العدد 56 -

السنة الخامسة – العدد 56 – جمادى الأولى 1412هـ الموافق كانون الأول 1991م

بين النظام والعلماء في السعودية

وصلت إلى (الوعي) نسخة من (مناشدة) وجهها عدد من العلماء الأفاضل في السعودية إلى الشيخ عبد العزيز بن باز.

وكان الأصح أن يوجهوا (هجوماً) وليس (مناشدة) وأن يوجهوه إلى الحكام المسؤولين وليس إلى ابن باز، ولكن يبدو أن ظروفهم صعبة فاكتفوا بما وجّهوا وفيما يلي المناشدة:

بسم الله الرحمن الرحيم

(مناشدة)

إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (حفظه الله تعالى)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد: فقد سمعنا كما سمع غيرنا بالأنباء الكثيرة عن خطط غربية جديدة تهدف إلى إنهاء حالة العداوة بين المسلمين واليهود في فلسطين باسم جهود السلام. ونظراً لأن هذه القضية تتعلق بالأمة كلها، وتهم كل فرد في مشرق بلاد الإسلام ومغربها، وليست قضية خاصة أو متعلقة ببلد معين، رأينا من واجبنا الشرعي الذي لا يسعنا التخلي عنه بحالٍ من الأحوال أن نقدم لكم اجتهادنا في المسألة رجاء أن تتأملوه، ثم تقدموه لمن ترون مصلحة في تقديمه له. وإنما حدا بنا إلى كتابه هذا الكتاب لسماحكم الخوف من دخولنا تحت وعيد كتمان العلم الذي ائتمننا الله عليه.

ونلخص – سماحة الشيخ – اجتهادنا في النقاط التالية:

1- الصلح المزعوم هو عبارة عن هدنة مطلقة غير محدّدة بمدة معلومة. وهذا لا يجوز، لأنه تعطيل لشعيرة الجهاد في سبيل الله، بل ذهب كثير من أهل العلم إنه لا تجوز الهدنة أكثر من عشر سنوات – وهي المدة التي صالح عليها الرسول صلى الله عليه وسلم قريشاً في الحديبية، وهي الحادثة التي يحتج بها الكثيرون من مؤيدي الصلح.

وبغض النظر عن هذا القول، فإنه مما لا شك فيه أنه لا يجوز عقد هدنة أبدية مع أي طائفة من طوائف الكفار، لا اليهود ولا غيرهم. قال في المغني (13/154): “… لا تجوز المهادنة مطلقاً من غير تقدير مدة، لأنه يقضي إلى ترك الجهاد بالكلية…”.

2- إن تاريخ اليهود هو سجل حافل بالغدر والخيانة والتآمر، وقد خانوا عهدهم مع أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مع غيره؟ يقول أحد زعمائهم (مناحم بيجن) في كتابه [الثورة: قصة الأرجون] كما في كتاب [نظرية الأمن الإسرائيلي ص 17]  “… لن يكون هناك سلام لشعب إسرائيل، ولا في أرض إسرائيل، ولن يكون هناك سلام للعرب، ولا في أرض العرب، وستستمر الحرب بيننا وبينهم، حتى ولو وقّع العرب معنا معاهدة صلح… “!

يقول تعالى: ]أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ[ [البقرة: 100].

إنهم يفتعلون أكثر من مفهوم لأي بندٍ كما حصل في اتفاقيات (كامبد ديفيد) ثم يحققون ما يريدون على ضوء الفهم الذي فسّروا به بنود الصلح.

3- إن هذا الاستسلام سيوقعه عن الأمة أناس لم تفوضهم الأمة به وهم لا يمثلونها ولا يؤتمنون على مصالحها لأن حكمهم قائم على عقائد ومبادئ مغايرة للإسلام، والحكومة الباطنية (…) أوضح مثال على ذلك.

4- إن وراء جهود المصالحة خطة أبعد لإنهاء حالة العداء بين جميع الشعوب والأديان من منطلق بدعة (النظام الدولي الجديد) الذي يفترضون فيه أن تنتهي الخصومات والحروب بين الشعوب في ظل هيمنة العالم الغربي.

وسيترتب على ذلك نزع السلاح – خاصة من أيدي المسلمين – بحجة أنه لا مسوّغ له بعد المصالحة. كما سيترتب عليه – وهذا هو الأهم – جهود ضخمة للتطبيع، وتغيير المناهج الدراسية والسياسات الإعلامية وغيرها لحذف كل ما يعتقدون أنه إساءة إلى اليهود، ومنع الحديث عن هذه الأمور باعتباره إساءة إلى إحدى الدول المجاورة أو القريبة، ويمكن مراجعة الوثائق الخطيرة المنشورة في كتاب [التطوير بين الحقيقة والتضليل] وكتاب [التاريخ بين الحقيقة والتضليل: للدكتور جمال عبد الهادي].

وسيرتب عليه رفع الحظر عن بضائعهم، وتبادل الخيرات والمصالح والمعلومات المتنوعة معهم.

ولذلك بدأت الصحافة تطالعنا بمقالات وتحقيقات وندوات تؤكد أنه لم يعد هناك أعداء للإسلام، وأننا يجب أن نقيم علاقتنا مع الجميع على ضوء المصالحة المتبادلة فحسب!

5- الجلوس على مائدة المفاوضات مع اليهود، وعقد اتفاقيات الصلح الدائم معهم هو اعتراف بدولتهم وحقهم في أرض فلسطين، ونزع لملكية الأمة المسلمة لهذه الأرض المباركة بغير حق، وبغير رضا أو قبول من أصحاب الحق – وهم المسلمون – وهذا لا يجوز، وهو عقبة في وجه الأجيال التي ستعمل على تحرير بلاد الإسلام من الغاصبين، فإذا لم يتمكن المسلمون الآن من إعلان الجهاد على اليهود، فلا أقل من أن يفتحوا الطريق لمن يصنع ذلك. وقد علمنا يقيناً من الحديث المتفق عليه عن ابن عمر أن للمسلمين معركة حاسمة مع اليهود، يقول فيها الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله. وفي حديث نهيك بن صريم: على نهر الأردن! نعم. على نهر الأردن بالذات!.

6- من هو الذي يملك – شرعاً – أن يعقد الصلح مع اليهود؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد مصالحة غطفان على ثلث ثمار المدينة استشار السعدين – وهم أهل الأرض – فهل استشير الصالحون من أهل فلسطين في ذلك؟ ومن هو ولي أمرهم المتكلم باسمهم؟!!

7- هل هناك معركة قائمة الآن بيننا وبينهم؟ أصحيح أن مثل هذا الخسف والهوان الذي يسمى السلام سيضع حداً لمعاناة المسلمين في فلسطين؟ أم أنه سيجعل كافة الأطراف ضدهم في آن واحد؟ أو متى حدث في حقب التاريخ كلها أن يستولي الكفار على دولة إسلامية ثم يلتقي المسلمون على مائدة المفاوضات ليكتبوا لهم وثيقة اعتراف واستسلام، ويمنحوهم المزيد من المكاسب المادية والمعنوية؟!

إن النبي صلى الله عليه وسلم حين هم بمصالحة غطفان لحماية أرض المسلمين وردّ العدو حتى يتقوى المسلمون على قتالهم، وحين علم كراهية الأنصار لذلك رفضه، فكان ذلك خيراً عظيماً للمسلمين، في كسر شوكة الأحزاب، وردّهم بغيظهم لم ينالوا خيراً.

أما الاستسلام المعروض اليوم فليس معه جهاد ولا إعداد ولا تقوية للمسلمين في المستقبل، ولم يتمّ عن مشورة المسلمين ولا عن موافقتهم.

8- وأخيراً سماحة الشيخ: فإننا نعتقد أن الطريق الوحيد والمضمون لإحباط كيد اليهود،وحقن دماء المسلمين ورد الفتن العامة والخاصة هو الجهاد في سبيل الله، وتربية الناس على ذلك، وإعدادهم له. وإذا لم نملك ذلك الآن فيجب أن يبدأ التوجه الصادق لتحريك همم الشعوب الإسلامية وإعدادها إعداداً مادياً ومعنوياً: ]وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[ [الحج: 40]. وإذا لم تر مصلحة في أن ننكر هذه المصالحة ونردّها، فلا أقل من أن يحفظ علماء المسلمين سمعتهم من أن تنالها الألسنة بسوءٍ نتيجة اجتهادٍ كانت الأمور كلها ستتم – والله أعلم – دون الحاجة إليه.

9- سماحة الشيخ: إن نريد إلا الإصلاح ما استطعنا، وما توفيقنا إلا بالله، عليه توكلنا وإليه ننيب.

وفي المتفق عليه عن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.

وفقنا الله وإياكم وسائر علماء المسلمين إلى ما فيه مرضاته. والحمد الله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدمون:

حمود بن عبد الله التويجري – عبد الله بن حسن القعود – إبراهيم بن صالح بن عبد الله الخضيري – عبد المحسن بن ناصر العبيكان: القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض – حمود بن عبد الله عقلا الشعيبي: أستاذ العقيدة في كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم – د. ناصر بن عبد الكريم العقل: أستاذ العقيدة بجامعة الإمام بالرياض – عبد الرحمن بن ناصر البراك: أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين – محمد بن صالح المنصور: قاضي سابق – عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين: عضو الإفتاء – سعيد بن مبارك الأزعير: الأستاذ بكلية الدعوة والإعلام – د. علي بن محمد الدخيل الله – عبد بن إبراهيم الطريقي: رئيس قسم الثقافة بكلية الشريعة – د. صالح بن محمد – سلمان بن عبد الله القرني: المحاضر بكلية الشريعة بأبها – عبد الوهاب الناصر الطريري: المحاضر بكلية أصول الدين – إبراهيم بن محمد الدبيان: مدرس ثانوية اليرموك – محمد بن سعيد القحطاني: الأستاذ بجامعة أم القرى – عبد الله بن حمود التويجري: رئيس قسم السنة كلية أصول الدين – عبد الله محمد بن هايف: القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض – د. صالح بن محمد السلطان: أستاذ الفقه بكلية الشريعة – سعد بن عبد الله الحميد: المحاضر بجامعة الملك سعود إمام جامع السويدي– سيعد بن ناصر الغامدي: المحاضر بكلية العقيدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *