العدد 106 - 107 -

السنة العاشرة – رمضان وشوال 1416هـ – شباط وأذار 1996م

الصلاة على النبي (صلى الله عليه واله وسلم )

        قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). قال بعض المفسرين (منهم الطبري) بأن الأمر في هذه الآية هو للندب وليس للوجوب. وقال بعض الفقهاء (منهم القاضي عياض) بأن الصلاة على النبي – عليه وآله الصلاة والسلام – تجب على المسلم في العمر مرة، وما زاد على ذلك فهو مستحب.

الإمام الشافعي رحمه الله يقول بوجوب الصلاة على النبي  في التشهد الأخير من كل صلاة فإن تركه فيه لم تصح صلاته. وهذا هو رأي الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الذي استقر عليه أخيراً. وقد قال بذلك جمع من الصحابة وجمع من التابعين رضوان الله عليهم كما نقله عنهم ابن كثير رحمه الله في تفسيره.

ونقل ابن كثير أن الصلاة على النبي تجب كلما ذكر النبي عليه وآله الصلاة والسلام، مستدلاً بالحديث الشريف: “البخيل من ذُكِرْتُ عنده ثم لم يصلِّ عليَّ” وفي رواية “فلم يصلِّ عليّ” رواه الإمام أحمد والترمذي وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح. ومستدلاً أيضاً بالحديث الشريف: “رَغِمَ أنفُ رجلٍ ذُكرتُ عنده فلم يصلِّ عليّ، ورَغِمَ أنفُ رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغْفَرَ له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكِبَرَ فلم يدخلاه الجنة”. رواه البخاري في الأدب ورواه الترمذي والنص للترمذي.

وهناك من قال تجب الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في المجلس مرة واحدة ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس بل تستحب، ويتأيد بالحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : “ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله ولم يصلّوا على نبيهم إلا كان تِرةً يوم القيامة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم “ورواه الإمام أحمد أيضاً وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

هذا من حيث الوجوب أما من حيث الاستحباب فإن هناك حالاتٍ عينتها النصوص، وهناك نصوص تعم كل الحالات إلا الحالات التي ورد نص يستثنيها.

   فمن حالات الاستحباب التي تم تعينها: بعد الأذان لقوله عليه وآله الصلاة والسلام: “إذا سمعتهم مؤذناً فقولوا مثل ما يقول ثم صلّوا عليّ، فإنه من صلّى عليّ صلى الله عليه بها عشْراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلاّ لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو. فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة” رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والإمام أحمد، والنص للإمام أحمد. ومن حالات الاستحباب: عند دخول المسجد والخروج منه للحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ثم قال: “اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك” وإذا خرج صلىّ على محمد وسلم ثم قال: “اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)). ومن هذه الحالات صلاة الجنازة فإن السنة أن يقرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب، وفي الثانية أن يصلي على النبي عليه وآله الصلاة والسلام، وفي الثالثة يدعو للميت، وفي الرابعة يقول: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنَّا بعده. ومن هذه الحالات أنه يستحب ختم الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم لما رواه الترمذي عن عمر بن الخطاب مرفوعاً قال: “الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيّك”، وقد وردت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعاء القنوت. ومن هذه الحالات الإكثار من الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلة الجمعة للحديث الشريف: “من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خُلق آدم وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي” رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهم. ويوجد حالات أخرى كثيرة عينتها النصوص.

وأما الطلب العام والمُطلق بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد ورد في نصوص عدة منها الآية الكريمة) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(. ومنها ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه من قول النبي عليه وآله الصلاة والسلام: “من صلّى عليّ صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلّى عليّ فليقلَّ عبدٌ من ذلك أو ليكثر”. ومنها ما رواه الترمذي من قوله عليه وآله الصلاة والسلام: “أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة”. رواه مسلم وأبو داود والترمذي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: “من صلّى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً”.

والآن نريد أن نعرف الصيغة التي تؤدَّى بها الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ حين نزل قوله تعالى: ) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( سأل الصحابة رسول الله عن كيفية هذه الصلاة. فعن كعبُ بن عُجْرَةَ قال: “خرج علينا رسول الله  eفقلنا يا رسول الله قد عَلِمنا أو عرفنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة؟ فقال: “قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد” وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة. وصيغة السلام التي عرفها الصحابة هي الواردة في التشهد: “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته” ويجزئ عنها ما كان في معناها. وصيغة الصلاة هذه يجزئ عنها ما كان في معناها، وقد حكت الروايات نماذج منها، من ذلك: “…. كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم…. كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم…” ومن ذلك: “قولوا اللهم صلِّ على محمد عبدك ورسولك….” ومن ذلك: “قولوا صلِّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته….” ومن ذلك: “قولوا … … كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد”.

إننا نرى ذكر النبي وذكر آله وذكر إبراهيم في كل هذه الروايات، والرواية الوحيدة التي علّمهم فيها كيفية الصلاة عليه دون أن يذكر فيها إبراهيم هي: “قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد” وهذه الرواية أخرجها الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حِبّان والحاكم والشافعي في مسنده. وبالاستقراء لم نجد ولا رواية واحدة من الروايات التي علّمهم فيها الصلاة عليه خاليةً من ذكر آله معه.

وبناء على ذلك نستطيع أن نقول إن صيغة (عليه السلام) أو صيغة (عليه الصلاة والسلام) أو صيغة (صلى الله عليه وسلم) كلها ناقصة. والصيغ الكاملة هي التي ورد فيها ذكر آله وذكر إبراهيم وآل إبراهيم، أو الصيغ التي ورد فيها ذكره وذكر آله.

رُبَّ قائل يقول: الآية الكريمة ذكرت النبي فقط) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( ونجيب: نعم، ذكرت النبي فقط، ولكن كيفية الصلاة على النبي لا تكون كاملة إلا كما عَلَّمَنَا.

ولا ينبغي لنا أن نترك الصيغة التي علمنا إياها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ونقتصر على الصيغة المألوفة (صلى الله عليه وسلم). وهناك من صار يختصر الصيغة أكثر فيقول: (صلعم) أو (ص).

المطلوب شرعاً (سواء في حالة الوجوب أو الندب) هو التلفظ بهذه الصيغة مع التبجيل والاحترام القلبي، وليس المطلوب هو الكتابة، فيستطيع الكاتب أن يكتب كلمة “النبي” وكلمة “الرسول” دون أن يكتب معها صيغة الصلاة ويكتفي بقولها بلسانه. قال ابن كثير في تفسيره (ذكر الخطيب البغدادي في كتابه [الجامع لآداب الراوي والسامع] قال: رأيت بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كثيرا ما يكتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابة. قال: وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظاً).

فإذا أراد الكاتب أن يكتب فإما يكتب الصيغة كاملة أو يتركها كلها.

المشكلة الآن تكمن في التقليد الأعمى الذي يسوق المقلِّد إلى ترك قول النبي عليه وآله الصلاة والسلام ليتبع الناس (حتى لو كانوا أئمة وعلماء) دون دليل. في فترة من الزمن ماضية عملت الفتنة بين المسلمين وجعلت بعضهم يقتل أو يشتم بعضاً. انتهت تلك الفترة ولكن بعض آثارها ما زال كامناً في العقول والقلوب.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وصلِّ اللهم وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان□

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *