حوار ملك المغرب (الحسن) والتلفزة الفرنسية
1990/03/07م
المقالات
3,867 زيارة
فيما يلي النقاط في الحوار بين الملك الحسن والقناة الثانية (الفرنكوفونية T.V.5 والتي تبث برامجها في خمس وعشرين دولة. عنوان البرنامج (ساعة حق). وهو برنامج استجوابي مباشر يقوم به صحفيون فرنسيون وشخص من ذوي الأثر في الوسط السياسي.
ولأول مرة تم تصوير وإدارة الحوار مع حاكم عربي. وتم هذا التصوير بقصر الملك الحسن الثاني، ملك المغرب، بالرباط. وكان الملك هو ضيف البرنامج. بدأ البرنامج الساعة الثامنة وخمس وثلاثين دقيقة حسب التوقيت بفرنسا، مساء يوم الأحد 17/12/89.
واستغرق ساعة وثماني عشرة دقيقة، تقدم فيها ثلاثة صحفيين فرنسيين بالأسئلة وهم بالترتيب: ألان ديهاميل، وجون دانيال [صديق الملك]، وألبير ديروا. وإلى جانب هؤلاء قامت الصحافية جونفييف مول مباشرة من باريس بـ الأسئلة المطروحة من طرف الفرنسيين عبر الهاتف وايمينيتييل. وإلى جانب هذا كله تكلف مدير الحوار بإعطاء نتائج استطلاع الرأي الفرنسي حول مضمون الحوار والأسئلة المستنتجة منه.
[«الوعي» تنشر هذا الحوار دون تعليق لأنه غني عن التعليق].
التمهيد للبرنامج (بلسان مدير الحوار دوريو)
بدأ دوريو قائلاً: يجب القول، يا صاحب الجلالة، أنك ـ بالنسبة للمشاهد الفرنسي ـ لست رئيس دولة كباقي الرؤساء، فأنت القائد الروحي والقائد الزمني للمكلة المغربية. فأنت وارث لسلالة حاكمة في هذا البلد منذ ثلاث مائة وثلاثين عاماً من جهة ومن سلالة النبي وأميرُ المؤمنين من جهة أخرى. وهذا يعني أن لك مهمتين: المحافظة على الإسلام، والمحافظة على الدستور الذي وضعته بنفسك لهذا البلد.
وحسب هذا الدستور، فإن شخصكم مقدس ومحترم، وكل من طعن في جلالتك يعتبر منتهكاً لحرمة ويستحق العقاب […].
وهذا المساء يا صاحب الجلالة لا نطلب فقط رأي رئيس الدولة فقط بل وحكم أمير المؤمنين. […].
الحوار
جونفييف مول ـ السؤال: إن الفرنسيين قلقون من جهة هذه المسائل الدينية (…) والسؤال الأول هو: النساء المغربيات لا يرتدين كلهن الحجاب، والمسلمون التقليديون في فرنسا يقولون لنا أن الحجاب ضروري لاحترام الدين الإسلامي، فأين الحقيقة؟
الحسن الثاني: الجواب: «يمكن لي أن أقول فيما يتعلق بهذا السؤال أن الأكثرية من النساء المغربيات أكثر فأكثر لا يرتدين الحجاب. ولا نظن أنهن يخالفن بهذا الأوامر الدينية، لأن الأوامر الدينية المتعلقة بلباس الحجاب محدودة في الزمان والمكان. والدليل على ذلك أنه عندما طلبنا من الفتاتين المغربيتين، [والمراد بهما هنا الفتاتين اللتين ثارت حولهما ضجة الحجاب بفرنسا] عندما بلغتهما طلبي شخصياً، بصفتي أباً لأسرة، بواسطة سفيري، بأن يُنهيا هذه القضية التي كانتا السبب فيها، عن غير إرادتهما، فإنهما فهمتا جيّداً وكذلك أبوهما.
ووجه له ألان ديهاميل سؤالاً عن «الخمار القرآني» فأبدى الملك استغراباً، وقال أنه لم يسمع هذا التعبير من قبل، وقال إنما هو خمار، لأنه لا يمكن أن نطلق أسماء مقدسة على أثواب، ثم زاد قائلاً: «بناتي مارَسْنَ السباحة، ولَعِبْنَ كُرَةَ السّلة بالسروال القصير، ولعبن كُرة المضرب التَّنُّورة، وكذلك أخواتي في عهد أبي… ولا يمكن أن نفهم ما يمنعهن من شيء قد اعترف لهن به الدين، طبعاً بشرط أن لا تكون هناك إثارة».
وعلى سؤال من نفس الصحفي حول هجرة اليد العالمة، أجاب:
«… كل ما كانت الهجرة مراقبة كانت فرنسا حُرّة في التحدث معنا حول شروط معيشة هؤلاء المغاربة، بما فيها حياتهم الدينية والجماعية».
الاندماج
وعلى سؤال حول الاندماج [أي اندماج المغاربة في المجتمع الفرنسي] أجاب: «أنا ضدّه (…) ليس هناك مغاربة مولودون بالمغرب متربون فيه، ومغاربة مولودون بفرنسا ومتربون فيها، كلاهما صالح أن يكون منتخِباً ومنتخباً عليه، وعندما قلتُ للمغاربة سيروا فساروا، ولا سيما حينما قلت لهم توقفوا فتوقفوا…
الصحفي: في المسيرة الخضراء؟
الحسن مستأنفاً: نعم، نريد أن نجد فيهم هذا الشعور في القرون المقبلة».
الانتخاب
وعلى سؤال حول إمكانية مشاركة المغاربة في الانتخابات المحلية الفرنسية، أجاب قائلاً: «أنا ضده (…) [ثم زاد بعد شيء من الكلام]» إن أمامكم [رجلاً] مندمجاً مائة بالمائة… أحسبُ نفسي مندمجاً في المجتمع الفرنسي، وفي العقلية الفرنسية، وفيما يمكن أن يفكر فيه الفرنسيون (…) ولكن هذا لن يجعلني أرفع إصبعي لأطلب الحق في الانتخابات».
حول المعتقلين
وحينما طلب منه الصحفي الثاني صديقه جون دانيال، مدير «Le nouvel observateur» الرحمة على المُعْتَقلين، أجاب:
«لا شك أن ما بقي أمامي أقل مما فات… (…) أولاً أنا إنسان طيب، والنبي قال ـ وهد كان هو كذلك إنساناً طيب (…) ـ أنه ما كان يغضب إلا إذا انْتُهكت حرمات الله…».
حول حقوق الإنسان
طرحت جونفييف مول سؤالاً، نقلاً عن بعض المشاهدين:
السؤال: تقرير منظمة العفو الدولية لسنة 1989 مُفحمٌ فيما يتعلق بالمغرب ولا سيما فيما يخص التنكيل في السجون، ألست يا صاحب الجلالة مُرْتبكاً من هذا التقرير؟
الجواب: لو كان واحد في المائة مما جاء في هذا التقرير حقيقياً لما طاب لي نوم حتى يتوقف، ولقد طلبت من منظمة العفو الدولية أن تحضر، وإنني دائماً في انتظارهم (…).
[يجدر الذكر هنا أن الصحف طالعتنا بتكذيب المنظمة لتصريح الحسن الثاني في هذا الشأن].
وتقدم ألبير ديروا سائلاً، ومن بين أسئلته:
السؤال: هل هناك ممن هم حولك من ينتقدك؟
الجواب: لا ننسى أن ليس أسرتين: الكبيرة والصغيرة، فالكبيرة هي شعبي، وفي هذا الميدان لا أخذ قراراً لوحدي، ولهذا لا أنتظر أن أسمع من يقول: كيف هذا! أمس كنت كذا واليوم أخذت القرار الفلاني!
السؤال: هل للصحافة المغربية الحق في نقدك؟
الجواب: أولاً أنا لا أُضَع في معادلة (…) فلا أوضع في معادلة، لا في انتخابات تشريعية أو رئاسية أو بلدية أو جزئية.
السؤال: فيما يتعلق بفرنسا، لقد احتفلت فرنسا هذا العام بذكرى الثورة الفرنسية لعام 1789، هل عُنيت بها!
الجواب: نعم، ولكَم تعجبت من أنني لم أُدعَ (…) وأهانني الأمر.
السؤال: هل تعد نفسك مشاطراً للإسلام الذي ينادي به البعض (…) من الذين يصيحون في الشوارع بالجهاد [في شوارع فرنسا] هل الجهاد جزء من الإسلام مثلاً؟
الجواب: كان جزءاً من الإسلام، حينما كان الإسلام شرذمة، وكانت تحتاج التوسع، ولكن منذ ذلك الحين تطورت الأمور. ولكن لم يصبح العرب أصحاب سلم لأنهم صاروا أقل قوة، كلا ليس الأمر كذلك (…) إنني اعتبر نفسي أخاً لكل مسلم يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولكن حين يشرعون ـ بسلوكهم العنيف، اللاسماحي، واللاتقدمي واللامستقبلي ـ في التحريف أو التقصير من طول رجل هذا الدين، فإنني لا أعتبر نفسي أخاً لهم، بصراحة.
السؤال: هل يمكن أن يقام في يوم من الأيام مجمع ديني للإسلام؟
الجواب: نحن نريد هذا.
السؤال: من هم «نحْنُ »؟
الجواب: نحن مع بعض أصدقائنا من الشيعة، ولقد بدأنا ـ قبل الخمينية وبعدها ـ في حوار مع بعض تلامذة الخميني الذين بقوا في إيران، وقلنا لهم أن الإسلام موجود منذ أربعة عشر قرناً، ومنذ أربعة عشر قرناً والسنّة والشيعة موجودان، ونحن نعيش في سلم…
ديوروا: لنشرح للمشاهد الفرنسي أن السنة هي الاتجاه السني والشيعة هي الاتجاه الشيعي…
الجواب: … نعم، والشيعة بدعة، وما إن خرج علينا اسمه خميني حتى أصبحنا يضرب بعضنا بعضا، مع أننا عشنا إخواناً لمدة أربعة عشر قرناً، فلنستأنف الحوار.
السؤال: هل يمكن لمجمع ديني من هذا النوع أن يحقق للإسلام وحدة جديدة؟
الجواب: الوحدانية لا، الوحدة نعم، ولا شك أنها ستعجل له مصطلحاً عاماً وقاموساً عاماً فيما يخص السلوك.
السؤال: مدير المركز الإسلامي السابق، المتوفى، كان يسعى لإيجاد جهاز ترجع إليه الجماعة الإسلامية، أي ما يشبه كنيسة إسلامية، هل هذا مستحب لديك؟
الجواب: لا، أولاً، لا أريد الحديث عن كنيسة… عن معبد باريس!
السؤال: لماذا عدم الحديث؟
الجواب: أولاً لأنه قديم، ثانياً لا أحب الحديث عنه، هو مشكل محاسبة مالية (…) جدي الأكبر هو الذي دشنها عام 1926، والمغرب هو الذي أعطى ثلاثة أرباع المعاونة (…) ومنذ أن وجد هذا المسجد لم يتسلم المغرب الإدارة، وأنوي تقديم طلب للرئيس فرانسوا ميتران ولجاك شيراك على الموافقة لأن تُباع لي أرض، وسنبني مسجداً عن طريق الاكتتاب، والذي سنجعل فيه إماماً مغربياً سُنياً، وسترون حينئذ، كما لو كانت هناك كومة حبّ لم تدرس وجاء الريح وفرّق بين الحبة الطيبة، وكل ما كان قشاً أو غيره يذهب إلى الطرف الآخر، وسترون أن أكثر المسلمين الحقيقيين سيأتون إلى مسجدنا، (…) وأعرف أن هناك فرنسيين أقحاح، وهم مسلمون خلفاً عن سلف، فإن وجدت فرنسيّاً وصل إلى قمة الإسلام ليتولى هذه الكنيسة ـ ولا يشترط فيه أن يكون مغربياً، وأفضل أن يكون فرنسياً ـ ويديرها، أطلب منه فقط أن يلبس جلباباً وطربوشاً لكي يراه الناس مرتدياً الأبيض ولكي يأتمّوا به في الصلاة [وعقب الملك على كلامه بابتسامة استهزاء خفيفة].
السؤال: المسجد الكبير الذي تبنونه في الدار البيضاء، صحيح أن الدين هام ويحتاج إلى مساجد وكنائس و(…) أليس ثمنه، الذي أدته الشركات الكبرى والشعب المغربي، أليس هذا شيئاً عظيماً، وكبيراً، وغَنِيّاً بالنسبة لشعب يعيش في التأخر والفقر؟
الجواب: سؤالك في غير محله، تُريد أن تتكلم عن مساحة هذا المسجد، طيب لِنَرُدَّ الأمور إلى ظروفها التاريخية، فماذا عن كنيسة باريس الكبرى باعتبار الظرف التاريخي والاقتصادي الفرنسي وقت بنائها.
تعقيب الصحفي: ربما كان هذا خطأ اقتصادياً؟
الحسن: ماذا؟
تعقيب: ربما كان هذا خطأ اقتصادياً؟
الجواب: نحن في عالم حرية التعبير وأنت حر فيما تقول.
السؤال: هل الاكتتاب كان حُراً، هل كل الضرائب التي موّلت بناء هذا المسجد كانت حرة، متطوعة؟
الجواب: أممم… [سكوت].
السؤال: ربما كان سؤالي في غير محله؟
الجواب: عندنا حالياً مشكل قانوني مع جريدة لوموند فيما يخص هذه المسألة، فاذهب عندهم لتعرف رأيهم…
*****
بعض نتائج استطلاع الرأي الفرنسي خلال الحوار
1- السؤال المطروح على الفرنسيين:
– هل تعتقدون أن الملك الحسن قد أحسن حينما تدخل في قضية المواطنين المغاربة فيما يخص [نزع] الحجاب الإسلامي؟
[والموضوع حول البنتين الملتزمتين في مدرسةٍ بـ «كريل» بفرنسا].
الجواب:
78%: نعم.
12%: لا.
10%: بلا رأي.
2- فكرة الفرنسيين على الحسن الثاني:
في آخر البرنامج:
73%: نظرة وفكرة حسنة.
16%: فكرة سيئة في بداية البرنامج.
45% نظرة وفكرة حسنة.
18%: فكرة سيئة.
3- حول بعض الصفات للإسلام المطروحة على الفرنسيين:
عنـف سلم تقـدم تقهقـر سماح تعصب.
35% 7% 4% 45% 9% 68%.
خلاصة تعليق الصحفي المكلف بالاستطلاع:
[إن الفرنسيين لهم فكرة حسنة عن الملك وعن المغرب، ورغم تدخل الملك هذا المساء، فإن نظرة الفرنسيين القبيحة على الإسلام لم تتحسن].
الكلام الاختتامي للملك الحسن.
حُلْمي الآن… هو أنه على المسلمين في العالم أن يبذلوا جهدهم كما أبذل أنا جهدي وأبذله كل يوم ـ لكي يعطوا فكرة حسنة عنهم، إن ديننا لا يجعلنا أفضل ولا أقبح من غيرنا، ولكنه يعطينا أوقات قوة ولا سيما أوقات ضعف التي تمكننا من الالتفاف إلى الله للتوبة وإلى إخواننا بني الإنسان كيف ما كان دينهم، كي نطلب منهم رحمتهم وعونهم، هذا هو حلمي، ولهذا يَجِبُ أن التزم به وأن يلتزم المسلمون معي بهذا الحلم.
ترجم الحوار وأعده للنشر مراسل «الوعي» في بلجيكا.
ملاحظة: لدى أرشيف المجلة تسجيل صوتي للحوار باللغة الفرنسية.
1990-03-07