العدد 57 -

السنة الخامسة – العدد 57 – جمادى الآخرة 1412هـ الموافق كانون الثاني 1992م

التصدي لأميركا بالحضارة الإسلامية والوعي السياسي

لقد كانت الحرب في الخليج انذار فيه الكفاية لمن يُعتبَر الأمل الوحيد لهذه الأمة في الخلاص والنجاة. كانت حرب الخليج تقول أن أميركا إنما لتحييد الإسلام من الصراع، وفرض عقيدة فصل الدين عن الحياة على المسلمين فرضاً. وقد شجعتها النتائج المذهلة على الاستمرار في اندفاعها لتحقيق غايتها آنفة الذكر. وهنا قد يرد القول: أن أميركا رأسمالية وما يهمها هو تحقيق المنفعة، ونقول: نعم، وهي لذلك ماضية في هذا السبيل، وتعتبر الإسلام أحد أكبر المعوقات. ونستطيع القول أن أميركا ترى أن تحقيق أحصل المبدأ ـ العلمانية، يحقق لها الاستغلال. فأميركا تقود حملة رأسمالية على العالم تستند في أساسها إلى فكرة العلمانية، يحقق لها الاستغلال. فأميركا تقود رأسمالية على العالم تستند في أساسها إلى فكرة العلمانية، وخطتها في ذلك هي خطة فكي الكماشة، تريد الأطباق بهما على العالم. وهي لذلك تعمل على إزالة ما يعيق عمل الكماشة. أما فكّا الكماشة فهما الديمقراطية والاقتصاد الحر. وللمسلمين وضع خاص كل الخصوصية لأن الخلاف بينهم وبين أميركا في الأساس مستهدف في المقام الأول. وأميركا جادة كل الجدية ومصممة كل التصميم في العمل على هدم كل ما من شأنه اعاقة تقدمها نحو الغاية المنشودة. إن عدم إدراك هذه الحقيقة يوقعنا في أخطاء ممية من مثل التصديق بأن هناك أجواء ديمقراطية تحتاج منا إلى التكيف معها واستغلالها، فنقع نحن في دائرتها. أن أميركا قد وضعت العالم كله ومنه عالم المسلمين أمام اختيار: الرأسمالية أو حرب الرأسمالية. ومما ساعد أميركا على المضي في هجومها الحالي هو حالة الضعف التي تنتاب العالم: شعوباً وأنظمة حكم، فالشعوب مقهورة ومسلوبة الإرداة. والفقر يؤلمها لدرجة تشتت تكفيرها. وأنظمة الحكم جاوزت كل الحدود في تعديها على حقوق وكرامات البشر وفقدت بذلك ما يعتبر رصيدها الحقيقي لمواجهة ضغوط أميركا. عند هذه الحال تقدمت أميركا بصفة المخلص أو المنقذ للإنسانية، وطرحت بضاعتها مستغلة أبشع استغلال معاناة الشعوب وضعف الحكام. إن الحرب التي أعلنتها أميركا على العالم عموماً والمسلمين بشكل خاص تضع المسلمين في الصفوف الأولى الحزب في مقدمة الصفوف، وليس أمامنا إلا المبارزة، لأن قبولنا بالرأسمالية أو عدم اتخاذ اجراءات على مستوى أيقاف الهجمة الحالية تمهيداً لدفع أميكرا لعزلتها في النهاية سيؤدي وفي القريب العاجل لذبحنا. إذن فلتكن الشهادة ونحن في حالة الالتحام معها، والذي من خلاله تتحقق القيادة للأمة. ولا أبالغ إن قلت قيادة العالم الموتور والمقهور وسبحان الله الذي لا يطلع على علمه أحداً، ولكن الظرف الدولي والمحلي يكاد ينطق بقرب بزوع فجر الخلافة إن نحن أحسنا استغلاله، لأنها الرد الوحيد على كفر أميركا وتطاولها على الله وعلى مخلوقات الله. إن هدم البنية القائمة في العالم الإسلامي مادياً وفكرياً وتشييد بناء جديد قائم على أساس جديد هي المسؤولية التي حددها بوش للمسلمين في خطابه في مدريد «هذه هي فرصتهم وهي مسؤوليتهم» فثمن التحول نحو الديمقراطية والاقتصاد الحر كبير ستدفعه الشعوب دماء وأموالاً وجهوداً. والنتيجة أن يرقص الشيطان طرباً على أشلاء من قضوا ويهزأ بمن بقوا على قيد الحياة. وحتى لا نمكن أميركا من هذا فإننا يجب أن نرتفع إلى أقصى درجات المسؤولية التي هي قدرنا، ونعمل على إنقاذ أمتنا من الوقوع في الهاوية التي هي الآن على شفيرها.

هل نحن أقوياء للدرجة التي نوقف بها أميركا: نعم، إن لم نكن نحن فمن غيرنا؟ ـ عملية السلام فرصة سانحة ـ نحن أقوياء بالله، نحن أقوياء باتخاذ قرار المجابهة، أقوياء بالتوكل على الله، وعندنا بعد ذلك سلاح الفكر الذي يعمل عمل السحر إذا ما أجيد استعماله: «إن من البيان لسحرا» أقوياء بأمتنا التي لا تقبل بهدم عقيدتها، ولكن حين تدرك الخطر على عقيدتها لا أن تضلل بأن الأمر هو كسب بقعة من أرض مقابل السلام فتجسيد الخطر وتحديده وتعميق الاحساس به لا شك يثير في الانسان الدافع للمقاومة والعمل للقضاء عليه. إن ادراك عمق العداوة بين العالم وأميركا قد يساعد على اتخاذ قرار اعلان الحرب عليها ولا قت نضيعه في الهجوم على عملائها، فسقوطهم يكون من قبيل تحصيل الحاصل: إن لم نعلن الحرب عليها فهي ماضية في حربها وإن أعلناها وأجَدْنا إدارة الصراع معها فإن النصر بإذن الله قادم.

هل أميركا ضعيفة إلى الحد الذي يوقفها معه المسلمون؟ إن أميركا قوية عسكرياً، ومعركتنا معها ليست على هذا الصعيد في المرحلة الأولى على الأقل. إن أميركا قوية إذا خاضت معركة مع الأنظمة، أما مع الشعوب فهي ليست على قدرها. إن أميركا يكفيها أن تتيقن أن الأمة على استعداد للاستشهاد وهنا يبرز دورنا. أميركا ليست قوية بحضارتها، وحضارتنا هي السلاح الرئيسي في الهجوم عليها. أميركا قوبة بالتضليل، والتنويرُ سلاح فعال ضدها. أميركا ضعيفة بأخلاقياتها وإنسانيتها. يكفيها أنها تحتكر بطولة استعمال السلاح النووي ضد الانسانية. إن العزلة داء قاتل لأميركا، إن الظرف الدولي من أقوى الأسلحة ضد أميركا، فحقد العالم عليها لا يقدر، ويكفي الإشارة هنا للإهانة التى وجهها بوش لزعماء أوروبا مؤخراً للدلالة على الغباء الأميركي. أميركا قوية وضعيفة. وعلينا إذا أردنا حربها تحييد عوامل قوتها وتنمية عوامل ضعفها، وتحويلها إلى قوة، واستغلال قوتنا الفكرية في صراعها وإحسان الصراع. ومساحة الصراع العالم كله وعدتنا أمتنا ولكنها بحاجة إلى الوقود الذي يمدها بالطاقة. إن شرارة عملية الصراع يمكن اشعالها من مدريد، والهجوم يجب أن يتخذ أكثر من محور ويتخذ من خطاب بوش هدفاً للرماية وقبله خطاب 06/03، نبصر الناس ونثيرهم من خلال تعريفهم بما يراد بهم. ونستمر في إطلاق النار على الديمقراطية والاقتصاد الحر وتشريحهما وتعطيل عملهما. والمهم هو استفزاز أميركا حتى نسلخ جلد الأفعى وتكشف أنياب السم. إن العملية ليست بسيطة وأن أميركا متحسبة لمعظم الاحتمالات وجاهزة للرد وليس هذا بالأمر المثبط. ومعرفة ذلك عامل قوة وليس من شأنه التثبيط. أرى أن عوامل النجاح أكبر من عوامل الاخفاق. هذا على المستوى الانساني. أما ما لا تدركه أميركا ونؤمن به نحن فهو أن النصر من عند الله، وهذا الأمر لا يقع في حساباتها المادية وهو عامل قوتنا الأول. إن اتخاذ قارا استراتيجي بهذه الأهمية ليس أمراً سهلاً، ولكن الخطر المحدق بنا يجعل مثل هذا القرار أمراً لا يمكن تجنبه. إن أميركا وهي تغذ الخطى للاطباق على المسلمين لا تدع لنا مجالاً كبيراً للاختيار، فنحن أمام ظرف الاضطرار والضرورة، فالاضطرار متمثل في محاولة قسر المسلمين على القبول بالكفر الرأسمالي والتحول إليه بأيدي المسلمين. ومن ذلك ما يُفهم من قول بوش السابق فكأنه يقول: «أنتم المسؤولون عن هدم القائم وإعادة بنائه على أسس رأسمالية وإذا رفضتم فكل الأسلحة مصوّبة نحوكم، وكل نقاط الضعف في المجتمعات القائمة سيجري تفجيرها في وجهكم.» فقبول مشروع أميركا مكلف، ورفضه مكلف، قبول مشروعها فيه خسران الأمة دنيا وآخرة. ورفضه ولا شك مكلف ولكنه شتان بين النتيجتين فالأولى فيها الخسران المبين وفي الثانية احتمالان إما النصر أو الشهادة وكلاهما خير. أما الضرورة فهي أن نبقى أو نُزول. وهذه أيضاً لا خيار لنا فيها. ضرورة أن ندفع عن أنفسنا عوامل الإفناء بالسير في طريق الانبعاث لهذه الأمة وقد يكون الميلاد الذي طالما انتظرناه هو النتيجة. لا شك أن اتخاذ قرار المجابهة سيقترن بقرار حشد الامكانات وترتبيها على نحو يديم المواجهة حتى تحقيق الغاية وفق الخطة المحددة بقرار حشد الامكانات وترتيبها على نحو يديم المواجهة حتى تحقيق الغاية وفق الخطة المحددة المعالم. وحتى نتمكن من إدارة الصراع لا بد من معرفة كوامن الضعف والقوة في كل طرف والعنصر الحاسم في كسب الصراع هو الأمة الإسلامية. وإن من يكسب الأمة أو الشعوب إلى جانبة لا شك سيفوز في هذا الصراع. ويكفي أميركا في هذا المجال تحييد الأمة كخطوة أولى تمهيداً للإنقضاض عليها. أما نحن فلا ينفعنا إلا كسب الأمة وتوجيه قواها المختلفة في الصراع وأن من شأن تجسيد الخطر أن يؤدي إلى تجميع كل القوى لتقف صفاً واحداً، فالاحساس بالخطر يثير لدى الانسان غزيرزة البقاء التي تدفعه لمقاومة عوامل الافناء. فإذا تمكنا عند ذلك من توجيه جهود الأمة كانت الغلبة والنصر بإذن الله. إن الدخول في الناحية التنفيذية لإدارة صراع استراتيجي ليس موضوع هذا الخطاب.

إن اتخاذ القرار الاستراتيجي ووضع الخطط العامة لكل جانب من جوانبه ووضع الخطط التفصيلية وتحديد لحظة الانطلاق فيه هي شأن قادة الأمة الإسلامية جميعهم. يجب أن تتضافر كل الجهود في هذه المرحلة من مراحل الصراع مع الكفر وندعو الله أن يوفق المخلصين من أبناء الأمة الإسلامية لينهضوا بهذه المهمة الكريمة واضعين نصب أعينهم قول الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *