العدد 56 -

السنة الخامسة – العدد 56 – جمادى الأولى 1412هـ الموافق كانون الأول 1991م

هل السعودية تطبّق الشريعة الإسلامية؟

ورد إلى (الوعي) شريط (كاسيت) يتكلم فيه صاحبه عن الحكم والحكام والأوضاع في السعودية. وقد رأت (الوعي) أن تنشر منه القسم المتعلق بالعنوان أعلاه، مساهمةً منها في الدعوة إلى الإسلام والعودة إلى إقامة الخلافة الإسلامية التي تطبّق الإسلام وتحمل دعوته. وفيما يلي كلام العالم السعودي صاحب الشريط:

ولا بد لمن يريد قولاً مفصلاً في قضية كبيرة مثل قضية تطبيق الدولة للشريعة إلا أن يبدأ من هذه المفاهيم، ويلتزم فقط بمواقف الشريعة وقواعد الإسلام. وإليك أخي المسلم مثالاً لهذا التقييم الشرعي المتجرد لواقع تطبيق الشريعة في هذه البلاد.

هل يطبّق الشريعة من يلزمه الإسلام بالشورى وتوخي مصالح الأمة في قراره السياسي ثم يمارس أسوأ درجات الاستفزاز والتفرد بالقرار، ويجعل مصلحة الأمة بعد مصلحته الشخصية ومصلحة فئة معينة مقربة؟

هل يطبق الشريعة من يلزمهُ الإسلام بتعيين القوي الأمين في موقع المسؤولية، ويحذره من التعيين بسبب القرابة والعلاقة، ثم يضرب بكل ذلك عُرض الحائط ويختار للولاية من يريد، ما بين سفيه وجاهل وسكير معربد، وسارق ومختلس وظالم آكل لحقوق الناس، أو جاحد معطل لمصالح العباد، إلا ما رحم ربي وقليل ما هم، أو محارب للإسلام من خلال الولاية التي تحت يده؟

هل يطبق الشريعة من يلزمه الإسلام بمحاسبة المسؤولين من وزراء وأمراء ومَنْ بَعْدَهم حساباً شرعياً على أدائهم لواجبهم ومدخل المال ومخرجه عليهم، ويعاقب من وُجد على مخالفة ثم لا يحاسب بعد ذلك إلا صغار الموظفين والكتاب، وأما تلك الفئة ففوق الحساب والعقاب، والأمة تعلم كم أكل أحدهم من ميزانية الدولة، على أمل أن يبني لنا جيشاً يضاهي جيوش الدول العظمى. فلا الجيش بُنِيَ ولا المال رجع. أما الأمير أو الوزير المسؤول فلم يُحاسَب ولم يُقَل، بل ازداد عُتواً ونفوراً.

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام بتسيير شؤون الدولة على أساس هذه الشريعة وبالتزام كامل بالكتاب والسنة، ثم يفرض على الناس ما لا يطاق من النظم واللوائح المستمدة من الشرق والغرب، والتي تخالف الإسلام جملة وتفصيلاً، كما أفتى بذلك علماء كبار مثل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله والشيخ عبد الله حميد رحمه الله وغيرهم.

هل يطبق الشريعة من يلزمه الإسلام بالحكم بين الناس بما أنزل الله وهيمنة القضاء الشرعي على كل صغير وكبيرة في المجتمع والدولة ثم يعمد بعد ذلك إلى إيجاد محاكم طاغوتية يسمونها بغير اسمها تحكم بقوانين وضعية مستقاة من النظم البشرية الوضعية لها نفس سلطة القضاء الشرعي. أَوَلَمْ يعلم هؤلاء أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قرر أن أحد نواقض الإسلام العشرة اعتقاد أن غير حكم الله مساوٍ لحكم الله؟

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام بهيمنة القضاء الشرعي على كل فئات الناس غنيهم وفقيرهم قويهم وضعيفهم شريفهم ووضيعهم، ثم يجعل طبقة وفئة من الناس القضاء ولا يمكن أن تمثُل أمام القضاء، وإن حصل استثناء ومَثل أحدهم فمن ذا الذي يستطيع أن ينفذّ أمر الله عز وجل فيه؟

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام بالعدل بين الناس في الحقوق مثل حق الوظيفة وحق التظلّم وحق التمتع بالخدمات العامة دون استثناء والعدل في الواجبات مثل واجب الالتزام بالأمن والنظام والحفاظ على الممتلكات والمرافق العامة دون استثناء والعدل في الواجبات مثل واجب الالتزام بالأمن والنظام والحفاظ على الممتلكات والمرافق العامة وواجب المساهمة في خدمة الدين والأمة من خلال المركز والمنصب، ثم يمارس أقصى درجات التفرقة بين الناس في ذلك، فيجعل فئة لها ما تشاء من الحقوق وتسقط عنها كل الواجبات، ثم يَحْرِم غالب الناس من حقوقهم المشروعة ويحاسبهم على كل الواجبات؟

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام باحترام الإنسان وتأمين حريته وحياته الكريمة ثم يعاملهم كما لو كانوا قطعاناً من الماشية مهما علا قدرهم، ووثق علمهم، واعتزّت مكانتهم، ولا حق لأحد بالاقتراح أو التقدير إلا تلك الفئة المعينة والخاصة؟

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام بحفظ أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم والمحافظة على خصوصياتهم وأسرارهم، ثم يعمد إلى إنشاء جهاز ضخم يفوق تعداد أفراده أضعاف تعداد الجيش الشرطة مجتمعة مزوّداً بأحدث الأجهزة مهمته التجسس على الناس وتتبع عوراتهم وكشف أسرارهم لغرض واحد وهو حماية تلك الفئة المذكورة. وأمّا الذين يعملون فيها فمساكين خُدِعوا بأن تلك المهمة مهمة مشروعة تساهم في تثبيت حكم الإسلام، ولم تصلهم فتاوى العلماء التي تجعل هذا العمل من أشد المحرمات، والراتب المأخوذ عليه حرام كما بذلك أكبر علماء البلد.

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام بمعاملة الدول الأخرى على أساس الولاء والبراء ونصرة المسلمين والدعاة في كل مكان، وإيذاء الكافرين والتضييق عليهم، ثم يعمد إلى عكس ذلك فيوالي الكفار موالاة مخجلة صريحة، لا يتردد من ذكرها بوسائل الإعلام ويمكّنهم من المال والأرض، ويعاقب من يضايقهم ويتذمّر من وجودهم، ويدعم بالمال والتأييد السياسي من يطالبونه بدعهم حتى لو كان صليبياً أو شيوعياً يحارب المسلمين. وأما المسلمون من الدعاة والمصلحين والمجاهدين فأخصّ ما يُعامَلون به هو الإهمال التام إن لم يُحاربوا ويُضايقوا.

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام بالإعداد والاستعداد للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله في الأرض وحماية الثغور، ثم يعمد بعد ذلك إلى تكوين أضعف جيش في العالم، ويجعل من هذا البلد لقمة سائغة للمتربصين كما حصل في الأزمة القريبة، ثم بعد كل هذا التقصير والإجرام في حق الأمة وبعد هذا الدرس القاسي والفضيحة المشينة لا تتحرك البلد ولا خطوة إلى الأمام لتلافي هذا التقصير الفاضح، ويبقى المسؤولون عن هذا التقصير بيدهم كامل التصرف في أمر الجيش ويستمرون في ممارسة غش الأمة كما مارسوها من قبل؟

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام بأن يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا مُكّنّ في الأرض، ثم يعمد بعد ذلك إلى الدعاة فيفصل هذا ويسجن هذا ويمنع هذا من الكلام واعتلاء المنبر، ويأخذ التعهدات على آخرين حتى حُرمت الأمة من أفضل دعاتها وأفصح خطبائها وأقَدم وُعّاظها؟

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام بتوفير كل وسيلة بما فيها وسائل الإعلام للدعوة والإصلاح ودفع الشبهات عن الدين والصدق والأمانة وتربية الأمة، ثم يعمد إلى عكس ذلك فيجعل وسائل الإعلام وسيلة للتشكيك في العقائد، وتشجيع الانحراف في السلوك، ويحجب عن الناس الخبر الصادق والعلم النافع؟

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام بحماية مال المسلمين من أي مصدر حرام ويغنيه الله بثروة هائلة من النفط ثم يرجع بلا حاجة ولا ضرورة إلى الربا المحرم باستثمار المال في البنوك الغربية وبيع السندات الصريحة بالربا من بنوك العالم، ويلجأ مع كل هذه الثروة الهائلة إلى المكوس والضرائب المحرمة التي سماها رسوماً، أليس ذلك محاربة لله ورسوله وتضييقاً على المسلمين؟

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام بصرف ثروة الأمة في حفظ مصالح الأمة لأنها أمانة في عنقه محاسبٌ عليها يوم القيامة ثم يبعثر مال المسلمين يمنةً ويسرةً بقروض وهباتٍ خارجية لأعداء الإسلام، وينفق آلاف الملايين على ملاعب الرياضة ومعارض الأمس واليوم، أما مصلحة الأمة فآخر باب من أبواب الصرف.

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام بالعدل بين الناس في توزيع الثروة ثم يمارس أسوأ مثل للتفرقة بينهم فيجعل لطبقة منهم حقاً مطلقاً في هذا المال يأخذ منه ما شاء، وأما الآخرون فليس لهم إلا الراتب إن كانوا من أهل الرواتب، أو يكون أحدهم تابعاً أو نسيباً أو قريباً لهذه الطبقة فيصيبه من فُتاتها.

هل يطبق الشريعة من يُلزمه الإسلام باقامة الحلال ومنع الحرام في المعاملات التجارية بين الناس فيمارس عكس ما تريده الشريعة ويجعل الحرام حلالاً والحلال حراماً بالقوة وسلطة الدولة. أو ليست صروح الربا قد شَقَّتْ عنان السماء؟ أو ليست هذه البلاد البلد الوحيد في العالم التي لا تسمح بإنشاء المصارف الإسلامية؟ أوليس الاحتكار حالة شائعة يمارسها الأمراء من خلال امتلاك الشركات التي يملكونها؟ وأمّا الغصب فاسأل عنه أصحاب الأراضي التي وضع الأمراء يدهم عليها وطردوهم منها. وأمّا أكل أموال الناس بالباطل فاسأل عنه من تعامل معهم ببيع وشراء أو مقاولة.

هل يطبق الشريعة الإسلامية من حوّل سفارات بلاده في العالم إلى أوكار للفساد وأدوات لتشويه صورة الإسلام وصورة هذا البلد، وعيّن فيها من لا يعرف للإسلام حقّه ولا للبلد حرمته إلا ما شاء الله، حتى ظهر أحدهم أمام الملأ مشاركاً النصارى في حدّهم يتمتم معهم في نشيد صلاتهم بلا خجل ولا حياء. أوليس بيد الدولة أن تحوّل السفارات إلى منارات للدعوة ومأوى لنصرة المسلمين وقدوتهم في العالم؟ ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أخي المسلم، قد تسأل نفسك: الآن وبعد كل هذا، ما هو دوري أنا وكيف لي أن أقوم به؟ فإليك الجواب: أصغ إليّ سمعك واجعل وعاءه قلبك، ثم أطلق لجوارحك العنان حتى تنشر الخير بعيداً وإلى غير رجعة عبارة التخاذل واليأس، مفاهيم انعدام المسؤولية، والأنانية، والانكفاء على الذات ومتطلباتها. فليس صحيحاً أن يقاد الناس بغير هدىً إلى حيث لا يعلمون، وليس صحيحاً أن نلقي بكل المسؤولية على العلماء بحجة أنهم حجاب لنا عن النار، إن دورنا معهم مجتمعين أن نبصّرهم بالواقع، ونلتف حولهم لنكون وإياهم في خندق واحد أمام عبيد الشهوات وأصحاب العلمنة والمسؤولين من أبناء جلدتنا. ودورنا أفراداً أن ننكر بكل ما نستطيع، ونشر الخير في كل مكان، وحس بالمسؤولية كما لو كانت مسؤولياتنا نحن لا غير، وأن نعيش شعور التقصير الذي يحض على العمل الدؤوب حتى يظهر دين الله وتعلو كلمته، ويكون أمر الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية: ]وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ[[المنافقون:8].  ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ @ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[[الأنفال:24].

أخي المسلم، هذا ما ناسب الحال والوقت أن يُعرض عليك من واقع مُرّ وتقصير شديد، ولك الحكم بعد ذلك. والله المسؤول أن نتمكن في فرصة أخرى من سماع مقابلة مفصلة بين ما يريده الإسلام لنا في جميع شؤون حياتنا وبين ما نحن عليه من واقع بعيد عن ذلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *