“الإسلام المعتدل” وخطورة مشاركة العلمانيين في السلطة!
2013/04/29م
المقالات, كلمات الأعداد
1,843 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
“الإسلام المعتدل” وخطورة مشاركة العلمانيين في السلطة!
ساد المنطقة العربية استبداد بشع في الحكم أدى إلى استشراء الفساد واستفحال الظلم واختصار الدولة بشخص الحاكم وبالتالي استئثاره وعائلته وزبانيته بمقدراتها وخيراتها مدى الحياة حتى ولو أصبح عاجزاً أو أعلن انحرافه علانية. وأدى الاستبداد وتداعياته إلى ردة فعل ضده، لا سيما في سياق عملية التغيير الجارية التي أودت ببعض من أعتى حكام المنطقة كما في مصر وليبيا وتونس. فسادت الدعوة إلى تحديد مدة الرئاسة؛ وإلغاء سلطة الحزب الحاكم، والدعوة إلى إشراك مختلف الأحزاب في السلطة، وتشكيل جمعية تأسيسية من مختلف القوى والشخصيات لوضع الدستور بالتوافق بينها! ورأوا أن المنافسة على رئاسة الدولة والمناصب الحكومية يكون عبر انتخابات تنسجم مع المعايير الديمقراطية، وتشهد على صحتها المؤسسات الدولية وما يسمى منظمات المجتمع المدني ومراقبين مستقلين.
من الواضح تماماً بأنّ العلاج المفترض لمشكلة الاستبداد مستلهم من النموذج الغربي، وإن كان بشكل مشوَّه عن الممارسة الديمقراطية القائمة في الغرب، حيث الصراع أو التنافس بين القوى السياسية لديهم يجري بين أحزاب متجانسة من حيث المبدأ، ولا يخرج أحد منها بحال عما تفترضه رؤية ذلك المبدأ من أنظمةٍ للدولة وللمجتمع وللعلاقات القائمة بين مختلف مكوِّناته. لذلك لا يُرى للأحزاب ذات البعد الأيديولوجي المخالف لهوية الدولة وللمبدأ المعتمد أي أثر ذات قيمة في المجتمع. وعليه يندرج الاختلاف الوارد بين الأحزاب المتعددة والمتباينة في كيفية تحقيق المشاريع التي تجسد معالم ومعاني المبدأ بما يحفظ هوية الدولة وقيم المجتمع في إطاره، لا على ما يُخلُّ بها أو يتضادُّ معها. كما أنّ اقتباس التجربة الغربية في ظل هيمنة دول الغرب ونفوذها في بلادنا يعني تسخير أجهزة الإعلام والأمن والثقافة والسياسة المرتبطة بها لإبراز دور أتباعها وتجميل واقعهم وتشويه القوى المعادية لها وإقصائهم، هذا إذا استبعدنا أساليب التلاعب والغشّ والتزوير الكثيرة الممكنة.
كذلك فإنه من النزق بمكان أن يتم إقحام مختلف الأحزاب والشخصيات في الحكم والسلطة (بغض النظر عن أوزانها وأحجامها وثقلها السياسي والفكري والمعنوي) فقط لإبراز التنوع وتحرراً من عقدة الاستبداد على نحو ما يحاول فرضه أراجوزات العلمانيين، فهذا سلوك مزدرى حتى في الدول الديمقراطية العريقة في الغرب، حيث تفرز الانتخابات عادة ممثلين يعبرون عن الشعب، فيحكم الحزب الفائز بالأكثرية بموجب هذا التمثيل، كما يفعل حزب المحافظين والعمال في بريطانيا، أو حزب الجمهوريين والديمقراطيين في أميركا. وعندما يتعثر تحصيل الغالبية المطلوبة من قبل أحد الأحزاب، عندها يعتمد تشكيل حكومات ائتلافية. لكن حتى في حالة الائتلاف فإنه لا يتم الجمع بين متناقضين أو بين خصوم أيديولوجيين.
إضافة لما سبق، فإن التجربة الديمقراطية تعتمد الفرد كأساس في مكونات المجتمع، ويتم التصويت لصالح المرشحين للتمثيل النيابي انطلاقاً من قناعات الفرد، وليس من قناعات العائلة أو ميول القبيلة أو مصالح الطائفة أو توجهات المرجع الديني أو الروحي على نحو ما هو سائد في بلادنا.
إن استنساخ التجربة الديمقراطية وتطبيقها على شعوبنا لا يمكن أن يأتي إلا نتيجة لجهل بالإسلام وبواقع الأمة، ولعقم في التفكير ولانضباع غير مبرر بالغرب، ولخيانة ينتهجها البعض لسلخ الأمة عن سر قوتها الكامن في عقيدتها وفيما انبثق عنها من أنظمة تعالج شؤون الإنسان وترسم له دوره في الحياة.
في جميع الأحوال تبقى فكرة التوافق على عقد اجتماعي جديد وإنتاج دستور وضعي جديد نشازاً وشذوذاً، حيث إن الغالبية الساحقة في بلادنا تتطلع إلى تطبيق الإسلام وتحكيم شريعته وإقامة دولته، فعلى أي أساس تجبر هذه الغالبية بالانصياع للأقليات السياسية التي تتنكر للإسلام كدين ينبثق عنه دولة.
كما أنه لا يتأتى أصلاً إقامة دولة ورعاية شؤون الناس بالتوافق، فهذا فضلاً عن كونه مخالفاً لطبيعة الدولة ودورها، فإنه يؤدي إلى اضطراب وشقاق وتفسخ، فالدولة ليست شركة مساهمة توزع السلطة فيها على حصص بين القوى المتباينة الموجودة في المجتمع. فهوية الدولة وعقيدتها تنبثق من وجهة نظر الأمة وليس جراء توافق بين متباينين فضلاً عن أضداد. ودور الدولة هو تنظيم شؤون المجتمع ورعايته والحفاظ على هويته وعقيدته وقيمه وتجسيد مبدئه في سياسات الدولة الداخلية والخارجية، لا العبث بها وتدويرها بين الناس إرضاء لعقد النقص لديهم.
كما أنه إذا صحَّ شيء من التوافق في الغرب فلأن الأحزاب هناك من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار لا تعدو أن تكون أحزاباً رأسمالية قائمة على عقيدة النفعية، حيث يُفصل الدين عن الحياة، ويُستبعد من أي دور في تنظيم شؤون الدولة والأمة والمجتمع. وحيث ينص مبدؤهم على أن الشعب هو مصدر السلطات جميعاً، فهوصاحب الحق في وضع الدستور وإقرار التشريعات والقوانين المتتالية عبر ممثليه في الجمعية التأسيسية ومجلس النواب. وهذا لا ينطبق على حال الأمة الإسلامية التي تسلم بالتشريع لله تعالى وحده، نزولاً عند قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).
لذلك كان قبيحاً وسخيفاً الاستسلام للتجربة الديمقراطية الغربية فضلاً عن الترويج لها، لأنه يعني بشكل مباشر التخلي عن ثقافة الأمة وتاريخها وحضارتها ونسخ طريقة عيشها الإسلامية وإبطالاً لنظام الحكم في الإسلام الذي بيَّنته الأحكام الشرعية، وبيَّنت كيفية تطبيقه والوصول للسلطة فيه، والتي سطَّرها فقهاء الأمة وعلماؤها عبر التاريخ في كثير من المصنَّفات والمؤلَّفات تحت عناوين السياسة الشرعية والأحكام السلطانية وفقه الإمامة والخلافة وغيرها.
كما أن الأكثر انحرافاً عن منهج الإسلام بل وشذوذاً عنه، ذاك الإصرار على تشكيل حكومات ائتلافية بين قوى تدَّعي تمثيل الإسلام مع قوى علمانية تفرض إقصاءه عن الدولة، فكيف يتأتَّى أن نفهم قبول “إسلاميين” المشاركة مع أحزاب علمانية تعتبر حكم الإسلام تخلفاً ورجعية وجموداً وتحجراً؟ فالمفروض على الأحزاب الإسلامية العمل لإقامة الإسلام والحكم به. ومن ثم فإن تشكيل حكومات ائتلافية مع معادين للإسلام يعني تعطيله جملة وتفصيلاً. حتى إن ما يؤخذ منه في أضيق المجالات كالأحوال الشخصية والعبادات إنما يأتي من باب الحرية الشخصية التي تنبثق عن وجهة نظر الغرب العلماني وليس كونها أحكاماً شرعية يفرضها الإسلام. فهل باتت الطريقة للحكم بالإسلام عبر وأده بذريعة التوافق؟ وهل بات تعطيله واجباً بذريعة الائتلاف؟ أم تُرانا نحن أمام نموذج جديد تروِّج له تيارات دخيلة على الأمة تزاوج بين الإسلام والعلمانية من خلال منهج متبع من قبل تيار “الإسلام المعتدل” الذي بات تسويقه وفرض هيمنته على الساحة الإسلامية غاية غربية معلنة على الملأ.
ونصيحتنا إلى أتباع هذا المنهج الذي يبطل الإسلام ويدمج “الإسلاميين” والعلمانيين في شراكة سمجة تقصيه عن الدولة، إن هذا لا يمكن أن يحصل بين مخلصين لدينهم وأمتهم وخائنين أو منكرين للدين والأمة. فهذه المواءمة وهذا التزاوج لا يحصلان إلا بين فريقين يتبادلان أدواراً ماكرة ومؤذية تخدع الأمة وتسبب لها الإرهاق والشقاء. ولا يمكن أن يقع إلا بين أفرقاء سلَّموا للغرب بتفوقه وسطوته وهيمنته وكأنه قضاء وقدر، ولذلك استساغ كل منهم السير في مشاريع تضيِّع الأمة وتحرفها عن أيِّ وجهةٍ يتحقق فيها شرع الله وتقيم دينه في الأرض.
لقد حذر الله تعالى ممن يؤمن ببعض الكتاب فقال:( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) فكيف بمن يلقيه خلف ظهره اتباعاً للهوى كما قال تعالى:( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ). وكيف بهؤلاء الذين يقدمون أفهامهم على النصوص الشرعية الجازمة بوجوب تحكيم الإسلام مع زجر الله لهم عن اتباع هذا النهج، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).
ثم كيف يخطر ببال روَّاد “الإسلام المعتدل” تعطيل أحكام الشرع البينة الواضحة واستبدالها بأحكام ما أنزل الله بها من سلطان، وهم يقرؤون ويرتلون بل ويحفظون عن ظهر قلب تحذير الله تعالى لرسوله (ومن باب أولى لنا) بقوله تعالى: (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ). وهاهم العلمانيون والغرب من خلفهم يفتنونهم عن معظم ما أنزل الله إلينا إن لم يكن عنه كله. وكيف يستقيم لمن وصلوا إلى الحكم عن طريق جماهير خرجت تصوِّت للإسلام من خلال التصويت لهم أن ينقلبوا على ما دعوا هم إليه، وما وعدوا به الناس، وما أولاهم الناس الثقة على أساسه؟
أخيراً وليس آخراً، فإن أمتنا ليست أمة محدثة، ولم تولد للتو في خضم الثورات الجارية، ولا يصح التعامل معها كأنها أمة لقيطة يُبحث لها عن هوية أو عقد اجتماعي مبتدع. لذلك كان لازماً التصدي لطريقة التعامل المسِفَّة الجارية مع أمتنا بموجب “التوافق” و”الائتلاف” على الباطل، متجاوزين تاريخها العريق وحضارتها المجيدة وعقيدتها المستنيرة ودينها الذي يمثل لها نمط حياة فريد وراقٍ. وعليه كان لا بد من العمل على تفويت المكيدة المدبرة لضرب الإسلام بحجة منهج التوافق والوسطية والاعتدال من خلال بيان زيف هذا المنهج الباطل بشكل صريح وسافر وواضح.
يفرض كل ما سبق ذكره على الثلَّةِ الصادقةِ أن تكافح بمزيد مِن الجهد الواعي لبيان الوقائع السياسية بحقائقها الفكرية وحججها، ملتزمة طريقتها الشرعية في بيان هذه الكمائن وهذه المكائد التي ينصبها لها سياسيو الأمة وأحزابها صنيعة فكر الغرب الديمقراطي. ولا بد لهذه الثلة من دعوة الأمة لأن تصمّ أذنيها تجاه نصائح الغرب الماكر المتربص بالإسلام والمسلمين وبلادهم، وعليها أن تنبذ كل من يتصدر الصفوف محاولاً استرضاء قوم لا يحبون الإسلام ولا أحكامه لأنهم شغفوا بالغرب وثقافته. نعم يجب على الثلة المؤمنة أن تتوجه بصلابة المؤمنين الواثقين بنصرالله إلى الله أولاً وآخراً، راجين توفيقه ونصره، عاملين على استثارة همة الأمة لتنهض لنصرة الإسلام وإعلان رفضها لهذه الأحزاب صنيعةَ فكر الغرب وما يسمى الشخصيات السياسية التي تمكر بنا ليلاً ونهاراً. كما لا بد من فضح الفكر السياسي لهذه القوى السياسية التي تمولها وتغطيها وتحميها القوى الدولية، بل وتشرِّع القوانين الدولية لفرض توجهها ونبذ كل ما سواها، وصولاً إلى تشويه الإسلام عالمياً، وإلى تعميم القناعة في الأمة الإسلامية بعجز الإسلام عن التعاطي مع قضاياها بعيداً عن الغرب وفكره وطريقته في الحياة.
إن مواجهة هذا التحدي وهذا المكر وهذه المكيدة لا يكون إلا بالوعي على مصيرية الحكم بالإسلام، وعلى طريقة إقامة دولة الإسلام، وعلى فهم رؤية الإسلام للإنسان ولدوره في هذه الحياة، وبالعمل الجاد على تركيز هذه الرؤية وإعلانها في دولة خلافة إسلامية راشدة على منهاج النبوة. قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ).
2013-04-29