العدد 91 -

السنة الثامنة جمادى الاخرة 1415هـ, تشرين الثاني 1994م

كغثاء السيل ولكن…

عن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «توشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة على قصعتها» قال قائل: أوَ من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: «بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزِعَنّ الله من صدور عدوكم المهابةَ منكم وليقذفنّ اللهُ في قلوبكم الوَهَنْ» فقال قائل: وما الوهن يا رسول الله، قال: «حب الدنيا وكراهية الموت».

إن ما أخبره صلوات الله وسلامه عليه لأصحابه رضوان الله عليهم من تداعي الأمم على المسلمين، نراه قد تحقق في أيامنا هذه، فها نحن نرى كيف أن الأنظمة الكافرة قد تكالبت علينا تريد سحقنا ودمارنا ونزع الهوية الإسلامية منا، وبالمقابل نرى أنظمتنا قد اتخذت دور المتفرج «بل المشارك»… وهذا ما جعل أعداء الله يتطاولون وبتجرأون للاعتداء على المسلمين في أماكن عديدة من بلادنا. فبسكوت الدول العربية والإسلامية عن احتلال اليهود لفلسطين وإقامة دولة «إسرائيل» والاعتراف بها، وصك معاهدات واتفاقيات معها، جعل اليهود يقومون باعتداءات يومية وبشكل دائم على إخواننا فيها، ومن أفظع تلك الاعتداءات قتل العشرات من المسلمين وهم واقفون بين يدي الله يصلّون الفجر في الحرم الإبراهيمي، وبسكوتهم أيضاً أُتيحت الفرصة للصرب أن يعتدوا على المسلمين في البوسنة والهرسك لإقامة دولتهم الصليبية، ما أتاح أيضاً للهندوس – عبدة الأوثان – الاعتداء على المسلمين في الهند وتقتيلهم في المساجد وتدمير بيوت الله بكل جراءة ووقاحة.

هذا عدا عن التدخل السافر في بلد عربي إسلامي هو الصومال بحجة – إعادة الأمل – للمحرومين، وبذلك أنزلت أكثر من ثلاثين ألفاً من الجنود الصليبيين هناك لأحكام قبضتهم على القرن الأفريقي الذي يشهد الآن تحركات إسلامية واسعة، وما زالت دولنا تبارك تلك الخطوات.

وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المسلمين وبرغم عددهم الكثير هم كزبد البحر يتكاثرون ويرتفعون بارتفاع حركات الموج وسرعان ما يتحطمون بمجرد ارتطامهم بصخرة ما، أو حتى بمجرد ارتطامهم بحبيبات رمال الشاطئ. فبدلاً من أن تكون دولنا هي الصخرة التي تتحطم عليها أنوف المستكبرين، نراها ذليلة منقادة للأنظمة الكافرة متخذة منها ولياً من دون الله. لبئس ما اتخذت (كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) وأكد النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سينزع من صدور أعدائنا المهابة منا، تلك المهابة التي نُصر بها الرسول صلى الله عليه وسلم من مسيرة شهر، وسبب فقداننا لتلك المهابة هو تمسكنا بالدنيا ومتاعها وخوفنا من الجهاد والموت. وهو أيضاً تركنا للطاعات ونزاعنا الدائم بيننا قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) فبتركنا لأوامر الله وبابتعادنا عن الطاعات سيزداد فشلنا يوماً بعد يوم، وتتلاشى قوتنا وتذوب كما تذوب فقاقيع الصابون بمجرد أن نلامسها، وكل ما يصيبنا من انكسار وانهزام وإذلال إنما هو نتيجة مباشرة لتمسكنا بالدنيا وكراهية الموت كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبالرغم من ذلك فإننا نستشف بل هو واضح كل الوضوح أن تلك الاعتداءات المتتالية علينا هي الدليل القاطع على تخوف العالم الآخر من الصحوة الإسلامية السائرة في طريق الحق والرشاد، فالعالم بأسره يعلم يقيناً بأنا نحن المسلمين أصحاب الحق والقوة معاً ما دمنا محصنين بالقرآن الكريم. لذلك نرى دول الكفر والإلحاد تحاول دائماً نزع القرآن من صدورنا عبر وسائل كثير لم نعد نجهلها وهيهات أن تنجح.

وتلك الدول الخائفة من ذلك العملاق الذي قام من مرقده تعلم علم اليقين بأننا سنزيلها يوماً ما عن الوجود، عندما نعود واحداً لا آحاداً. ولذلك فهي تصر على تمزيق مجتمعنا الإسلامي، فكلما صحونا من ضربة جاءت ضربة أخرى فوق رؤوسنا لتمنعنا من الحراك.

فالوحدة على الله وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي وحدها الدواء الناجع للهجمة الصليبية المتجددة، ومهما فعلوا ومهما حاولوا ومهما ابتدعوا سبلاً لدمارنا وسحقنا وإذلالنا فلن يستطيعوا أبداً، لأننا سنكون الأقوياء بإيماننا.. الأقوياء بوحدتنا، لأننا نحن الأعزاء بإسلامنا الأوفياء لإلهنا ورسولنا وأمتنا… فالإسلام عائد والخليفة عائد بعون الله وتوفيقه ¨

منى محمد – طرابلس – لبنان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *