العدد 376 -

السنة الثانية والثلاثين – جمادى الأولى 1439هـ – شباط 2018م

صفقة القرن… مؤامرةٌ قديمةٌ متجدّدة!.

بسم الله الرحمن الرحيم

صفقة القرن… مؤامرةٌ قديمةٌ متجدّدة!.

حمد طبيب _ بيت المقدس

ما هي حقيقة هذه الصفقة المسماة بصفقة القرن؟ وما هي أهدافها؟ وهل هي حقيقة أم تصورات وأوهام؟. قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة نقول: إن المؤامرات على أرض الأقصى وبيت المقدس لم تتوقف منذ اتفاقات (سايكس بيكو)، مرورًا بوعد بلفور سنة (1917-1916)م وحتى يومنا هذا، وكان من أبرز هذه المؤامرات تمكين اليهود من هذه الأرض المقدسة الطاهرة في ظل اغتصاب الإنجليز لها.. ثم تتابعت المؤامرات واحدة تلو الأخرى؛ لأن الهدف من تمكين اليهود أبعد وأعمق من تنفيذ وعد بلفور، وأبعد من إيجاد وطن قومي لليهود. فهناك مخطط غربي يرمي إلى إبعاد الأمة عن مشروعها الحضاري (الخلافة) بعد أن هدمه الكفار سنة 1924م. وقد كان من أبرز أهداف إقامة كيان سياسي لليهود في فلسطين هو الحيلولة دون وحدة الأمة الإسلامية، والحيلولة دون عودتها كما كانت خلافة تطبق الإسلام. فكان الكيان الصهيوني قاعدة للغرب لضرب أية محاولة لتحرك الأمة نحو هدفها الصحيح، ورأس حربة متقدمة للتحرك السريع، قبل وصول جيوشه وإمداداته العسكرية لمحاربة هذا التحرك. من أجل ذلك كله فإن المحافظة على هذا الكيان، وتثبيته في منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط هو هدف استراتيجي ثابت لا يتغير؛ عند جميع الدول الغربية. من هنا نقول بأن المؤامرة مستمرة، فهي قديمة ومتجددة. وهذه المؤامرة تهدف إلى أمور رئيسية متفق عليها عند الغرب جميعًا، ومن هذه الأمور:

1- تعزيز شرعية الكيان اليهودي وحقه في أرض فلسطين، والدفاع عن هذا الحق دوليًا وإقليميًا عن طريق ما يسمى بالممثلين لأهل فلسطين، وعن طريق المؤسسات الدولية والأحلاف العسكرية وغير ذلك من أمور سياسية…

2- العمل على إيجاد السلام بين الكيان اليهودي وبين منظومة الدول المجاورة والدول في العالم الإسلامي، وفق القرارات والمؤسسات الدولية…

3- التعاون الكامل بين جميع الدول في المنطقة – بما فيها الكيان اليهودي – لضرب ما يسمى بالإرهاب، أي الإسلام السياسي، والحيلولة دون عودة هذا الإسلام إلى سابق مجده وعزه…

  • أما صفقة القرن التي يجري الحديث عنها هذه الأيام، فهي عبارة عن خطة سياسية رسمتها أميركا والساسة اليهود، وبالتعاون مع بعض عملاء أميركا في الشرق الأوسط؛ لحل قضية فلسطين (على شاكلة معينة)، وتهدف إلى خدمة المشروع الصهيوني داخل فلسطين، وتوطيد أركانه مع الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي، وتصفية قضية فلسطين، والتنازل عن ركائزها الأساسية التي أقرت في المحافل الدولية. وسميت بصفقة القرن نظرًا لأهميتها للإدارة الأميركية، وللكيان الصهيوني، وللدول المجاورة – أي هي أبرز حدث في حال تحققه في القرن الحادي والعشرين.

  • أما البعد التاريخي لهذه الصفقة، فقد عرضت أميركا هذا الأمر، وهو توطين قسم من الشتات الفلسطيني في صحراء سيناء لإنهاء قضية اللاجئين، على الرئيس المصري عبد الناصر سنة 1953م، بالتنسيق مع الأونروا، لكن الاحتجاجات؛ التي حصلت من أهالي غزة في ذلك الوقت قد عطلت تنفيذ هذا المشروع. جاء في تقرير للجزيرة بعنوان (صفقة القرن، طرح متعدد ومتجدد، بين الوعد والعراقيل) بتاريخ 14/06/2017م: “مشروع توطين 60 ألف فلسطيني في سيناء أيام عهد جمال عبدالناصر، الذي نجحت غزة في إفشاله، ومشروع آلون للتوطين في سيناء؛ تحت مبرر عجز السلطة المصرية عن فرض سيطرتها الأمنية على سيناء).  ثم طرح هذا المشروع مرة أخرى – من قبل أميركا – في عهد رئيس مصر (حسني مبارك)، فوافق عليه، وقام بجولات سياسية لإنجاحه؛ إلا أن الظروف الدولية لم تساعد على ذلك؛ حيث  كشفت شبكة “بي بي سي” الإخبارية وثائق سرية بريطانية بتاريخ 29/11/2017م، جاء فيها: “إن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك قبل توطين فلسطينيين في مصر، قبل أكثر من ثلاثة عقود. وحسب الوثائق، التي حصلت عليها “بي بي سي” حصريًا، بمقتضى قانون حرية المعلومات في بريطانيا، فإن مبارك استجاب لمطلب أميركي في هذا الشأن”.

وأبرز ملامح هذه الصفقة حسبما أوردته وسائل الإعلام هو أولًا: توطين قسم من مهجري أهل فلسطين من بعض الدول المجاورة، والبعض من غزة، داخل صحراء سيناء حتى منطقة العريش، لتكون هذه المنطقة مستقبلًا نواة لدولة فلسطينية منزوعة السلاح؛ ضمن مشروع دولي وإقليمي؛ ترعى تنفيذه العملي الحكومة المصرية بالدرجة الأولى، ويكون ارتباطه المباشر معها. أما الجانب الثاني من هذه الصفقة، وهو علاقة الضفة الغربية بالأردن، فيهدف إلى إيجاد حكم إداري أو ذاتي للسلطة الفلسطينية على شكل دولة شكلية خالية من كل معاني السيادة والقوة العسكرية؛ مرتبطًا بعلاقات معينة مع الأردن؛ مع بقاء المستوطنات والسيادة اليهودية والنواحي الأمنية. أما ما يتعلق بالقدس في هذه الصفقة، فإنها موحدة وعاصمة لليهود، مع ضمان حرية العبادة في الأماكن الدينية الثلاثة تحت السيادة اليهودية. فقد ذكرت جريدة القدس العربي في 8/11/2017م بعض التسريبات عن هذه الصفقة منها: موافقة الإدارة الأميركية على الاعتراف بدولة فلسطينية (على الورق) فقط، مقابل تجميد الاستيطان (الإسرائيلي)، والحصول على تسهيلات في الاقتصاد والمناطق المسماة (ج) حسب اتفاق أوسلو، وكذلك تسهيل الحركة على المعابر؛ سواء معبر الكرامة الحدودي مع الأردن، أم معبر رفح الحدودي مع مصر، كل ذلك بالتزامن مع التطبيع العربي مع دولة الاحتلال (الإسرائيلي .(أما الجانب الثالث في هذه الصفقة والذي يشترطه اليهود، وتؤيدهم في ذلك  إدارة ترامب، هذا الجانب هو حصول التطبيع مع الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي (بشكل صريح غير مخفي)، كما صرح بذلك رئيس وزراء الكيان اليهودي نتنياهو، في المؤتمر اليهودي السنوي (للسياسات والاستراتيجية) – 2017، الذي انعقد في مدينة هرتسيليا.

  • لقد قامت الإدارة الأميركية الجديدة، في عهد ترامب بخطوات متقدمة عن طريق مستشاره السياسي كوشنر، بالتنسيق مع حاكم مصر (السيسي)، وولي العهد السعودي (محمد سلمان) من أجل إحياء هذا المشروع مرة أخرى. فقد ذكر موقع التلفزيون الروسي (أر- تي) نقلًا عن (وكالة بلومبيرغ) 2/12/2017م “أن (جاريد كوشنر) كبير مستشاري البيت الأبيض، قام خلال الأشهر الماضية بـ 3 جولات إلى الشرق الأوسط؛ في إطار جهوده للإسهام في حل القضية الفلسطينية”. وذكر موقع (ميديل إيست آي) البريطاني 23/11/2017م، نقلًا عن مصدر دبلوماسي غربي ومسؤولين فلسطينيين: “إن فريقًا أميركيًا بصدد وضع اللمسات الأخيرة على “الاتفاق النهائي” الذي وضعه الرئيس رونالد ترامب”. وجاء في موقع صحيفة (الخليج الجديد) 10/11/2017م، نقلًا عن موقع فضائية (آي 24 نيوز) اليهودي: “جرى التدخل السعودي خلال اللقاء الذي جمع  ابن سلمان مع الرئيس محمود عباس، والذي دعي فيه على عجل إلى الرياض” حسب التقرير الذي نشره موقع فضائية آي 24 نيوز (الإسرائيلية)، وترجمته صحيفة (القدس العربي).

  • هذا ما يتعلق ببعض المقترحات السياسية لما يسمى بـــ (صفقة القرن)، فهل تنجح هذه الدول الكافرة في تنفيذ المخططات السياسية لإنهاء قضية فلسطين وتركيع أهلها، وتركيع المسلمين في الدول المحيطة؛ للقبول بهذه المخططات الخيانية الإجرامية؛ لتصفية قضية الأقصى، وأرضه المباركة المقدسة؟!.

  • الحقيقة، إن الدول الكافرة وهيئاتها الدولية قد رسمت المخططات التآمرية الخيانية، لقضية بيت المقدس وأرضة المقدسة، وقامت بجلب اليهود – على حين غفلة من الأمة، وخيانة من حكامها – إلى هذه الأرض المباركة. واليوم تحاول هذه الدول، والحكومات التابعة لها، عن طريق الضغوطات السياسية والإرهاب والحروب المصطنعه، تركيع الشعوب في العالم الإسلامي؛ لقبول هذا المشروع الإجرامي؛ المسمى (بصفقة القرن).

إن الشعوب في العالم الإسلامي لن تقبل بمثل هذه المخططات الخيانية الإجرامية، حتى لو قبلت بها حكوماتها الجاثمة على صدورها. وقد عبر عن هذه الحقيقة رئيس وزراء الكيان اليهودي (بنيامين نتنياهو)، في كلمة ألقاها في البرلمان (الإسرائيلي) “الكنيست” في 21/11/2017م، بمناسبة الذكرى الأربعين لزيارة الرئيس المصري (السادات) للكيان اليهودي حيث قال: “إن العقبة الكبرى أمام توسيع السلام لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائد في الشارع العربي، والذي تعرض خلال سنوات طويلة، لغسل دماغ تمثل بعرض صورة خاطئة ومنحازة عن دولة إسرائيل”.

  • لقد مرت الأمة الإسلامية بفترات من الضعف والتفكك، ومن هوان الحكام بعد أن غزا الصليبيون أرضها واغتصبوا ديارها لأكثر من مائتي عام متواصلة. وكانت في حالة من التفكك والضعف والخصومة لا تحسد عليها، ومن كان ينظر إلى حال الأمة في تلك الحقبة المظلمة يظن أنها لن تقوم لها قائمة أبدًا؛ إلا أن هذه الأمة نهضت من سباتها، وقامت من كبوتها، وهيأ الله عز وجل لها قادة أفذاذًا مخلصين قادوها ووحدوا بلادها؛ أمثال (نور الدين آل زنكي)، و(صلاح الدين الأيوبي)؛ فأفشلت كل مشاريع الكفار، وحرَّرت ما اغتصب منها. وما حدث في عهد الصليبيين حدث بنفس الطريقة في عهد المغول الوثنيين، وفي عهد الاستعمار الأول. وقد رفضت الشعوب في العالم الإسلامي كل المشاريع لتصفية قضية الأرض المباركة؛ ابتداء من مشروع التقسيم 1947م، وانتهاء بما يخطط اليوم عبر الوسطاء من الحكام العرب. ففي عهد عبد الناصر سنة 1953م سارت المظاهرات على قدم وساق، ضد هذا المشروع التصفوي، وارتقى في تلك المظاهرات أكثر من ثلاثين شهيدًا في منطقة غزة. وخرجت الجماهير الحاشدة ضد مشروع بورقيبة سنة 1965م، واتهمته بالخيانة العظمى. وخرجت كذلك ضد كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة بالملايين؛ رفضًا لهذه المؤامرات. وها هي الشعوب تهبُّ بالملايين ضد هذه المؤامرة المسماة (بصفقة القرن) ضد القدس والمقدسات، وما زالت الأمة؛ اليوم وغدًا وبعد غد؛ ترفض أي تنازل، أو تطبيع، أو خيانة لقضية مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

  • وفي الختام نقول: إن صفقة القرن هذه لا تعدو كونها مشروعًا أميركيًا قديمًا حديثًا؛ تريد حكومة ترمب من وراء تجسيدها في الواقع – هذه الأيام- تحقيق مكاسب سياسية، وسابقة لم يصل إليها من قبله من الرؤساء، أي يريد أولًا تحقيق مكسب سياسي كبير، حسب تعبيره؛ ليكون ذلك دعمًا له في ظل الهزات التي يتعرض لها في البيت الأبيض. وإن هذا المشروع سيكون على جثث الآلاف من أبناء المسلمين في سيناء وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، وخاصة عندما يبدأ ترحيل سكان سيناء جملة من مساكنهم، وعندما يبدأ ترحيل المخيمات داخل لبنان وسوريا قسرًا إلى هذه المنطقة. وإن إرادة الله سبحانه وتعالى فوق إرادة هؤلاء العملاء من الحكام، وإن مكر الله عز وجل فوق مكرهم؛ وخاصة أن هذا المخطط الإجرامي الرهيب يمس قضية أرض مباركة؛ فيها أولى القبلتين وثالث المسجدين. فنسأله تعالى أن يجعل مكر هؤلاء الكفرة اللئام في نحورهم، وأن يسلم أمة الإسلام من شرورهم، وأن يعجل لأمة الإسلام بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ لتحرِّر مسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكل بلاد المسلمين من دنس الكافرين.

 اللهم آمين يا رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *