العدد 66 -

السنة السادسة، ربيع الثاني 1413هـ، تشرين الأول 1992م

«البيان الاسلامي»

في 16/09/92 نشرت جريدة «الحياة» ملخصاً لكتاب بعنوان  «البيان الاسلامي». مؤلف الكتاب هو السيد (علي عزت بيكوفيتش) رئيس جمهورية البوسنة ـ الهرسك. وهو كان قد كتبه قبل حوالي عشرين سنة، ولكنه لم يطبع وينشر إلا سنة 1990.

هذا الكتاب يشير إلى نضوج جيد يتمتع به المؤلف منذ عشرين سنة. نحن لا نقول بأن الأفكار التي حواها الكتاب هي قمة الفكر الاسلامي أو هي نقية تماماً، ولكن كونها تصدر من مسلم أوروبي يعيش في ظلم نظام شيوعي ومنذ عشرين عاماً يعتبر شيئاً متقدماً بالنسبة لأمثاله. ونحن نرى كثيراً ممن تخرجوا من جامعات الشريعة الاسلامية وممن يسمونهم «علماء» في البلاد العربية قد تأثروا بأفكار الغرب وفتنوا بها وفُتِنوا بالقومية في الوقت الذي نرى فيه هذا الرجل هناك في أوروبا يحارب الشيوعية والرأسمالية والقومية ويدعو إلى الاسلام ووحدة المسلمين والتمسك بشريعة القرآن.

  • منهج واحد للإيمان الإسلامي والشعب المسلم.

  • هدفنا: عودة المسلمين إلى إسلامهم.

  • شعارنا: الإيمان والجهاد.

يبدأ البيان بمقدمة تتناول الضرورة الحتمية لوحدة المسلمين «كي يتميزوا عن غيرهم ويضمنوا انتصارهم بوجه التحديات». يقول:

«يمر العالم الإسلامي في مرحلة تغير وولادة ومهما كانت نتائج هذه التغييرات فإنها لن تبقي العالم الإسلامي حسب ما كان عليه في النصف الأول من القرن الجاري».

«يحاول كل من الشرق والغرب استغلال الظرف الراهن في البلاد الإسلامية لتحقيق أهدافه وإبقاء الشعوب المسلمة على ما هي عليه من تخلف وارتباط مادي وسياسي به».

«إن جذور الجهاد الإسلامي قديمة وتاريخية وقد سقطت قوافل الشهداء وهي تقاتل الجاهلية، ولتجاوز المصاعب الحالية لا بد أن ينتظم مئات ملايين المسلمين في وحدة جامعة متينة(*)».

«نريد بخطوات واثقة أن نقف على بداية طريق العودة إلى سيادة أنفسنا ومستقبلنا». «نطالب بشجاعة الاستفادة مرة أخرى من عبقرياتنا الإسلامية وبذلك نستطيع سلوك الصراط المستقيم نحو الهدف المنشود: إقامة الإسلام على كل الأصعدة لدى الأفراد وفي إطار العائلة والمجتمع ومن خلال العودة إلى العقيدة الإسلامية وإقامة مجتمع إسلامي موحد من المغرب إلى إندونيسيا».

ويستند في تأكيد صحة ما ذهب إليه من خلال «اعتماده على القرآن الكريم الذي هو إضافة إلى أنه كتاب ديني، هو منهج لمجالات الحياة المختلفة التي يقتضي أن يترجمها المسلمون إلى حيز الواقع»، ويعزو التأخر الحالي لبعض البلاد الإسلامية التي كانت ذات شأن في السابق، إلى ابتعادها عن الإسلام، ويضرب مثلاً لذلك تركيا «التي خسرت عن قصد حتى أحرف الكتابة القرآنية التي هي شيء مثالي النسبة للمسلمين، لا لسبب سوى الرغبة في مجاراة الغرب على حساب التراث الإسلامي». ويحمل كمال أتاتورك مسؤولية كل التخلف الذي طرأ على تركيا. ويقول: «إن الذي جلبه أتاتورك لتركيا كان غريباً عن التراث والحضارة التي وفرت ما شهده الأتراك من قوة وعظمة لقرون عديدة». ثم يقسم البيان إلى ثلاثة أبواب:

الأول: تخلف الشعوب الإسلامية.

الثاني: النظام الإسلامي.

الثالث: مشاكل النظام الإسلامي الحالية، ويختتمه بخلاصة عامة.

ويشير إلى التقدم الذي حققه المسلمون في عهودهم الأولى التي لا تزال آثارها شاخصة إلى يومنا هذا، والتي تؤكد «مدى عظمة المسلمين عندما يلتزمون نهج القرآن الكريم».

ثم يتطرق أيضاً إلى الأضرار التي لحقت بالمسلمين نتيجة ما جلبه أتاتورك لتركيا. ويتناول انقسامات المسلمين الحالية، ويعتبر «أن هذا هو سبب تخلف المسلمين الحالي، رغم إمكاناتهم، ووجود وحدة تجمعهم أساسُها القرآن الذي يمتلك كل الدوافع والمحفزات اللازمة للتقدم».

ويستغرب عدم المبالاة الموجودة عن المسلمين بشأن وحدتهم والتي «تركز التجزئة والتقسيمات التي يعيشونها». ويطالب بضرورة يقظة إسلامية لتجاوز «هذا الوضع الذي أدى إلى عدم اهتمام الجماهير الإسلامية بقضاياها المشتركة».

أسباب الإحباط

يقول: «إننا الآن نستطيع أن نقضي على الإحباط بين المسلمين إذا وضعنا في اعتبارنا السؤال: إلى أي حد نحن مسلمون؟». «وينتقد العرب الذين اتخذوا لغاتٍ لبلادهم غير العربية، ويشير إلى الحبيب بورقيبة، الذي جعل الناس حتى في بيوتهم يتكلمون الفرنسية ويتصفون بالثقافة الأوروبية، فجعل تونس ليس فقط تفقد هويتها الإسلامية وإنما أيضاً فرّقها عن العالم العربي»، ويقول: «إن الأشياء الجديدة يمكن الأخذ بها ما دامت لا تتعارض مع الفكر الإسلامي، لأنه في خلاف ذلك ستضر بالوحدة الإسلامية والعمل في سبيل الإسلام». ويشير إلى أن النظام الإسلامي «يرتكز على أساسين: المجتمع الإسلامي والحكم الإسلامي، ولا يمكن تحقيق نظام إسلامي من دونهما».

– وحدة حال المسلمين: «الإسلام يحتوي كل المبادئ التي تضمن وحدة المسلمين: الإيمان، الثقافة، السياسة، الإسلام ليس قومية ولكن فوق القوميات أنه يوحدها». «إن النظريات التي تحاول التفرقة سواء على أساس مادي أو عرقي. أو طائفي وغيرها تتعارض والإسلام، وفوق هذا المبدأ يجب علينا الإبقاء على وحدة الأمة الإسلامية»، «الإسلام له فكرة والجامعة الإسلامية هي اتجاهه السياسي»(*).

الحكم الإسلامي

«علينا أن النهضة الدينية لا يمكن أن تعني أن النظام الإسلامي ممكن أن يقوم من دون الحكم الإسلامي»، «المواطن في الدولة الإسلامية يجب أن يكون قبل كل شيء مسلماً مؤمناً ثم مجاهداً، إننا نناهض الذين يتهمون الإسلام أو الشعب الإسلامي والأمة الإسلامية بإعاقة التقدم».

الإسلام والمفهوم القومي

«إن الإسلام أمام مهمة طبيعة، وهي تحقيق مآرب المسلمين بإقامة أمتهم الواحدة من المغرب حتى إندونيسيا ومن أواسط أفريقيا الحارة إلى أوساط آسيا الباردة»(*).

«بالنسبة لنا، مثلاً، شعب كامل اليوم، مجزأ، شعب واحد كالعربي، من الضروري أن يكون بحكم موحد، هذه مسالة إسلامية مهمة، إن المسلمين في مصر لا يشعرون معاناة المسلمين في أثيوبيا أو كشمير في القوت الذي لا تستطيع فيه البلدان العربية الحد من قساوة إسرائيل، هذا يعني أن هناك شيئاً غير عادي بوحدة الشعب العربي يجب أن يكون الصحيح بالوحدة الإسلامية».

«إن فكرة القومية في الدول الإسلامية فكرة دخيلة أجنبية، جاء بها عدد من المثقفين من سوريا أنهوا تعليمهم في أوروبا وأميركا، وسبقتهم بذلك تركيا من خلال كمال أتاتورك، ونجدها أيضاً في دول إسلامية أخرى، إن هذه الفكرة القومية غريبة عنا لأن مفهوم الأمة الإسلامية هو الصحيح». «عن فكرة القومية الدخيلة نجدها بما تزرعه بشأنها أيضاً الجامعات الأجنبية في بيروت، وما بثه سوكارنوا في إندونيسيا، وحزب البعث في الدول العربية، وبالنسبة لفلسطين كانت دائماً بالنسبة للمسلمين في موضع القلب وبالنسبة للقوميين بضاعة مستوردة»، «القدس ليست فقط مسألة الفلسطينيين أو العرب وإنما هي قضية الإسلام والمسلمين».

كان لا بد أن نُضرَبَ في سيناء، ولا بد من اضطهاد الإندونيسيين ومن هزّةٍ في باكستان، كان لا بد أن يتكلم الكثيرون عن الحرية وعن العيش الأفضل وعن الثورة، كان لا بد من ميلاد الطغاة ومن قهر الفقراء، كان لا بد من هذا كله لميلاد الزمن الذي تبدأ فيه هذه الأجيال بأن تَرى بوضوح عدم جدوى البحث في الفراغ، وأن مخرجها الوحيد بتجمع إسلامي واحد(*)، عندما تتجه هذه الأجيال إلى داخلها وتعتمد على روحانيتها ومصادرها المادية، أي عندما تعتمد على الإسلام والمسلمين.

العالم الإسلامي الآن متعدد الشعوب الجنسيات والقوانين التي تحكمه ولكن الشيء الوحيد الذي يربط بين هذا كله هو القرآن الذي يقرأ في كل أصقاع العالم الإسلامي من الهند إلى الجزائر إلى  نيجيريا… إذ يشعر الجميع بانتمائهم إلى المجتمع الإسلامي وهذا ما يشكل مصدر الطاقة التي ستحرك العالم الإسلامي.

إن مهمتنا يكتب لها الحياة أكر وأكثر، وهذه الحقيقة تتكون من أن هذه المشاعر التي هي مصدر القوة، يجب أن نحولها إلى قوة حقيقية والتمسك بالقرآن لا بد أن يتزايد وان يتحول إلى حقيقة، إنه لا بد من تطبيق القرآن، والمشاعر الإسلامية لا بد من وضعها في أطر تنظيمية تخلق مجتمعاً موحداً إنسانياً بأفكار واضحة ذات علاقات حضارية واجتماعية تحوي في طياتها قوانين المستقبل ومؤسسات مجتمع هذا المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *