العدد 46 -

السنة الرابعة – رجب 1411هـ، شباط 1991م

نيكسون يتكلم بصراحة

المقال التالي هو لريتشارد نيسكون رئيس الولايات المتحدة سابقاً (1969 ـ 1974) وأحد ابرز سياسيي أميركا. لقد نشرته «الهيرالد تربيون» في 07/01/91 وترجمته جريدة السفير البيروتية في 12/01/91.

إنه يتكلم بصراحة أن أميركا لم تأتِ من أجل الديمقراطية، ولا من أجل أهل المنطقة، بل من اجل مصالحها ومن اجل فرض سيطرتها على العالم وعلى هذه المنطقة الغنية بالنفط. وإليكم كلامه:

مع بوش بدون تردّد

لقد حان الوقت للتحدث بصراحة عن دواعي إمضاء أربعمئة ألف شاب أميركي فترة عيد الميلاد في صحاري السعودية كما حان الوقت لتوضيح أسباب توقع أن تجد الولايات المتحدة نفسها في غضون أقل من أسبوعين في حرب جديدة.

وقبل كل شيء، يجدر بنا أن نبين أن النزاع لم يكن حول أمور معينة:

فإذا اضطررنا للجوء إلى القوى العسكرية لطرد صدام حسين من الكويت، فإن حربنا هذه لن تكون حرباً حول الديمقراطية، فإذا كان هدفنا إعادة الحكومة الشرعية إلى الكويت، فإنه من الرياء الإيحاء بأننا نأمل بهذا الأمر إقامة الديمقراطية في الكويت. فباستثناء إسرائيل، ليس هناك ديمقراطية في أي دولة في الشرق الأوسط ولن تكون هناك أي ديمقراطية في هذه المنطقة في المستقبل المنظور. وإن أمير الكويت هو من أكثر الديكتاتوريين في العالم كرماً وحباً للخير، إلا أنه حالما يعود مجدداً إلى قصره فسيبقى ديكتاتوراً.

كذلك، كون صدام حسين قائداً وحشياً لا يبرر تدخلنا، ولقد جرى انتقاد الرئيس بوش لمساواته صدام حسين بهتلر. وما إذا كان صدام بهذا السوء فهو أمر لا علاقة له بالموضوع، فهو أصلاً سيئ وشرير كفاية. وجنوده يقتلون ويعذبون وبعتقلون الكويتيين الذين لا حول لهم وينهبون بلدهم. وصدام حسين انتهك القانون الدولي عير استعماله الأسلحة الكيميائية ضد إيران والأكراد (…).

فسوريا والعراق على السواء يهددان المصالح الأميركية إلا أن العراق يشكل اليوم الخطر الأعظم العويص. أما أولئك الذين يلومون الرئيس بوش لطلبه دعم سوريا فيجدر بهم تذكر الرد النموذجي البسيط للرئيس ونستون تشرشل على منتقديه لدعم ستالين بعد اجتياح هتلر للاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية حين قال: «حتى ولو اجتاح هتلر جهنم، فأعتقد أني سأجد كلمة لطيفة ما لأقولها بشأن إبليس في مجلس العموم».

إن الولايات المتحدة هي اليوم في الخليج لسببين رئيسيين: الأول إن لصدام حسين أطماعاً غير محدودة في السيطرة على إحدى أهم المناطق الاستراتيجية في العالم. وإذا كان السيناتور بوب دول قد قال بأن النفط هو سبب وجودنا في الخليج، واعتبر وزير الخارجية السيد جيمس بيكر أننا في الخليج لأداء واجبنا، وإذا كان قد جرى انتقادهما لتبريرهما تصرفاتنا على أسس محض أنانية، فأني أقول أنه ليس علينا أبداً الاعتذار لدفاعنا عن مصالحنا الاقتصادية الحيوية.

ولو أن أميركا لم تتدخل في الخليج، لكان هذا الخارج عن القانون الدولي قد سيطر على أكثر من 40 بالمئة من نفط العالم. في وقت كان يمكن فيه للولايات المتحدة ـ عبر تقنين وصيانة شديدين للطاقة لديها ـ أن تدبر أمرها من دون نفط الخليج، إلا أن أوروبا الغربية واليابان لا تستطيعان ذلك.

إن ما حدث لاقتصاد الدول الصناعة العظمى الأخرى كان له التأثير المباشر على اقتصاد الولايات المتحدة. وإننا لا يمكن أن نسمح لصدام حسين بأن يبتزنا مع حلفائنا ليكرهنا على القبول بغاياته العدوانية وتركه يمسك بصِمَامِ الطريق الحيوية لنفطنا.

ولأن صدام حسين يملك نفطاً، فإنه يملك بالتالي الوسائل التي تتيح له نيل الأسلحة التي يحتاجها للاعتداء على الدول المجاورة له. بما فيها الأسلحة النووية. وإذا نجح صام في الكويت فإنه بالتأكيد سيهاجم غيرها وسيلجأ لذلك إلى أي سلاح يمكنه تحقيق مراميه. فإذا لم نوقفه اليوم، فسيكون علينا أن نوقفه في ما بعد، حين تصبح كلفة ذلك من حياة الشباب الأميركي إصابات لا تحصى. وهناك أيضاً سبب أكثر أهمية على المدى الطويل يدفعنا إلى صد العدوان العراقي، فإننا لسنا أكيدين ـ كما يعتقد أو يأمل البعض بذلك ـ أننا ندخل عهداً جديداً من مرحلة ما بعد الحرب الباردة حيث لن يعود فيه العدوان المسلح أداة ووسيلة لتحقيق السياسة الوطنية، غير أننا في المقابل نستطيع أن نكون أكيدين أنه في حال ربح صدام حسين في حربه، فإن ذلك سيكون إغراء لمعتدين آخرين كامنين في العالم لشن حروب ضد جيرانهم.

وإذا نجحنا في طرد صدام حسين من الكويت بموجب قرارات الأمم المتحدة، واستطعنا إلغاء قدرته على شن أي حرب مستقبلة ـ (وهو أمر يجب أن يكون هدفنا في حال رفض صدام الانسحاب بشكل سلمي واضطررنا إلى اللجوء إلى العمل العسكري) ـ إذا نجحنا فعلاً في ذلك، فإننا نكون قد نلنا المصداقية لقمع أي عدوان في أي مكان في العالم من دون الحاجة إلى إرسال قواتنا إلى هذه الأماكن، وسيأخذ العالم بجدية بتحذيراتنا من أي عدوان.

يرى بعض منتقدينا ضرورة الاستمرار في التعويل على العقوبات لفترة تطول على الثمانية عشر شهراً قبل اللجوء إلى القوة العسكرية، ويؤكدون إنه حتى في حال فشل هذه العقوبات، فإنها على الأقل ستكون قد أضعفت صدام حسين إلى درجة كبيرة لن نحتاج معها إلى تكبد إصابات مهمة في حال قامت الحرب. إلا أن هؤلاء يخطئون في رؤيتهم لثلاثة اعتبارات:

– أولاً – إن هذه العقوبات وإن كانت تؤثر بشكل فعلي على الشعب العراقي، فإنها لن تنعكس على الجيش العراقي لأن صدام سيوجه كل موارده ومداخيله للحؤول دون ذلك.

– ثانثاً – إن هذه العقوبات صحيح أنها ستضعف العراق، إلا أنها ستنهكنا وتضعفنا أكثر بسبب الصعوبات السياسية للإبقاء على تحالفاتنا مع الخارج وللإبقاء على الدعم الداخلي لتعهدات قواتنا في الخليج.

وأخيراً فإنه أقصى ما يمكن لهؤلاء المنتقدين أن يدعوه هو أنه من الممكن لهذه العقوبات أن تفعل فعلها. إلا أنه من المؤكد أيضاً أن القوى العسكرية تستطيع النجاح. وأن المخاطر كبيرة جداً لدرجة أنها لا تسمح بالفشل.

وهناك منتقدون آخرون يعتقدون أن الدبلوماسية قادرة في آخر الأمر على إقناع صدام بضرورة انسحابه من الكويت، غلا أنه ليس أمام الدبلوماسية ولا العقوبات فرصة النجاح ما لم يدرك صدام أنه إذا لم ينسحب سليماً من الكويت، فإن الشعب الأميركي وحلفاء أميركا سيتّحدون لدعم عملية طرده عسكرياً.

وإذا ما كان يمكن للقاء وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر ووزير الخارجية العراقي طارق عزيز، أن يفشل في التوصل إلى أي اتفاق ينسجم بلا أي شرط مع قرارا الأمم المتحدة، فإنه يجدر بنا أن نتذكر وندرك أنه حين نتعامل مع معتد نهم فإن السلام السيئ هو أسوأ من الحرب، لأنه سيؤدي بلا مفر إلى حرب أوسع وأكبر.

وأخيراً، فإنه إذا كان علينا الذهاب إلى الحرب، فإنها لن تكون مجرد حرب حول النفط، وهي أيضاً لن تكون حرباً حول الديمقراطية، بل ستكون حرباً حول السلام من أجل السلام، ليس السلام لجيلنا فقط، بل لجيل أولادنا وأحفادنا في السنوات القادمة.

وإذا ربح صدام حسين بأي وسيلة من عدوانه، رغم التزامنا الذي لم يسبق مثله اقتصادياً ودبلوماسياً وعسكرياً، فإن معتدين آخرين سيتشجعون لشن حروب ضد جيرانهم وسيصبح السلام في أي مكان من العالم في خطر كبير، لهذا السبب فإن التزامنا في الخليج هو عمل معنوي كبير الأهمية¨

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *