جمهوريات الإسلام في الاتحاد السوفياتي
1991/12/06م
المقالات
4,618 زيارة
المسلمون في الاتحاد السوفياتي يسكنون في جمهوريات أوزبكستان وطاجكستان وتركمنستان وقريغستان وكازاخستان وأذربيجان. وفي نظام الاتحاد السوفياتي هذه الجمهوريات تعتبر اتحادية ولكن المسلمين أيضاً يسكنون – كسكان أصليين – في جمهورية روسيا الاتحادية وهم في القفقاز من الشركس والشيشان وقوميات صغيرة أخرى وحول القفقاز يسكن المسلمون في روسيا في جمهورية ذات حكم ذاتي تسمى داغستان.
وأما التتار فمنهم ثلاث أقسام، وهم يعتبرون كل قسم قومية لوحدها، حيث تتار قازان يسكنون على نهر الفولجا، وهؤلاء مختلطون بالروس بدرجة كبيرة، ونسوا كثيراً من عاداتهم وتقاليدهم، والمسلمون في الجنوب يصفونهم بأنهم نسوا الإسلام، وطبعاً هذا لا يمنع وجود شباب ملتزمين فيهم. وأما تتار بشكيريا فجمهوريتهم ذات حكم ذاتي في روسيا الاتحادية، وهذان النوعان من التتار يسكنون روسيا، وأما النوع الثالث فهم تتار القِرْم ويسكنون الشواطئ الشمالية للبحر الأسود في الأصل، ويتبعون لجمهورية أوكرانيا، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية اتهمهم ستالين بمساعدة الألمان ورحّلهم جميعهم إلى عدة مناطق في الاتحاد السوفياتي، وقسم كبير منهم يسكن أوزبكستان، وكانوا دائماً يطالبون بالعودة إلى ديارهم ويقومون بالمظاهرات في طشقند. ووعد غورباتشوف بحل مشكلتهم ولكن تثبتوا أن وعوده فارغة، وكانوا متشددين في مطالبهم لدرجة أنه عندما زار غورباتشوف طشقند في نهاية 1987 أو بداية 1988 وُضعت حراسة مشددة جداً في مراكز المدينة، وعندما سأل الناس عن سبب ذلك قالوا: يخافون من محاولة تتار القِرْم قتل غورباتشوف. ولكن الغريب في أمرهم أنه لم يسمع لهم صوت في السنتين الأخيرتين وبعضهم يذهب إلى القرم ويشتري بيتاً ويسكن فيه ولكن يمر ذلك بصعوبة قليلة، والصعوبات من الدوائر الرسمية خاصة في أوكرانيا، وقبل نصف شهر قال رئيس أوكرانيا: القرم جزء لا يتجزأ من جمهورية أوكرانيا.
أما عن بعض الخصوصيات للمسلمين هناك فجمهورية أوزبكستان هي الأكثر سكاناً (22 مليوناً) وتربتها خصبة للإسلام، ورغم القهر الشيوعي كانت فيها ولا تزال مجموعات صادقة تعمل بما تفهمه من الإسلام، وقطعاً هذه المجموعات ليست محصورة فيها أو لا تعتبر غيرها مجالاً لعملها بل المعنى تركزها في هذه الجمهورية، ففي أوزبكستان منطقة تسمى منطقة فرغانا تضم مدناً رئيسية هي انديجان، نامنجان وقوقند حيث كانت السلطات الشيوعية تتعامل مع الإسلام فيها بوضعية خاصة لتَدَيُّن الكثيرين من أهلها، فلم تمنع الحجاب في الشوارع فيها، وأما سكان سمرقند وبخارى فلا يعتبرون كذلك، وذلك لتركز علماء كثيرين فهيا قبل الثورة الشيوعية، وبعد الثورة صعقوها صعقاً وقتلوا كل من له علاقة بالإسلام وهدموا الكثير من المساجد، ومرت السنوات الكثيرة والناس منفصلة عمن يعملون للإسلام. وهم مع ابتعادهم عن الإسلام الآن فإنهم يحبون الإسلام، بعاطفة قوية. وأما أهل طشقند عاصمة أوزبكستان فلا يميزهم عن غيرهم من الأوزبيك سوى أن نصف سكان طشقند من الأوروبيين النصارى ومعظمهم من الروس، وهم الذين كانوا يعتبرون رمز السلطة الشيوعية، فأثروا في عادات نسبة غير كبيرة من أهالي طشقند من ناحية العلاقات الاجتماعية العفنة، وبالطبع هم بكثرة عددهم (أي الروس) يشكلون عائقاً أمام انتشار الإسلام، هذا العائق الذي تخف درجة فاعليته في المدن الأصغر ويتلاشى في القرى.
وبالمناسبة فإنه لا بد من الإشارة إلا أن الروس يسكنون في كل المدن الإسلامية ونسبتهم تزداد في المدن الكبيرة عن المدن الصغيرة وقلما يوجدون في القرى.
أما طاجكستان فسكانها (6 ملايين) أقل من أوزبكستان. وتربتها خصبة جداً للإسلام كاوزبكستان، ورجالها أشد حمية من رجال أوزبكستان.
أما كازاخستان (18 مليوناً) فهي حدودية مع روسيا وكثير جداً من سكانها من الروس ويؤثرون في حياة السكان. وخصوبة تربتها للعمل الإسلامي والأسف أقل مما ذكر عن أوزبكستان وطاجكستان وعلى الأرجح بسبب تأثير الروس (حيث مشهور عن الروس أنهم أينما وجدوا سابقاً وجدت السلطة السوفياتية وعندما يغيبون تضعف وهذا صحيح).
أما جمهورية أذربيجان (8 ملايين) فيفصلها عن باقي الجمهوريات الإسلامية بحر قزوين وغالبية سكانها من الشيعة، عاطفتهم الإسلامية قوية كغيرهم من المسلمين هناك، مشغولون الآن ضد أرمينية النصرانية في صراع حدود، تأثروا بالثورة في إيران وتعاطفوا معها وأحبوها، وعندما ثاروا ثورتهم الأخيرة منذ حوالي السنتين كانوا يحسبون حساباتهم ويترجون مساعدة إيران، فخذلتهم إيران وقمعهم الجيش السوفياتي وقتل منهم الكثير، فسقطت عندهم ورقة إيران وفقدوا الثقة بها، وكانوا يهاجمون إيران ورفسنجاني بقوة لعدم دخوله أيضاً الحرب إلى جانب العراق، ولكن إيران تحاول التدخل عندهم وقد تجد لها الأتباع.
وأما تركمنستان (4 ملايين) وقرغيستان (5 ملايين) فهما كباقي الجمهوريات التي ذكرناها ولكن السكان فيهما أقل من باقي الجمهوريات. ولا يوجد شيعة إلا في أذربيجان من بين جمهوريات المسلمين هناك.
أما من ناحية العوامل الجديدة التي تأخذ طريقها في حياة المسلمين بعد الإصلاحات التي بدأها غورباتشوف فنريد التركيز على عاملين هما تصاعد الشعور القومي عندهم وبروز منظمات وأحزاب قومية تقريباً في كل الجمهوريات، والثاني بداية عودة روابط المسلمين مع العالم الإسلامي.
ففي العامل الأول في جمهورية أذربيجان نشطت ما تسمى بالجبهة الشعبية وهي قومية وحازت على ثقة الناس، وهي التي قادت عملية التمرد ضد السلطة السوفياتية قبل سنتين وقمعتها السلطة واعتقلت الكثير من أعضائها، وكانت قد تحالفت مع منظمة إسلامية صغيرة في أذربيجان في وقت تلك الأحداث. والجبهة الشعبية متأثرة عاطفياً بالإسلام وأما المنظمة الإسلامية فتسمى (توبة) تدعو إلى العودة إلى الإسلام وتعاليمه وترك المفاسد، والعمل بالفضائل. وأما أوزبكستان ففيها حزب الوحدة وهو قومي ويدعو لاستقلال أوزبكستان، عمل ضجة غير كبيرة قبل سنتين والآن انفطأ ويقال أن السلطة اشترت رجالاته. وفي باقي الجمهوريات أيضاً مثل هذا العامل المؤثر.
وهنا لا بد من التنويه باتفاق الجميع في الرأي أن المخابرات وراء إذكاء القوميات بين المسلمين، وربما يكون السبب لإبعاد أنظارهم عن الروس الذين يسكنون معهم والذين يجتمع كل المسلمين على كرهم وأنهم رمز السلطة الجبرية التي أكلت خيراتهم وحرمتهم من دينهم. فمثلاً في الوقت الذي يعم ألسِنة مليون روسي في طشقند الخوف من الأوزبيك والحديث عن خطرهم وتجمعهم لضرب الروس، وكل المدينة تتحدث عن أحداث شغب لا بد وأن تحصل بين الروس والأوزبك، تقوم السلطات في جمهورية كيرغيستان المحاذية لأوزبكستان بتوزيع الأراضي على سكان مدينة (أوش) الحدودية وسكانها من الأوزبيك والكيرغيز، فيقف الكيرغيز ويرفضون حق الأوزبيك هناك بتملك الأرض، وتدور حرب فعلية بينهما لسبب تافه، تستمر أكثر من شهر يُقتل فيها المئات. فاصبح الأوزبيك، خاصة على الحدود، يتهيأون لنصرة الأوزبيك في أوش. وفي كل أوزبكستان يتحدثون عن هذا الحدث، ومن شهود عيان أن الطائرات العمودية تراقب الأحداث وتشاهدها وقادرة على إسكاتها والأحداث مستمرة وطشقند هادئة مع الروس، وبرز عدو آخر للأوزبيك غير الروس.
أما من ناحية الاتصال بالعالم الإسلامي فإنه ليثلج القلب عودة قطعة بُتِرَتْ عنه وحُرمت من العيش في أجوائه، فكانوا مجبرين بحكم الإعلام الصارم بالحديث عن كوبا وبولندا ومشاكلها بدلاً من الحديث عن بلاد المسلمين ومشاكلهم،وصارت الآن قوافل الحجاج تربطهم بمكة.
وهناك ملاحظات أخرى وهي هامة جداً وتنطبق على كل المسلمين هناك وهي الحب الشديد للإسلام والعواطف القوية مع استفحال الجهل، فلا يقل عن 50% منهم لا يعرفون كيفية الصلاة أو لا يحفظون إلا الفاتحة أو لا يجيدونها، والبساطة، وكذلك الحب الشديد والأعمى للعرب، ويعتزون بعلاقاتهم مع العرب ويحبذون تلقي الإسلام من عربي وليس من واحد منهم ولو كان عالماً. ويتصورون أن عربستان – أي كل بلاد العرب – مقدسة. فمثلاً قال أحدهم وهو غير ملتزم على الإطلاق بالإسلام ولا يحفظ من القرآن شيئاً يُذكر، قال: كم قلبي متعلق بالذهاب إلى بلاد العرب ولكن سوف لن أذهب قبل حفظ كل القرآن.
1991-12-06