العدد 58 -

السنة الخامسة – العدد 58 – (رجب – شعبان) 1412هـ الموافق شباط 1992م

النظام السعودي يعتقل علماء الدين

إعداد: محمد أبو وائل

نشرت الوكالات والإذاعات أن النظام في السعودية قام بحملة اعتقالات طالت كثيراً من العلماء والخطباء في الأسابيع الأخيرة. من هذه الأخبار من قال بأن عدد العلماء الذين اعتقلوا عشرون، ومنهم من قال بأن العدد أكبر من ذلك بكثير.

وسبب الاعتقالات هو أن المملكة السعودية تعمل على التراجع عن تطبيق أحكام الشريعة في كثير من الجوانب التي كانت تطبقها فيها، وتحاول المملكة علمنة الأجهزة التي ما زالت تطبق الشرع. وهكذا هب كثير من العلماء للحفاظ على ما تبقى من أحكام الشريعة والوقوف في وجه العلمنة الكاملة. وكذلك لم يعجب العلماء موقف النظام من حرب الخليج ولا موقفه من مصالحة إسرائيل، فصاروا ينتقدون. وكان النظام جاهزاً لزجهم في السجون.

وفي يوم الاثنين 27/01/92 أعلن الملك فهد أثناء جلسة وزرائه أن المملكة ستضع خلال شهر شباط هذا دستوراً ينظم الحكم ومجلس الشورى والمناطق. وقال: «سنعمل على تطوير بعض الأنظمة القديمة لتواكب متطلبات النهضة الشاملة في البلاد» وزعم الملك أنه سيعمل ذلك حسب العقيدة والدين. وأشار الملك في هذه الجلسة إلى الاعتقالات، وهدد العلماء الذين لم يُعتقلوا بعد حين قال: «إنني أتابع الأمور بحكمة وروية وأعمل على معالجتها بالطرق المحببة إلى النفوس.. ما دمنا قادرين على سلوك الطرق الهادئة والمتزنة في معالجة بعض التصرفات. أما إذا تجاوز الأمر حده فلكل حادث حديث».

وقد وصلت إلى «الوعي» رسالة وجهها فضيلة الشيخ إبراهيم بن محمد الدبيان في (28/08/1411هـ) إلى الشيخ عبد العزيز بن باز يشكو أوضاع النظام السعودي المخالفة للإسلام. وفيما يلي نص هذه الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الرئيس العام لهيئة البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد:

إليكم ـ حفظكم الله تعالى ـ الأنظمة المخالفة لشرع الله تعالى والتي تستجلب لنا العقوبات وتُغضب رب الأرض والسموات والتي يتعيّن على مثلكم مناصحة المسؤولين وإنكارها عليهم والحزم في ذلك قياماً بالواجب وإبراء للذمة وإقامة للحجة ومعذرة إلى الله ولعلهم يتقون خاصة بعد انفراج هذه الأزمة والفتنة. وهذه الأنظمة:

أولاً: الأنظمة الاقتصادية كالبنوك الربوية التي تحارب الله ورسوله وتُصدر أنظمتها الدولة، وكالتأمينات الاجتماعية ونظام التقاعد والجمارك والضرائب والمكوس التي تؤخذ من المسلمين.

ثانياً: المحاكم التجارية القانونية المنقولة من نظام المحاكم التجارية المصرية وهي قانونية بحتة تبيح الربا والمكوس وتخالف الشرع في أشياء كثيرة.

ثالثاً الإعلام بجميع فروعه إذاعة وتلفاز وصحافة. فواقع الإعلام بعيد عن الإسلام كل البعد فالإذاعة فيها الاختلاط بين الرجال والنساء، والموسيقى والأغاني الغرامية، والأغاني الوطنية التي تجعل الوطن إلهاً وصمناً يُعبد من دون الله، ومقابلات الساقطين والساقطات ومدح للكفرة إلى غير ذلك مما تتفطر منه كبود المؤمنين. ومن استمع إلى برامج إذاعة الرياض والبرنامج الثاني لا يصدق أن هذا البث الإذاعي من دولة تعلن أنها تُحَكّم الشريعة الإسلامية.

وأما التلفاز فحدث ولا حرج فما ذكرت في الإذاعة يوجد فيه ويزاد على ذلكم صور النساء الكاسيات العاريات وحب وغرام وتمثليات ساقطة ومسرحيات خليعات مفسدات وتمجيد للكفرة وأراذل المجتمعات الإسلامية.

وأما الصحافة فهي بجميع صفحاتها حرب على الفضيلة والدين، وإليكم مثالاً واحداً لما نشر بجريدة الرياض ـ والقصاصة عندي ـ قال الكاتب: (الرسالة إلى بوش ينبغي أن تكون بحجمه الكبير، لأنها رسالة إلى أكبر رأس على وجه الأرض والصديق الذي بان وقت الضيق. لأنها راسلة إلى رئيس أكبر جمهورية في العالم الذي يملك بقاء العالم وفناءه وإغنائه وإفقاره) أ هـ إلى هذا الحد والعياذ بالله. وعندي الكثير من الأمثلة مما يكتب في الصحف من المنكرات، وتسجيلات لبعض ما يُبث عبر الإذاعة، ومستعد لتزويدكم بها.

رابعاً: نظام المستشفيات أوروبي بحت فيه سفور والتبرج والاختلاط والخلوة بالأجنبيات من الممرضات، ويوجد الأطباء الكفرة ذوو الديانات المتعددة وأخطرهم النصارى الذين لهم جهد تنصيري خبيث لا يخفى على سماحتكم.

خامساً: نظام الخطوط الجوية، فمن دخل الماطار تمعّر قلبه لما يرى من التكشفف والسفر والعري وسفر النساء بدون محارم. أما مضيفات الطائرات فكاسيات عاريات تبدو سيقانهن إلى الركب وتبدو نحورهن وسواعدهن مع التجمّل الجالب للفتنة والعقوبة العاجلة. نسأل الله السلامة والعافية.

سادساً: شئون العمل والعمال، ففيه أنظمة وقوانين مخالفة للشرع كما لا يخفي على مثلكم وقد أنكر بعضها الشيخ بن حميد في حياته رحمه الله.

سابعاً: مناهج تعليم البنات كمناهج تعليم البنين تمهيداً للمساواة، مع تدريس الأدب الانجليزي، وفي الغرام وعقائد النصارى حتى لبناتنا وأخواتنا في جامعة سعود، هذا مع تدريس مناهج مخالفة للإسلام كالأدب الإنجليزي المذكور ومناهج معاهد الإدارة القانوني، مع ما في مناهج التعليم العالم من قوميات ووطنيات ومخالفات للشرع عديدات. وإذا وعدوا وعداً حقيقياً بالاصلاح كتبت إليكم الكثير من ذلك بأرقام الصفحات. مع أن نظام التعليم بصورة عامة فيه علمنة ظاهرة فالرياضيات مثلاً في المرحلة الثانوية في القسم العلمي لها سبع حصص، وأما القرآن فله حصة واحدة اسبوعياً، والإنجليزي له من الحصص أضعاف ما للتوحيد والقرآن الكريم.

ثامناً: الرياضة وأنديتها، فهي تُصرف لها الملايين وتكشف في ملاعبها الأفخاذ، ويتعادى على مدرجاتها المسلمون، ويجلب لها المدربون الكافرون ويكرمون ويعززون ويحملون على الأعناق، وتستقدم الأندية الكافرة لإقامة مباريات ودية بها منتخبات الدول الكافرة وترفع أعلامها في بلاد التوحيد. ففي كأس العالم للشباب الذي أقيم قبل سنتين رفعت أعلام عشر دول كافرة وعزفت موسيقاها في بلاد التوحيد حتى فوق الفنادق في الدمام رفعت أعلام الروس الذين يقتلون المسلمين في أفغانستان في وقت واحد، ولما استنكر بعض الناس ذلك وكتبوا تحذيراً من ذلك زجّ بهم في السجون.

تاسعاً: سحب صلاحيات بعض الجهات الشرعية، فالمحكمة من اختصاصها الحكم بالردة والمطالبة بإقامة الحد المرتدين إلا إذا أحيلت من جهات رسمية والهيئة المسكينة ألقيت في اليم مكتوفة فلا تستطيع اغلاق محل بيع المنكرات أو أن تتلف شيئاً من المنكرات التي تباع أو توقف صحيفة أو تغلق بنكاً يحارب الله ورسوله أو محلاً للتصوير أو يبيع أخبث الأغاني، ومُنعت من التحقيق مع المجرمين والعصاة، مع أن المباحث تحقق مع الدعاة وطلبة العلم والمشايخ، ومن له حصانة دبلوماسية يسلم للشرطة فيخرج بلا عقوبة أو حد أو تعزير بل يكرم ويعتذر منه. وعند إخواننا في الهيئة وقائع كثيرة. ومن الحدود المعطلة: تعطيل إقامة الحد على من بلغ الثامنة عشرة أو ربما أكثر وتحويله إلى دار الملاحظة فقط.

عاشراً: مضايقة الدعاة إلى الله والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والتجسس عليهم والتحقيق معهم وتوقيفهم كأنهم مجرمون وسحب مراقبة المطبوعات من الافتاء وتحويلها إلى الإعلام لينسخ ما يراد نسخه وإن خالف الإسلام.

حادي عشر: التصريح بفتح محلات لا يبيح الشرع فتحها، كمحلات التصوير ومحلات الفيديو ومحلات بيع الأغاني ونحو ذلك بلوحات ضخمة في شوارع المسلمين.

ثاني عشر: السياسة الداخلية والخارجية، أما الداخلية فمنها ما ذكر سابقاً من المنكرات مع التضييق على الدعوة والدعاة حتى صدر قرار من الداخلية للعسكريين بفصل من يقصر بنطلونه لأن ذلك مخل بالرجولة ومخالف للأنظمة العسكرية المرعية وعندك صورة القرار. أما السياسة الخارجية فبعيدة عن الإسلام كل البعد حتى وصلت الحال بالملك إلى تهنئة الشعب الروسي بعيد ثورته مع رجاء التقدم والازدهار له نيابة عن الشعب السعودي، يقول الملك: «صداقتنا بأميركا ليست صداقة مصالح ولكنها صداقة حميمة وقديمة من لدن الوالد الملك عبد العزيز» ويدعون الكافر لزيارة هذه البلاد وترفع أعلام دول الكفر في بلاد التوحيد، ويزورون الدرعية يقولون للزائر هذه بلدتنا القديمة وانظروا قفزتنا الحضارية الضخمة من العمارات الشاهقة والشوارع الفسيحة هذه موازينهم ويقول الملك عن صدام حسين: «أنه كان صديق لي قبل غزو الكويت بأيام، أما الآن فانتقلت الصداقة من صدام إلى حافظ الأسد» فإلى متى لا يفيقون ولا ينهون عن المنكر؟ ما ذكرته غيض من فيض وقليل من كثير.

ومن المعلوم لسماحتكم أن التشريع وإيجاد الأنظمة الجاهلية المخالفة لشرع الله تعالى والدفاع عنها وإيذاء من ينكرها كفر بالله تعالى وردة مخرجة من الإسلام.

وفرق بين التشريع العام والمعصية الفردية من شخص فالأول كفر والثاني معصية. قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)، وقال تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ)، وقال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) وقال تعالى عن المتحاكمين إلى الطاغوت: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ)، إلى قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) فيكف بمن يسُنّ للناس ويشرع لهم من الأنظمة ما يخالف شرع الله ويتصدى لإيذاء من أنكر هذه الأنظمة الجاهلية؟.

والأدلة على ذلك من كتاب الله تعالى كثيرة ولا تخفى على سماحتكم. والمسألة خطيرة والأمر جلل ويحتاج إلى إنكار عاجل من مثلكم (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً…).

والله أسأل أن يسدد على الخير خطاكم ويبارك في جهودكم وجهود العلماء من أهل هذا البلد وأن يوفق الجميع للسداد في القول والعمل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إبراهيم بن محمد الدبيان

28/08/1411هـ

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *