العدد 295-296-297 -

العدد 295-296-297 – السنة السادسة والعشرون، شعبان ورمضان وشوال 1432هـ

مع القرآن الكريم

مع القرآن الكريم:

(فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ)

(وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 135 قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 136 فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 137 صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ 138)

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه

عطاء بن خليل أبو الرشته

أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:

  1. بعد أن ردّ الله سبحانه ادّعاءهم حول إبراهيم ويعقوب – عليهما السلام – وبيّن بطلان قولهم إنهما يهود أو نصارى – وذلك في الآيات السابقة – فإن الله سبحانه بعد ذلك قد ردّ دعوتهم إلى دينهم، فهو محرَّف باطل وذلك أنهم كانوا يقولون: اليهود تقول اتّبعوا ديننا فهو الأفضل، والنصارى تقول اتّبعوا ديننا فهو الأفضل، فردّ الله عليهم دعواهم تلك بأنها باطلةٌ، وأوحى إلى نبيه محمّد صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم بل الحق أن نتبع ملة إبراهيم عليه السلام الذي كان تاركاً لكلّ دينٍ باطلٍ ومائلاً عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق والذي لم يكن عليه السلام من المشركين.

وفي هذا تعريض باليهود والنصارى بأن دينهم باطلٌ، وأنهم مشركون حيث قد حرفوا (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) المائدة: آية 13. وكذلك نسبوا لله ولداً سبحانه وتعالى عما يصفون (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ) التوبة: آية 30.

وروى ابن جرير عن عبد الله بن صوريا الأعور قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمّد تهتدِ. وقالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فهو ردّ على قولهم ذاك وبيان بطلانه، وفيه كذلك دلالة الإشارة أن إبراهيم ليس يهودياً ولا نصرانياً فملته غير ملتهم.

(حَنِيفًا) مائلاً عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق، وسمي إبراهيم – عليه السلام – (حَنِيفًا) لأنه حنِفَ إلى دين الله الحق فأسلم وجهه لله سبحانه.

وأصل (الحَنَف) الميل، ومنه (رِجل حنفاء) و(رَجُل أحنف) وهو الذي تميل قدماه كل واحدة إلى أختها بأصابعها.

  1. ثم يخاطب الله المؤمنين بأن يؤمنوا بالله وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وبما أنزل على موسى وعيسى وعلى كلّ نبي بدون تفريق بينهم في النبوة، فلا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعض كما يفعل اليهود والنصارى، بل نؤمن بهم جميعاً ونسلم لله خاضعين طائعين له سبحانه.

فإن آمن اليهود والنصارى مثل هذا الإيمان أي بالله وجميع رسله وبما أنزله على رسله فإنهم يكونون بذلك من المهتدين، وأما إن أعرضوا عن ذلك وآمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، وآمنوا ببعض ما أنزل الله وبدلوا وغيروا بعضه الآخر كما هم يفعلون، فإنهم لن يضروك شيئاً – وهو خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم – وسيمكنك الله من رقابهم فالله سميعٌ لما يقولونه من افتراء عليه سبحانه، وعليمٌ بما يخفونه من كيدٍ للإسلام والمسلمين.

وقد أنجز الله وعده لرسوله صلى الله عليه وسلم فمكَّنَه من أعدائه وبخاصة يهود، وكان ذلك في عقاب بني قينقاع وقتل قريظة وإجلاء بني النضير والقضاء على كيان يهود خيبر وغيرهم من أعدائه صلوات الله وسلامه عليه.

(وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا) (أُنزِلَ) يُعَدَّى بحرفي الجر (إلى) و(على) فهو هنا (أُنزِلَ إِلَيْنَا) وهو في الآية الأخرى (وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا) آل عمران: آية 84 (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) آل عمران: آية 84.

(وَالأَسْبَاطِ) جمع (سِبط) و(السِّبْط) هو الحفيد والمراد بهم أبناء يعقوب وذراريهم، فأبناء يعقوب هم حفدة لإبراهيم وإسحاق، والذراري حفدة لإبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولذلك قيل عن الحسن والحسين – عليهما رضوان الله – أنهما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ) (الفاء) للتعقيب أي ترتيب ما بعدها على ما قبلها، و(الباء) زائدة على نحو قوله سبحانه (وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا) يونس/آية27 أي مثلها. وعليه يكون المعنى (فإن آمنوا مثل إيمانكم فقد اهتدوا)، أي فإن آمنوا بكل ما آمنتم به بالله ورسله وما أنزل على رسله، وليس أن يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض، بل بكلّ ما آمنتم به.

(وَإِن تَوَلَّوْاْ) أي وإن أعرضوا فلم يؤمنوا بكلّ ما آمنتم به.

(فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) أي فما هم إلا في خلاف وعداوة وليسوا من طلب الحق في شيء.

(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ) أي سيكفيك شقاقهم فإن الكفاية لا تتعلق بالأعيان بل بأفعال الأعيان، أي سيكفيك عداوتهم بأن يمكنك من رقابهم، فقد أنجز الله وعده وقضى على كيان يهود ونصر الله رسوله والحمد لله رب العالمين.

  1. ثم يبين الله سبحانه أن هذا الإيمان الذي ذكره في الآية السابقة هو صبغة الله التي تطهر المؤمنين من رجس الكفر وأدرانه، وأن لا صبغة أحسن منها فهي حلية المؤمن وزينته والتي تدفعه لعبادة الله وحده طاعة لله سبحانه وشكراً على نعمه.

(صِبْغَةَ اللّهِ) الصبغة من صبغ على وزن جِلْسَة من جلس على وزن فِعْلَة وهي الهيئة التي يقع عليها الصبغ كما في جِلْسة للهيئة التي يقع عليها الجلوس، واستعملت (الصِّبغة) هنا استعمالاً مجازياً لعلاقة المشابهة للدلالة على الإيمان، فهو يطهر صاحبه من أدران الكفر ويعطيه وصفاً جديداً طيباً بسبب الإيمان كالثوب يغسل وينظف من الأوساخ ويصبغ فيعطيه نقاءً وصفاءً وجمالاً بسبب الصبغ.

(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً) استفهام استنكاري أي لا صبغة أحسن من صبغة الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *