والأهم من كل ذلك فهم لا يعرفون كيف يصلحون ذلك الخطأ، وكل ما في إمكانهم هو الإشارة إلى أعراض المرض فقط… وفي الحقيقة فإن بعض ما يسمى حلولاً يزيد الطين بلة، وذلك أن تلك الحلول تحاول أن تغير نتائج النظام دون تغيير النظام الذي أفرز تلك النتائج”، أما الرئيس الأمريكي الأسبق، إبراهام لنكولن فقد تنبأ بانهيار دولة الرأسمالية في أمريكا لأنه كان يعلم أن النظام لا يقوم على العدل، وإنما يقوم على غلبة الرأسماليين وتحكمهم بالمال والسياسة لمصالحهم الآنية الأنانية فقال: “لقد تم تمجيد الشركات وتتويجها … وسيتبع ذلك عهد من الفساد في المناصب العليا الرفيعة، وسيتم تسخير الأموال ونفوذها في تكريس حكم أصحابها من خلال الإجحاف بحقوق الآخرين وتعريضها للانتقاص إلى أن تتجمع الثروة في أيدي قلة قليلة، ولا تلبث الجمهورية أن تندثر وتتلاشى” وهي إن شاء الله في طريقها إلى التلاشي لأن ما قاله هذا الرئيس حادث الآن فعلًا، بل أسوأ منه، وقد صدق الله العظيم إذ يقول: ]وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا[.

وفي مقابل ما أصاب الرأسمالية وما يصيبها من أزمات يحتالون عليها بالترقيع الذي وصل مداه حتى فقد المبدأ أصوله وفروعه التي قام عليها، في مقابل ذلك بدأ العالم الإسلامي يصحو من غفوته ويحاول النهوض من كبوته بعد أن تم تخديره سنين عددًا بشعارات زائفة وأفكار باطلة ومفاهيم مغلوطة، فعلم أنه كان يشتري الوهم من الغرب الرأسمالي الذي صور له الحياة والسعادة في إتباع نهجه والسير في ركابه حتى وصل العالم الإسلامي برمته إلى حضيض الجهل والفقر رغم غنى بلاده وكثرة ثرواته، وتسلط على رقاب شعوب العالم الإسلامي رويبضات أفنوا أعمارهم في خدمة الكافر المستعمر ينفذون مخططاته في بلاد المسلمين ويخلصون له الولاء حتى صاروا عبيدًا عنده يأتمرون بأمره، وهم مع ذلك أسود متوحشة وأفاعي سامة في التعامل مع شعوبهم، يسومونهم سوء العذاب، يذبحون شبابهم ويحتقرون شيوخهم، ويضيعون أطفالهم، ويمزقون بأيديهم بلاد المسلمين إلى مزق حتى يسهل على الكافر المستعمر هضمها وبلعها، حتى وصل الأمر اليوم أن يفكر أعداء الأمة في تمزيق ما هو ممزق، وتفتيت ما هو مفتت، وحتى انتفضت الشعوب في وجوههم بعد أن أثقلها الظلم والقهر، فتساقط بعضهم كأوراق الشجر الجافة، فلم يستطع سادتهم عمل شيء لبقائهم، فذهبوا غير مأسوف عليهم من شعوبهم وما زال البعض الآخر يترنح ليسقط إن شاء الله بفضل هبة الأمة التي ما عادت تقبل بعد اليوم بالذل والهوان في ظل هؤلاء الحكام الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

ورغم أن الثورات التي انتظمت البلاد العربية لم تطالب بإقامة الخلافة صراحة، إلا أن مجرد هبتها بشير خير بقرب انبلاج الفجر إن شاء الله بقيام دولة الإسلام دولة الخلافة الراشدة، فها هم ثوار تونس ومصر قد وصلوا إلى قناعة أن التغيير المنشود لم يحدث، وأن التضليل الذي مارسه الإعلام وبخاصة الغربي والعربي المسيطر عليه من قبل الغرب قد انفضح وانكشف للأمة؛ فما عادت شعارات الديمقراطية وتغيير الوجوه بوجوه أخرى تنطلي على الأمة، فما هي إلا أيام وتهتدي الأمة بعون الله وتوفيقه إلى طريق الحق والفلاح، وذلك بجهد المخلصين من أبناء هذه الأمة الذين يصلون ليلهم بنهارهم من أجل استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستحل محل الدولة الرأسمالية الديمقراطية النتنة، وتقضي على المبدأ الرأسمالي المتهالك ليلحق بأخيه الاشتراكي الشيوعي، ويسود مبدأ الإسلام العظيم بعد أن أقصي عن الحياة والدولة عقودًا من الزمان، فتعود مسيرة الإسلام العطرة في العدل وإحسان الرعاية في كل أصقاع المعمورة، فينعم المسلمون وغير المسلمين بالأمن والطمأنينة، وعندها سيدرك الناس، كل الناس مدى الظلم والظلام الذي كانوا يعيشون فيه في ظل النظام الرأسمالي المتهالك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *