مع القرآن الكريم
1990/02/07م
المقالات
2,116 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ). (الرعد:41-42)
ذكر ابن كثير في معرض تفسيره هذه الآيات: “قال ابن عباس: أولم يروا أنا نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم الأرض بعد الأرض… وقال الحسن والضحاك: هو ظهور المسلمين على المشركين… يقول تعالى: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) برسلهم وأرادوا إخراجهم من بلادهم فمكر الله بهم وجعل العاقبة للمتقين… وقوله: (يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) أي أنه تعالى عالم بجميع السرائر والضمائر وسيجزي كل عامل بعمله: (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ) والقراءة الأخرى الكافر: (لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) لمن تكون الدائرة والعاقبة لهم أو لاتباع الرسل؟ كلاً: بل هي لاتباع الرسل في الدنيا والآخرة ولله الحمد والمنة”.
حالان متشابهان، مكر كفار مكة وزعمائها بالرسول صلى الله عليه وسلم وبدعوته وبمن آمن معه من المسلمين ومكر حكام المسلمين وأسيادهم في الغرب الكافر. مكر هؤلاء بالمسلمين وبحملة الدعوة ولا سيما الذين يعملون على إعادة الخلافة وإقامة الدولة الإسلامية لاستئناف الحياة الإسلامية. فكلاهما يمكر ويخطط لضرب الدعوة وعدم تمكين المسلمين من إظهار دينهم بالشكل الذي ارتضاه الله لهم، أي بدولة إسلامية تطبق الإسلام في المجتمع وفي العلاقات وتحمل الإسلام إلى العالم. وكلاهما يستعمل كل ما أوتي من مكر وحيلة وقوة وسلطان وإرهاب مادي وفكري لتعذيب حملة الدعوة إلى الإسلام وإغرائهم بالمال والجاه والسلطان، وترويج الإشاعات ضدهم وإلصاق التهم بدعوتهم، وفرض الحصار الاقتصادي والاجتماعي عليهم، حتى لا يظهر الإسلام في دولة قوية ترهبهم، وحتى لا يكون المسلمون قوةً تهددهم وتشكل خطراً كبيراً عليهم وتنتزع منهم الزعامة كما كانت في السابق.
وأمام هذا المكر الرهيب الذي يقوم به الكافر، ماضياً أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وحالياً في عصرنا الحاضر بعد ضياع الخلافة، وتقطيع أوصال المسلمين، فإن قوة المؤمنين لا تبلغ عشر معشار قوة أعدائهم ولكن مثلما غاب عن أذهان كفار مكة وزعمائها أن الله لا معقب لحكمه وأنه سريع الحساب، أي لا راد لحكمه وأنه سريع الانتقام من الكفرة والظالمين، ولقد غاب عن أذهان الكفار قاطبة وعن أذهان عملائهم من حكام العالم الإسلامي، أن الله قد قضى للإسلام بالغلبة والظهور وعلى الكفر بالهزيمة والاندثار، ولقد غاب عن أعينهم أن الله يمهل ولا يهمل وأنه سريع الحساب: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) و(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ).
لقد صدق الله وعده لرسوله ففتح له الأرض ونحن حين نتلو هذه الآيات ونتدبر معانيها ندرك أن الله سيفتح علينا الأرض من جديد وستعود إلينا أراضينا الإسلامية التي اغتصبها الكفار وتسلط عليها الظلمة من الحكام والكفرة منهم وإن غداً لناظره لقريب.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)
1990-02-07