العدد 376 -

السنة الثانية والثلاثين – جمادى الأولى 1439هـ – شباط 2018م

لماذا السياسة الأميركية في الشرق الأوسط قائمة على هذا الإجرام؟

بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا السياسة الأميركية في الشرق الأوسط قائمة على هذا الإجرام؟

عبد الكريم أبو مصعب – الجزائر

   من المؤكد أن صناعةَ السياسة الأميركية – خصوصًا الخارجية – عملية مركبةٌ ومعقدة، وأن اتخاذ القرار فيها ليس وليد اللحظة، ولا هي قرارات آنية لرئيس يتحكم بها، بل يساهم في رسمها عددٌ من الأطراف؛ ولكن مع ذلك فهي ترتكز على أساس ثابت ينبع منه أو يتحدد بموجبه صنعُ القرار، لا يتغير بتغير الرئيس أو الحكومة؛ ولذلك نستطيع أن نجملها في ثلاثة أطر هي:

  • السياسة العامة للمؤسسات الأميركية: وهي تجبر الرئيس على التحرك ضمنها (الكونغرس الأميركي بغرفتيه النواب والشيوخ) وهم يتحكمون بجميع الملفات، وخاصة ملف ما يطلقون عليه الشرق الأوسط بشكل كبير جدًا؛ لأنهم يرسمون مخططات عالمية بعيدة المدى.

  • سياسة الرئيس الخاصة، بما منحه إياه دستور 1787م، وفريق عمله بما تسمح به المجالس الديمقراطية المنتخَبة في أميركا.

  • سياسة مختلطة بينهما: وهذه تؤثر على السياسة الداخلية والخارجية، وهي التي تعطي الانطباع الكاذب بتغير السياسة الأميركية بتغير شخص الرئيس. فقد يُصنع القرارُ في دهاليز الدائرة الأولى، وتتكفل الدائرة الثانيةُ بنشر القرار وكأنه صادر عنها، وهنا تنطبع صورة أن السياسة الأميركية تتغير بتغير الرئيس. نعم طيلة المرحلة السابقة كنا نلاحظ أن هنالك حزبين كبيرين هما من يتداولان على السلطة وصنع القرار:

١ – الجمهوريون: ومنهم المحافظون الجدد، وتتمثل سياستُهم بالشدة والحرب والمواجهة، أمثال الرئيس الأسبق جورج بوش.

٢ – الديمقراطيون: وهم دائمًا يأتون بمواقف سياسية قابلة للحل والتميُّع، والرخاء الاقتصادي للداخل الأميركي بشكل عام. هم دبلوماسيين من أمثال كلينتون وأوباما؛ حيث قال الأخير مثلًا: “نحن الأميركيين، لازلنا نعتقد أنَّ تحققَ الأمن والسلام لا يتطلب حربًا دائمة”.

   وأخيرًا جاء الرئيس دونالد ترامب، وكأنه ظاهرة فريدة، أو هو من خارج السرب. فهل يا ترى سوف يغيِّر في السياسة الأميركية؟ أم أن مجيئه ليس مصادفةً، بل هو موجودٌ في سدة الحكم لخطة معينة، ومهيَّأٌ لهذه الفترة تحديدًا؟. لو عدنا لتاريخ السياسة الأميركية منذ نهاية القرن التاسع عشر لوجدنا أنها مرت في ثلاث مراحل، لكل مرحلة أيديولوجية خاصة، وكل واحدة منها ارتبطت بثورة تقنيةٍ صناعية.

  • مرحلة “دعه يعمل”: وقد ارتبطت بعصر الصلب والكهرباء، وهي من عام ١٨٧٩م إلى عام ١٩٢٩م.

  • مرحلة “العهد الجديد”: وقد ارتبطت بعصر السيارات والإنتاج الصناعي عمومًا من عام 1932م إلى عام ١٩٧٣م.

  • مرحلة “ثورة المحافظة”: وقد ارتبطت بعصر الشركات والعولمة المالية منذ عام ١٩٨٠م ومازالت، وهي في طور الانهيار.

   ونلاحظ أن المرحلة الأولى مثَّل ثورتـَها أبراهام لنكولن حيث انتُخب عام ١٨٦٠م. كما مثل ذروتها الرئيس تدي روزفلت الذي انتخب عام ١٩٠١م، ومثل لحظة انهيارها هربرت هوفر الذي انتُخب رئيسًا عام ١٩٢٨م، وهو الذي كان عهده لحظة نهايةِ الرأسمالية التقليدية (الأزمة المالية أو الكساد الكبير ١٩٢٩م). وكان السياسيون الأميركيون يعلمون ويتوقعون أنه سيكون هناك انهيار مالي، فكان حل الخروج من تلك الأزمة هي الحرب العالمية الثانية، وبتلك الحرب استطاعت الرأسمالية إعادةَ نفسها من جديد، ودخلت في مرحلة العهد الجديد الذي مثل ثورتَـه الرئيس فرانكلن روزفلت؛ حيث انتُخب عام ١٩٣٢م، ومثل ذروتـَها ليندون جونسون الذي انتُخب عام ١٩٦٣م. كما مثل لحظة انهيارها الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر الذي انتخب عام ١٩٧6م، والذي أخفق في تجاوز التضخم وأزمة الطاقة.

   وأيضًا كان السياسيون الأميركيون يعلمون أنهم على أعتاب انهيار مرحلة؛ ولذلك أدت هذه الأزمة إلى زيادة الاهتمام بالنفط ومصادره حيث تم إنشاء شركات عابرة للقارات، والاتجاه نحو العولمة المالية، وما سمي بمرحلة “ثورة المحافظة” التي مثل ثورتـَها الجمهوري رونالد ريغن الذي انتُخب عام ١٩٨٠م، ومثل ذروتها جورج بوش الأب الذي وصل إلى البيت الأبيض عام ٢٠٠٠م. وسوف يمثل انهيارَها بمشيئة الله الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي انتخب عام ٢٠١6م. كما أن السياسيين الأميركيين يعلمون كل العلم أنهم على أعتاب انهيار النظام المالي (الكارثة)، خلال فترة ليست بالطويلة، وأن ليس هناك أي وسيلة للحيلولة دون وقوعه. وكل ما في الأمر هو أن اتـُّخذت إجراءات لتأخير حدوثه قدر الإمكان، حيث قال الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية: “لا مانع عندي من أن أعلن إفلاس الولاياتِ المتحدة الأميركية!!”.

   وبهذا نجد أن الولايات المتحدة الأميركية قد فقدت الأملَ من الحيلولة دون وقوع هذا الانهيار المالي العالمي، وهي – بمبدئها الرأسمالي الجشع – المسؤولة عنه، وهذا ما عبر عنه أكبرُ اقتصاديي العالم.

   وبعد أن أيقنت الولاياتُ المتحدة الأميركية أنها ملزمة في خوض غمار هذا الانهيار، حوَّلت – ومنذ فترة – أنظارَها ومخططاتِـها إلى كيفية إعادة نفسها ومبدئها من جديد، أي بشكل آخر، حتى تُـبقي على سيطرتها على العالم لفترة جديدة، وربما لأمد أطول، فوجدت أنه يجب عليها تحديد مَن الذي يمكن أن يكون البديل لها، فوجدت الجواب من شقين: من داخل المبدأ ومن خارج المبدأ.

   أما من داخل المبدأ: فقد وجد الأميركان- إن استطاعوا وأدَ أي مبدأ آخر من الظهور – أنه مَن يستطيع إعادة نفسه زعيمًا لهذا المبدأ فلابد له من امتلاك مقومات الاقتصاد الحقيقي؛ لأن المرحلة القادمة بعد الانهيار سوف تعتمد حتمًا على الاقتصاد الحقيقي، وهذا الاقتصاد بحاجة إلى أدوات، بل الكثير من الثروات، أي موارد كبيرة جدًا؛ ليتمكن من التحكم بمفاصل الاقتصاد العالمي، وليكون العالـمُ بأسره محتاجًا لما لديه من الموارد (طاقة – مواد أولية – معادن – ذهب – سيطرة على الممرات البرية والبحرية والجوية – توسط من ناحية الموقع الجغرافي ..إلخ).  كما لاحظوا أيضًا أن هذه الأمور والأشياء ليست متوفرة سوى في منطقة واحدة هي الشرق الأوسط لا غير. وهذا يعني أن مَن تكون له السيطرة على الشرق الأوسط (البلاد الإسلامية) هو الوحيد الذي يستطيع إعادةَ نفسه وفرض هيمنته وشروطه على العالم بأسره!!؛ ولذلك نظرت أميركا إلى أكبر القوى الدولية الموجودة حاليًا، فوجدت أنها الصين وأوروبا. أما الصين فصحيح هي مارد اقتصادي، ولكنه لا يملك الطاقة ومميزات (ثروات) الشرق الأوسط. كما لا تمتلك الصين أيَّ تواجد في الشرق الأوسط حتى تسيطر عليه، فهي لا وجود لها خارج أراضيها، ناهيك عن كون علاقاتها بالجوار (الصيني) سيئة.  كما وأنها تفتقر إلى واقع دولي مرموق؛ ولذلك فهي بعيدةٌ كل البعد عن امتلاك إعادة نفسها بسرعة.

   وأما أوروبا فإنها قادرة وبقوة على استعادة مكانتِـها في الشرق الأوسط، وخاصة بريطانيا، وهذا هو ما يفسر تصميم بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، بغض النظر عما لها من فوائد آنية أو مرحلية من هذا الخروج؛  وذلك كي تتفرد هي، لكي لا تعيقها الدول الأوروبية، ولا يكون عليها التزامات ومعاهدات؛ لأن بريطانيا تمتلك بالفعل – ومنذ زمن بعيد – أوساطًا في منطقة الشرق الأوسط والخليج خاصة؛ لذلك كان لزامًا على الولايات المتحدة الأميركية قطع يد بريطانيا خاصة، وأوروبا عامةً من منطقة الشرق الأوسط برمتها. وهذا هو ما يجيب على تساؤل العامة: لماذا تغير أميركا من عملاء الخليج، مع أنهم لا يخالفون لها أمرًا، ولا يستنكرون لها رأيًا، ولا ينكرون عليها فعلًا؟  ومع ذلك فقد رأينا الهجمات الإقصائية لهم، والعمل على تقويض حكمهم، ووضع حكام جدد يخضعون وينفذون كل ما تطلبه أميركا منهم. كما وضعت لهم بطانة جديدة ومعارضةً تابعةً لها (أي لأميركا) حتى تُـحكم السيطرة نهائيًا. وهو أيضًا ما يفسر سعيَ أميركا لزعزعة الاتحاد الأوروبي أو تقويضه، وذلك بدعم أي حركة انفصال دولي أو إقليمي في أوروبا. وإذا كان هذا العمل في الحقيقة يشكل عبئًا ثقيلًا على الولايات المتحدة الأميركية في هذه المرحلة، إلا أنه هو الضامن الوحيد لكي تبقى هي القوة أو الدولة التي تستطيع إعادةَ نفسها بسرعة، والسيطرة على العالم من جديد.

   وأما من خارج المبدأ: فهي تعلم علم اليقين أن المبدأ المنافس الوحيد هو الإسلام، لذلك جعلت من الإسلام الحقيقي عدوًا لها، إذ منذ زمن وهي تحارب الإسلام، ولكن ليس بطريقة المواجهة المباشرة، وإنما أخذت تحاربه بما لديها من عملاء وخونة ومشايخ عبر المال القذر، وسخرت كل قدرات المخابرات لها وللعالم أجمع لتدير المخططات بالطرق المعلنة، وغير المعلنة، وبالطرق الرسمية وغير الرسمية. وتعلم أنه إن كتب له الظهور، فسيكون على الأرجح في منطقة الشرق الأوسط، وسوف يشكل عليها خطرًا كببرًا جدًا، ولو ببقعة صغيرة وعلى يد مجموعة صغيرة تَـعرف كيف تدير الأمور! وكونها مخلصة لله تعالى القوي العزيز، ولو كانت صغيرة، ومتمسكة بمبدئها الإسلام تمسكًا قويًا، فهي لن ينقصها أي شيء لتقود العالم… فلن يطول الزمن ويعود “مارد الإسلام” ليأخذ مكانَـه الطبيعي في هذا العالم، فهو يمتلك منهجًا ربانيًا قويمًا لينتشل العالـمَ من ظلم الرأسمالية وجشعها وسفالتها، ويعيد لكل ذي حق حقَّه، ويقود العالم إلى عز الدنيا وعز الآخرة، ناهيك عن أنه يمتلك كل ما يلزمه للمرحلة القادمة. وبسرعةٍ منقطعةِ النظير سوف يصبح هو سيد العالم بلا منازع، وسيعود إلى سابق عهد الدولة التي لا تقهر.

   ولذلك كان الشرق الأوسط ذا أهميةٍ خاصةٍ جدًا؛ ولذلك أيضًا نجد أن الولايات المتحدة الأميركية تبذل الغالي والنفيس لمنعه من السيادة، وتستخدم أزلامها في تنفيذ مخططاتها، وتسحق من يقف في طريقها؛ لأن المسألة بالنسبة لها: إما أن تكون، أو لا تكون.  ومن خططها ما يلي:

  • حاربت الإسلام الحقيقي أي المبدأ الصحيح الذي هو “الإسلام السياسي” لأنه هو الخطر الحقيقي عليها؛ لذلك عمدت إلى تشويهه، وادّعت أنه لا يصلح للحكم في هذا الوقت، وهي تخفي أيَّ هجوم صريح عليه؛ لأن الأمة إذا التفت حوله وأدركت قوتها فستنتهي هي (أي أميركا)!!؛ ولذلك أوجدت تنظيمَ الدولة (داعش) ليعلن خلافة إسلامية لكي يشوه صورتها بتنفيذ أعمال شنيعةٍ وأحكام على غير شريعتها، وتقوم هي وكأنها الراهب الرحيم بهذه الأمة.

  • وضعت يدها كاملة على هذه المنطقة، منطقة الشرق الأوسط، وقطعت كل الأيادي القديمة والجديدة، وها هي في طور إنهاء إعادة تشكيله تمامًا، وذلك لضعف الأطراف الأخرى.

  • عملت على طمأنة “الزعماء السنة” الرئيسيين، والالتزام بأمنهم، وتصدت هي لـ “الشيعة” ولخطر الشيعة الوهمي!!

  • عملت على إضعاف القدرة العسكرية لدول الشرق الأوسط، وذلك باستنـزاف قدراتها في حروب محلية وإقليمية، وراقبت منع امتلاكها لأية أسلحة حديثة.

  • إبعاد فكر الإسلام عن الحكم، وجعله “تعبديًا” قاصرًا على ناحية علاقة الإنسان بخالقه، وإرخاء الحبل للصوفية من جديد، وذلك عبر إحياء واستنساخ مشايخهم، ودعمهم ماليًا وإعلاميًا، وتغيير مناهج التعليم، وإخفاء جوهر الإسلام.. إلخ.

  • وبعد تحقق ذلك هي لا تريد أية زعامةٍ كبيرة في المنطقة لما لها من خطر مستقبلي، وهذا ينطبق خاصةً على السعودية، وتركيا، ومصر.

  • السماح ودعم التغلغل (الإسرائيلي) في المنطقة عبر علاقات مع دويلات العرب وإكمال فكرة التطبيع.

  • إنشاء حكومات في الشرق الأوسط لا تستطيع وحدها بناء دولة قوية، وإيجاد معارضة شرسة لها تكون في داخلها تابعةً لها أيضًا، حتى يتسنى لها قلب الموازين في أي وقت، ولمنع أي تغلغل أوروبي منافس فيها.

   وبعد هذا السرد الموجز نقول: إن أميركا تسعى فعلًا جاهدةً – ومنذ زمن – لفرض سيطرتها على هذه المنطقة.  ولكنها ظنت أنه بتمام ما تفعل من إخماد للثورات، وتنصيب العملاء الجدد، وتضليل الشعوب الإسلامية، وإفقارها رغم غناها، وتجزئتها رغم ما تمتلك من أسباب الوحدة، وإقناع شعوبها وحكوماتها أنه لا حول ولا قوة لهم، وأنهم لا يستطيعون فعلَ شيء حيال ذلك.. فإنها سوف تحافظ على هذا المارد في غيبوبة طويلة أخرى!!؛ ولكن الأميركان أغفلوا أن هذه الأمة في مرحلة الاستيقاظ، وأنه هناك ثلة من المخلصين الذين وعوا ما يحاك لهذه الأمة، وأعدُّوا العدة، وهم جمر تحت ركام ما يطفئون، وسوف ينقضون عليهم، وهم على دراية بما يفعلون، وما يخططُ له الغرب الماكر، وهم يحملون دستورهم ومنهجَهم الرباني المنبثق من الكتاب والسنة وقد تسلحوا بكل ما يلزم، ويغذون خطاهم للسير على خطى رسولهم الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

   من هنا فإننا نناشد كلَّ مخلص من أهل القوة الذين لم تلوث أيديهم بالخيانات ولا بدماء المسلمين، أن يهبوا إلى نصرة هذا الدين، ولا يكونوا كالحكام الخونة عميان البصر والبصيرة، وأن لا ينظر الواحد منهم تحت قدميه فقط، وأن لا يجعلوا الواقع مصدر تفكيرهم، وألا يتناسوا أو يتغافلوا عن إمكانيات هذه الأمة العظيمة بمبدئها وعقيدتها وشعوبها ومواردها.. فهؤلاء الحكام لو فكر أحدُهم مجرد تفكير بأن ينصر الإسلامَ والمسلمين اليوم لأصبح أكبرَ وأعظمَ قائدٍ في العالم، ولفاز بعز الدنيا والآخرة، ولكن الله جل شأنه لا ينصر خوانًا أثيمًا، ولا خائنًا ذليلًا ارتضى أن يكون عبدًا لغير الله.

فأقول لكم: يا أهل القوة، ويا قادةَ جيوش هذه الأمة… لا تنظروا تحت أقدامكم فتقولوا: أين نحن من هذه القوى المحيطة بنا؟ أو أين نحن من قوة أميركا وغيرها؟ وأن ليس لنا إلا أن ننفذ ونطيع ونطـبِّع، أو إن نصرَ هذا الدين سوف يأتي زمانه ولكن ليس هذا اليوم هو زمانه، وأننا لا يمكن أن نصمد ولو ليوم واحد؟ وأنه لو أرادوا إبادتـَنا لفعلوا؟!

   انظروا إلى ثورة الشام: كل قوى العالم مجهزة بأعتى أنواع أدوات القتال، وأسلحة التدمير الشامل، ومكر الماكرين، والمال السياسي القذر، وبعد ست سنوات… لم يستطيعوا هزمها إلا بالمفاوضات، أليس هذا مثلًا حيًا أمامنا حتى نعي قوتنا؟  وأننا لو كنا تحت قيادة مخلصة، لوحَّدت الجهود، وللفظت المال القذر، ولأصمَّت الآذان عن الخونة والمغرضين، ولو تمسكنا بمبدئنا لانتصرنا بأقل كلفة.. من اليوم؟!

   أليس لنا في قصص القرآن الكريم عبرة؟ فهذا طالوت جهز جيشًا لقتال العمالقة يبلغ قرابة ثمانين ألف مقاتل، وكانوا لا يظنون النصر فامتحنهم الله. قال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦ)، فشرب معظم الجيش إلا من اغترف، فلم يثبت منهم سوى أربعة ألاف مقاتل، وقال الباقون ما قال الله تعالى على لسانهم: (قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ).

   بالله عليكم لو كنتم مكان هذا القائد فماذا ستفعلون؟ ربما سوف تقولون: اليوم ليس يوم نصر ولنرجع!… لكنهم لفظوا الواقع، ولم يتخذوه مصدرًا للتفكير، وقالوا ما ذكره الله تعالى: (قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ) فانتصروا بسبب ثباتهم على مبدئهم.

   ونحن اليوم نمتلك من القوة ما لا حصر له، ولكننا لم ندرك أننا أقوياء، ولم ننظر لحالنا وقوتنا نظرةَ المبصر البصير، وتركناها مشتتة مبعثرة بينما الضباع تنهشنا، وكلابهم في بلادنا تذود عنهم بقتلنا، تُبعد الواعين وتقتل المخلصين.

   فيا قادة هذه الأمة: كونوا سعدًا (رضي الله عنه)، وكونوا أنصار هذه الأمة! نعم قد نُحاصر، قد نكابد بعض الصعاب والشدائد، ولكننا منصورون بإذن الله ووعده!. فأعطوا قيادتكم إلى مشروع الأمةِ مشروع حزب التحرير، وانصروا دعوته. يا شباب هذه الأمة غذُّوا السير مع هذا الحزب العظيم، وتبنَّوا ما يتبنى..  لكي نعيد عز الأمة، ونحقق بشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خلافة على منهاج النبوة.

   ويا شباب حزب التحرير، أنتم مطالبون بأكثر مما تقدمون، والله ناصركم، ومعز دعوتكم، ورافع رايتكم. واللهِ، إنَّ الله متمُّ نورهِ ولو كره الكافرون، فالحقوا مع الركب أيها المسلمون قبل أن يفوتكم فتكونوا من النادمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *