العدد 66 -

السنة السادسة، ربيع الثاني 1413هـ، تشرين الأول 1992م

خُدْعَة التعويض تَحْلِق كرامة أهل فلسطين

الأخبار تفيد أن منظمة (التحرير!) وافقت على الحكم الذاتي بالشروط الإسرائيلية جميعها، والوفد الفلسطيني المفاوض لم يستطع الحصول على أي شيء. فاليهود حصلوا على حق إقامة المستوطنات في وادي الأردن وفي القدس الكبرى، وعلى المحافظة على جميع المستوطنات التي سبق أن أقاموها، وعلى حق أن تكون هذه المستوطنات بحماية اليهود وليس تحت سلطة الحكم الذاتي. واليهود هم أصحاب السلطة على الأرض وما في باطن الأرض والجو. واليهود هم أصحاب السلطة في جميع الشؤون العسكرية والحدودية والخارجية. واليهود هم أصحاب السلطة في شؤون التشريع والسيادة. واشترط اليهود أن تكون الفترة الانتقالية (3 سنوات) فترة تجريبية للفلسطينيين في الحكم الذاتي، فإذا أثبت الفلسطينيون جدارتهم (أي قدرتهم على منع أي أذى يقع على اليهود من الفلسطينيين وقدرتهم على تنفيذ جميع ما حدده اليهود لهم) فإن إسرائيل تبدأ بالحوار معهم من أجل الوصول إلى الوضع النهائي. وإذا أثبتوا عجزهم فإن اليهود سيعودون للامساك بما عجز عنه الفلسطينيون. وقد حاول الوفد الفلسطيني أن يحصل على ضمانة بأن الوضع النهائي سيصل إلى الاستقلال التام عن اليهود ولكنه فشل.

وقد وصف محمود عباس (أبو مازن) النتيجة بأنها على مستوى الخيانة والوطنية (أنظر كلامه تحت عنوان: ارتكاب الجريمة) وأنها ستكون مرفوضة من الشعب الفلسطيني. وقد تحركت عشر منظمات فلسطينية وصارت تنادي بالانسحاب من المفاوضات ورفض الحكم الذاتي ودعت إلى إضراب في 22/09 احتجاجاً على المفاوضات.

وقد شعر الوفد المفاوض بالحرج لأنه يخشى أن يتهم أنه هو الذي يفرّط ويتنازل ويخون وليس قيادة المنظمة. ولذلك صار حيد عبد الشافي (رئيس الوفد المفاوض) يطلب من المجلس الفلسطيني المركزي قراراً واضحاً بأنه هو الذي وافق على ما توصل إليه الوفد، وقال عبد الشافي بأنه إذا عجز المجلس المركزي عن بت الموضوع فلا بد من العودة إلى استفتاء الشعب الفلسطيني.

والظاهر أن قيادة المنظمة رأت أنها قد تحتاج إلى استفتاء من نوع ما. وحاولت المنظمة أن تعتبر الاستقبال الذي حصل للوفد المفاوض عند عودته من مدريد، حاولت أن تعتبره استفتاء بالموافقة. وحاولت المنظمات العشر التي شجبت المفاوضات أن تعتبر الإضراب ضد الحكم الذاتي في 22/09 بأنه استفتاء بالرفض. ومن أجل أن تكسب لمنظمة تأييد الفلسطينيين للحكم الذاتي وللنتيجة (المخزية) التي توصل إليها الوفد المفاوض بثت إشاعة التعويض (مع التوطين). وصاروا يُمنّون الناس بعشرات ألوف الدولارات لكل فرد فلسطيني، وأن هذه التعويضات يتم دفعها بعد التوقيع على الحكم الذاتي.

في هذا الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الفلسطينيون، وهذا الوضع السياسي اليائس من استرجاع فلسطين تسري إشاعة (مجرد إشاعة ولكنها انطلقت من مراكز يصدقها الناس عادة) عن دفع تعويضات مغرية. لا شك أن مثل هذه الإشاعة تفعل فعلها في أعصاب الناس، ويصبح قسم كبير منهم مؤيداً للموافقة على المفاوضات وعلى الحكم الذاتي وعلى التنازل عن فلسطين.

هذه الإشاعة هي مجرد خدعة. ونتيجة هذه الخدعة هي إهانة جديدة لأهل فلسطين. قَبْضُ تعويض عن أرض فلسطين هو بيع لها لليهود. وكل شخص يبدي موافقة على التعويض هو يبدي موافقة على التنازل عن فلسطين لليهود، وهذه خِسّة وخيانة في نظر جميع المسلمين. وإذا أظهر الفلسطينيون استعدادهم لقبول التعويض فإن كرامتهم ستصبح تحت الأرجل. والذي فكر في إطلاق هذه الإشاعة يستحق أن يُداس هو بالأرجل. إنها إشاعة تَحلِق الكرامة وتحلق الدين، ويلن يقبض الناس بعدها دولارات، لن يقبضوا إلا خزي الدنيا والآخرة.

أنّا نهيب بكم يا أهل فلسطين أن ترفضوا الخدع والإشاعات الدنيئة، وأن ترفضوا التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين، وأن ترفضوا المساومات الرخيصة الجارية الآن باسم حكم ذاتي. أعلنوا رفضكم بكل الوسائل. خذوا على أيدي هؤلاء الخونة قبل أن يحلِقوا ما تبقى من كرامةً ومن حقوق. إنه منكر كبير تقترفونه فتقدموا وغيّروا منكرهم بأيديكم فأنتم قادرون على التغيير بالأيدي.

ونحن نهيب ببقية المسلمين أن يمنعوا القيادة الفلسطينية من ارتكاب هذه الجرمية: جريمة التنازل عن فلسطين لليهود باسم الحكم الذاتي.

لا يملك أهل فلسطين أن يتنازلوا عنها لليهود. أرض فلسطين فتحها المسلمون فتحاً فهي ملك لبيت مال المسلمين، إنها أرض خراجية، أصحابُها يملكون منفعتها ولا يملكون رقبتها. هذه الأرض لها هُويّة: إنها أرض إسلامية خراجية رقبتها ملك لبيت مال المسلمين. وإذا جاز للفرد أن يبيعها فهو يبيع منفعتها وهو يبيعها لمسلم أو لذميّ يعيش تحت حكم المسلمين. أما بيعها أو التنازل عنها بأي شكل من لدولة كافرة مثل دولة اليهود فإن هذا هو تغيير لهوية الأرض، وهو إخراج لها عن تبعيتها لبيت مال المسلمين لتصبح تابعة لبيت مال الكفار. وهذا لا يحل شرعاً أبداً. وهذا هو حكم كل أرض خراجية فتحها المسلمون وليس خاصاً بأرض فلسطين وحدها. ولكن أرض فلسطين لها مكانة في القرآن تزيد عن مكانة أي أرض إسلامية ما عدا أرض الحرم المكي والحرم النبوي الشريفين.

ليست المشكلة في التوطين وإنما المشكلة في التعويض. يجوز للفلسطيني شرعاً أن تكون له إقامة دائمة خارج فلسطين شرط أن لا يتنازل عن فلسطين لليهود. فلو حمل المسلم الفلسطيني هوية أردنية أو سورية أو لبنانية أو غيرها يجوز له ذلك شرعاً سواء كان ذلك بشكل دائم أو بشكل مؤقت. أما إذا صار هذا الأمر المباح يؤدي إلى الحرام كأن يؤدي إلى التنازل عن فلسطين لليهود فإنه يصبح عند ئذٍ حراماً بموجب القاعدة الشرعية «الوسيلة إلى الحرام حرام». وبناء على هذا فإذا صارت هجرة الفلسطيني إلى السويد أو ألمانيا أو غيرها تؤدي به إلى أخذ جنسية ذلك البلد ومن ثم موافقته على شطب جنسيته كفلسطيني وشطب حقه في فلسطين لمصلحة دولة اليهود، فإنه يحرم عليه أن يفعل ذلك.

بلاد المسلمين مسؤول عنها جميع المسلمين، وتبدأ المسؤولية بالأقرب، فإذا لم يكفِ القريب لحقت المسؤولية بمن يليه، وهكذا حتى تحصل الكفاية أو تعم جميع المسلمين. فإذا فرّط بعض المسلمين بواجبهم فلا يجوز لمن حولهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي بل عليهم أن يأخذوا على أيدي المفرّطين ويقوموا هم بالواجب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *