هجمة كبرى ثانية على الإسلام
1994/11/30م
المقالات
2,074 زيارة
بقلم: محمد حسين عبد الله
تمرُّ كلُّ أمّة مبدئية بحالات من القوة والضعف، ويوجه إليها أعداؤها هجمات تتفق وقوتهم، وتكون آثار هذه الهجمات متفاوتة، تتناسب مع حال الأمة وهدف العدو ونوع الهجمات.
والأمة الإسلامية، التي ولدت منذ أربعة عشر قرناً ونيّف، قد توج أعداؤها هجماتهم عليها، بالهجمة الكبرى، في الحرب العالمية الأولى، فهدموا دولتها، دولة الخلافة، ومزقوا بلاد المسلمين، وتقاسموها فيها بينهم. إلا أن عيونهم ظلّت مفتوحة، ولم تفتر لحظةً واحدة عن مراقبة الأمة الإسلامية، وظلّوا يحصرون على هذه الضحية التي أغمي عليها أنفاسها، ويرقبن تململها، وقد أعدوا الخطط والأساليب للإجهاز عليها، لكي لا تعود ثانية إلى الحياة. فسلك الشيوعيون نهجاً اعتمد على العنف والتقتيل للقضاء على المسلمين، كما حصل في آسيا الوسطى والبلقان والصين، وسلك الفرنسيون نهجاً آخر تمثل في ضمِّ البلاد الإسلامية إلى جمهوريتهم، وفي تغيير ثقافتهم ولغتهم كما حصل في شمال أفريقيا، وسلك الإنجليز نهجاً ينفذ على مراحل، أولها الاستعمار العسكري، ثم يليه السياسي والاقتصادي والثقافي، ينفذه ويحرسه عملاء لهم، كما حصل في بلاد الشام وغيرها.
وكانت الدول الكافرة رغم الصراعات بينها على المنافق ومناطق النفوذ، متفقة على بقاء الأمة مقطعة الأوصال، باسم الوطنية والقومية والاستقلال. حريصةً على إبعاد الإسلام عن حياتها، باسم التقدمية والعلمانية.
فاستعمار الأمة الإسلامية، والسيطرة عليها، وتقسيم بلادها، ونهب ثرواتها، ليس المقصود منه النفع المادي فقط، وغن كان هو الحاصل، بل المقصود الأساسي هو الحيلولة دون عودة الأمة إلى الإسلام، الذي هو أساس قوتها، ومن ثم تحطيمها ومحوها من الوجود، حتى لا تعود مرة أخرى إلى حمل رسالتها للعالم بالجهاد.
لذلك اتفق أعداء الإسلام، رغم اختلاف مذاهبهم، من شيوعيين ورأسماليين، على أن قضية البلاد الإسلامية، ليست قضية منافع ونفوذ فقط، بل هي قضية الأمة الإسلامية، إن عادت إلى دينها كانت خطراً ماحقاً لهم، وشرّاً وبيلاً عليهم. وبعد الحرب العالمية الأولى، وسقوط دولة الخلافة، احتلت بريطانيا مركز الدولة الأولى في العالم، فبدأت ألمانيا بمزاحمتها على هذا المركز، مما أشعل الحرب العالمية الثانية، التي أسفرت عن ظهور أميركا كدولة عظمى، فاحتلت مركز الدولة الأولي في العالم، غير أن كلاً من روسيا وبريطانيا حاولت التأثير على زعامتها للعالم، فقادت السياسة الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة، مشركة معها روسيا وبريطانيا وفرنسا، إلى أن حصل الوفاق بينهما وبين روسيا عام 1961، فقادت العالم باسم هذا الوفاق الدولي، الذي حصر نفوذ روسيا في البلدان التي تسيطر عليها، بينما أطلق يد أميركا في سائر العالم.
هذا الصراع بين الدول الكبرى، على مناطق النفوذ، على مركز الدولة الأولى في العالم، خفف الضغط على المسلمين نوعاً ما، وأوجد التشجيع والمساعدة للمسلمين من قبل أميركا، للوقوف ضد انتشار الشيوعية في منطقة الشرق الأوسط، كما حصل في إيران والأفغان، وكما يحصل الآن في الجزائر ضد الفرنسيين.
هذا الصراع المصلحي بين الدولة، مضافاً إليه طبيعة العقيدة الإسلامية، وعوامل أخرى، أتاح للمسلمين أجواء للتفكير والمراجعة، مما أوجد ما سمي بالصحوة الإسلامية.
شعرت أميركا التي انفردت بالعالم، بعد سقوط الشيوعية، بالصحوة الإسلامية، وقررت أن التحدي الذي يواجهها هو الإسلام، ورد ذلك في دراسات مستفيضة لمعاهد الدراسات الاستراتيجية فيها. وقد لخّص سيوزيتو رئيس قسم الدراسات الدينية بكلية الصليب المقدس الأميركية خصائص هذه الصحوة بقوله: «تشترك الصحوة الإسلامية جميعها في الإحساس بفشل الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة، وفي رفض الغرب، وفي الاقتناع بأن الإسلام يتمتع بأيديولوجية متكاملة، مكتفية ذاتياً، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع، وأنها بديل صادق عن القومية والعلمانية والاشتراكية والرأسمالية» وختم هذه المذكرة بقوله: «إن الذين يهددون المصالح الأميركية هم المتطرفون».
ولهذا الغرض أنشأت مراكز للدراسات، كمعهد الولايات المتحدة للسلام، ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومعهد الشرق الأوسط، ومعهد التراث، وغيرها. وزودت هذه المعاهد بالأموال والمفكرين، وذلك للبحث في أنجع السبل الكفيلة ليس بضرب الصحوة الإسلامية واحتوائها فقط، وإنما للقضاء على الأمة الإسلامية كأمة… لأن بريطانيا في الحرب العالمية الأولى قضت على الجهاز التنفيذي للإسلام، وهو دولة الخلافة، إلا أن الأمة الإسلامية ظلت موجودة، تعتنق العقيدة الإسلامية، وتتوق إلى عودة الإسلام إلى الحياة… إلا أن أميركا التي ورثت النظام الرأسمالي، ورثت معه تجارب الدول التي سبقتها كبريطانيا وفرنسا، في ترسيخ هذا النظام ومحاربة الأخطار التي تواجهه.
وبعد سقوط الشيوعية، وتزعمها (أميركا) للنظام الدولي الجديد، رأت أن أعظم خطر يُهدد هذا النظام هو الإسلام، فبدأت هجمتها الكبرى المدروسة ضد الأمة الإسلامية، كأمة عريقة، تحمل عقيدة سياسية، ومرشحة لقيادة العلام، للقضاء على النظام الرأسمالي الذي جلب الشقاء والفقر والحروب العالمية للبشرية، فوضعت بواسطة معاهدها الاستراتيجية، خططاً، وأبدعت وسائل وأساليب في سبيل تحقيق هدفها ويمكن إيجازها بالأمور التالية:
1- تبنّي الديمقراطية، وفرضها على دول وشعوب العالم أجمع، وذلك بالقوة والترهيب، وبالإقناع والترغيب، فجعلت من نفسها حامية وحارسة للديمقراطية، ترسل جيوشها وجيوش غيرها للمحافظة، كما تزعم، على الديمقراطية وحقوق الإنسان، والاستقلال… كما فعلت في العراق والصومال،… وكما هو معروف إن الديمقراطية تناقض بعقيدتها العقيدة الإسلامية، وتخالف بنظامها نظام الإسلام.
2- تبنّي التعددية السياسية في البلد الواحد، وهي فكرة مبنية على الديمقراطية، بحيث يُسمح بتشكيل الأحزاب مهما كانت الأفكار القائمة عليها، على أن لا يكون صفة طائفية تمنع من انضمام أي مواطن لها، وبحيث أن لا يكون لهذه الأحزاب امتدادات خارج الوطن، وذلك لمنع فكرة الوحدة من ناحية مبدئية أو قومية، من أجل المحافظة على الوضع الذي رسمته بريطانيا بناءً على سياسية «فرّقْ تسُد»، وفي نفس الوقت تجعل من الإسلام فكرة وطنية لا دين أمة واحدة.. كما حصل في إيران والسودان، وكما تسعى إليه اليوم في الجزائر وغيرها…
3- احتواء بعض الحركات الإسلامية، وتوجيهها لقبول الديمقراطية، والتعددية السياسية والحريات العامة، وقوانين هيئة الأمم المتحدة، وذلك لتمييع أفكار الإسلام، وصرف النظر عن تمييزه وشموله لجميع حلول مشكلات الحياة.
ولتحقيق هذه الأمور، قامت أميركا بأعمال مادية، وأخرى سياسية وثقافية، مستخدمة مؤسسات الأمم المتحدة كمظلة دولية لها، فقد قادت ثلاثين دولة في حرب الخليج لضرب العراق باسم المحافظة على الديمقراطية والاستقلال، وكذلك فعلت في الصومال والبوسنة، وفي حصار ليبيا، فهي جاهزة لضرب المسلمين ولتثبيت الحدود بينهم، بينما هي لا تتدخل في الشؤون الداخلية إن كانت الكلفة ضد الإسلام قوية وراجحة، كما حصل في الجزائر، ويحصل في البوسنة ومصر والسعودية وأذربيجان وغيرها، بل تؤيد الحكام الذين يتصدون لضرب الإسلام، وتدعمهم سياسياً واقتصادياً، فهي تكيل بمكيالين، (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ).
ثم قامت بأعمال سياسية ومؤتمرات دولية لتنفيذ هجمتها ضد الإسلام والمسلمين فعقدت مؤتمر مدريد، الذي تبتتْ به اغتصاب اليهود لفلسطين، وأنهى حالة الحرب معهم، وفرض تطبيع العلاقات معهم، لقبولهم ككيان شرعي في المنطقة. ثم عقدت مؤتمر داكار في عاصمة السنغال، الذي ضم سبعاً وأربعين دولة، أكثرية سكانها من المسلمين، وأهم القرارات التي خرج بها المؤتمر هي: تأييد عملية السلام في الشرق الأوسط. عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية بين الدول المجتمعة. عدم انتهاك الحدود المعترف بها دولياً. ومن ثم حذف كلمة الجهاد من قاموس الإسلام لأنها تثير مشاعر غير المسلمين. وأخيراً المطالبة باستمرار الحصار على العراق… هذه القرارات تدل بصراحة على أنها موجه ضد الإسلام والمسلمين.
ثم عقدت مؤتمر السكان في القاهرة، الذي كان من أهم بنوده: تحديد النسل في الدول النامية، والمقصود بها بلاد المسلمين، وإباحة الإجهاض، وإباحة المعاشرة الجنسية غير الشرعية، وإباحة الشذوذ الجنسي… وهددت أميركا الدول التي لا توافق على قرارات المؤتمر، بحرمانها من المساعدات والقروض المقدمة من صندوق النقد الدولي، ومن مؤسسات الأمم والمتحدة…
وعقد مؤتمرات عدة للحوار بين الأديان الثلاثة، آخرها مؤتمر الخرطوم، وذلك للاتفاق على قواسم مشتركة، يتفق عليها المؤتمرون، لإيجاد دين روحي جديد، لا علاقة له بالحياة أو السياسة، لا فرق فيه بين المسلم والنصراني واليهودي، فكلٌ منهم مؤمن بالله، وهم أخوة كما ورد على لسان بعض علماء وسياسي المسلمين. وقد أطلقت أميركا فكرة وحدة الأديان منذ أكثر من عشر سنين، وهي جادة في تحقيقها من أجل ضرب العقيدة الإسلامية.
إنَّ الهجمة الأميركية على الإسلام والمسلمين ستسمر وتشتد، وهي هجمة متميزة، تفوق في خطرها الهجمة الأولى التي هدمت دولة الخلافة، لأنها تستهدف العقيدة الإسلامية، التي إن استطاعت هدمها قضت على الأمة الإسلامية، وذلك لتحقق حلمها الذي تنبّأ به مفكروها، وهو القول بأن نهاية العالم ستكون في ظل النظام الرأسمالي العالمي الذي تتزعمه.
وكما أن فرنسا بزعامة نابليون، ثم بريطانيا بزعامة تشرشل، قررتا قضم الدولة الإسلامية قطعة قطعة، حتى وصلوا إلى هدم الخلافة، فإن أميركا قررت هدم العقيدة الإسلامية فكرةً فكرة، لهدم الإسلام ومحو الأمة الإسلامية.
وها هي قد بدأت ببعض الأحكام اليقينية التي لا يختلف التصديق بها عن التصديق بأفكار العقيدة، لأنها مستفادة من نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، كفرض الجهاد، ومعاداة اليهود الغاصبين – ووحدة بلاد المسلمين، وكتحريم الزنا والربا والتحاكم إلى الطاغوت، فأعلنت باسم عملائها من حكام وعلماء ومفكرين وكتّاب، بأن هذه الأحكام غير صالحة هذا العصر، وأنها غير حضارية، وأن الإسلام قد شرعها في ظروف وحالات خاصة، لا يجوز تعميمها على كل الحالات وفي كل الأزمان… والمعروف شرعاً أن منكر صلاحية هذه الأحكام اليقينية كافر بنص القرآن الكريم، قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) وقال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ).
فهجمة أميركا على المسلمين موجهة إلى عقيدتهم، التي هي أساس دولتهم وأمتهم وحضارتهم، ولا حياة لهم كأمة إسلامية إلا بها. وأساليبها في تنفيذ هذه الهجمة تعتمد على القوة المادية التي تمتلكها، وعلى تسخير الحكام والعلماء والمفكرين التابعين لها، وعلى وضع المناهج التعليمية التي تخدم خطتها، لتنشيء جيلاً منكراً لعقيدته، ومتنكراً لإسلامه وحضارته. قد غيّرت المناهج في مصر، وستغيرها في الأردن وغيره.
وأما ما تدعو إليه من نظام شرق أوسطي، ومن تنمية اقتصادية، ومن علاقات ودية، ومعاهدات سلام بين إسرائيل وغيرها، فما هي إلا أساليب ووسائل لتنفيذ فكرتها الأساسية، وهي القضاء على الأمة الإسلامية بالقضاء على عقيدتها. وقد كشف أحد المفكرين اليهود عن دور إسرائيل، وعن دور الحكومات العربية في هذه الهجمة الأميركية على الإسلام، فكتب في صحيفة هارتس اليهودية في 24/08/1994م ما نصه: «وعلينا في إسرائيل أن ندرك أن الأصولية ليست لوثة عقل، بل تتضمن نظام حياة متكاملاً، وجمالاً وسحراً روحياً، يشعر في رحابها المواطن العربي بالعزة والكرامة، فيسير منتصب القامة، ويحمل قيماً تؤدي إلى الحيوية والتجديد والمناعة، ضد التأثر بالثقافات الأخرى ومغرياتها» ويقول أيضاً: «وعلينا إجراء مفاوضات، وتوقيع معاهدات سلام، مع كل الدول العربية، حتى يتفرغ بضع الحكام العرب للقضاء على الحركات الإسلامية الأصولية لديهم، لأنهم لا يستطيعون البطش بها، ما دامت حالة العداء مع إسرائيل قائمة».
ويضيف: «إن ما يشكل خطراً على وجود إسرائيل هو الحركات الإسلامية الأصولية. وليست الدول القطرية المجاورة… » ويقول شمعون بيريز في خطاب في واشنطن: «الخطر الإسلامي المتطرف هو الذي يتهدد منطقة الشرق الأوسط. والسلام الإسرائيلي هو البديل عن الأصولية والحقد والعداء». فعملية السلام التي فرضتها أميركا على العرب واليهود، ليس المقصود منها إنهاء حالة العداء بين الطرفين، ولا التنمية الاقتصادية، بل المقصود الحقيقي هو ضرب الإسلام والمسلمين من قبل الحكومات العربية والإسرائيلية.
هذه هي الهجمة الكبرى الثانية على الإسلام، تتزعمها أميركا، وتحاول أن تقود حشداً كبيراً من دول العالم لمشاركتها فيها، باسم السلام العالمي، وباسم المحافظة على الديمقراطية، وعلى حقوق الإنسان، فهل تنجح أميركا في هجمتها وتحقق الهدف الذي تسعى إليه؟
الجواب: إن العقيدة الإسلامية، التي تستهدفها الولايات المتحدة الأميركية، قد توارثها المسلمون جيلاً عن جيل، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من شخصيتهم، فهي متغلغلة في نفوسهم، ترضعها الأمهات مع الحليب لأبنائهن، ويهمس بها الآباء مع الرعاية لأولادهم. تخفق بها قلوبهم كلما سمعوا الأذان، وترتعش لها أجسادهم كلما قرأوا القرآن، كما أن ألوفاً من البشر من غير المسلمين يعتنقونها سنوياً في أنحاء العالم، رغم عدم وجود دولة تحملها وتنشرها، لأنها عقدية موافقة للفطرة ومقنعة للعقل، تطمئن لها النفس الإنسانية.
والعقيدة الإسلامية قد كتب الله لها الحفظ إلى يوم القيامة. فلن يستطيع البشر أن يزيلوها، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، ومن الذكر العقيدة الإسلامية التي تمكنت من نفوس أصحابها، لأن حفظها لا يعني فقط أن تظل مكتوبة في القرآن، فعقيدة الفراعنة وحمورابي لا تزال مكتوبة، ولكنها لن تعود إلى الحياة كعقيدة ونظام، أما عقيدة الإسلام، فلا تزال الأمة الإسلامية تعتنقها، وحتمية عودتها إلى الحياة كدولة ونظام أكيدة، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ… ) الآية. والاستخلاف وتمكين الدين لمن آمن وعمل صالحاً لا يكون إلا بالدولة، دولة الخلافة، التي تطبق الإسلام في الداخل على الرعية، وتحمله في الخارج إلى الناس كافة. وقال تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) واللفظ عام يشمل كل الدين، فكما أظهره الله، وجعل له الغلبة في الماضي على الجاهلية، واليهودية والنصرانية والمجوسية، فسيطهره ويجعل له الغلبة – إن شاء الله قريباً – على الرأسمالية والشيوعية وغيرها.
والعقيدة الإسلامية، رغم ما لاقى أصحابها من أذى على أيدي الشيوعيين في القفقاس والمجر والبلقان وغيرها، كالقتل والتشريد، وهتك الأعراض وهدم المساجد، وتغيير الأسماء، ومنع التلفظ بلغة القرآن… هذه العقيدة ظلت شعلة كامنة في نفوسهم، ما فَتِئَتْ أن ظهرت ماثلة للعيان، مجرد رفع الظلم – ولو قليلاً – عنهم. فكيف بالمسلمين الذين عاشوا حياةً أقل سوءً من حياة إخوانهم، فإن عقيدتهم قد دفعتهم للصحوة على واقعهم السيئ، فتلمسوا الطريق الصحيح لنهضتهم بالعمل لإقامة دولة الخلافة واستئناف الحياة الإسلامية. إن العقيدة الإسلامية عقيدة سياسية، تدفع معتنقيها للتفكير في رعاية شؤونهم وشؤون غيرهم من البشر، بالنظام الذي ينبثق عنها، طال الزمن أو قصر، فهي التي جعلت من العرب أمة جديدة، وبثت فيهم قوة خارقة، فاندفعوا بها إلى أنحاء الأرض، حاملين رسالة الإسلام، ينشرون بها الهدى والعدل بين الناس، ويهدمون بها صروح الكفر والظلم والطغيان، فإن تمكنت أفكار هذه العقيدة اليوم في نفوس المسلمين كما تمكنت في نفوس أجدادهم، فإنهم لن يعرفوا الهزيمة ولن يرضوها، مستهيني بالصعاب في سبيلها وفي سبيل حملها إلى الناس كافة، لا يخشون أحداً إلا الله.
وإن أميركا الكافرة المتعجرفة، ستفشل في هجمتها على العقيدة الإسلامية وعلى الأمة الإسلامية، وستبوء بالخسران، لأن المسلمين المخلصين الواعين، المتمسكين بعقيدتهم، يدركون أنهم أقوى من أميركا ومن حلفائها، لا بقوتهم المادة وحدها، وإنما بقوتهم الروحية، التي تستمدونها من إيمانهم بالله الخالق القادر، ومن التوكل على الله، الذي وعدهم بالغلبة والنصر، إن هم نصروه وساروا على الطريق المستقيم الذي خطه لهم (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وهم يدركون أنهم إن أخلصوا العمل لله، فإنه سيكون معهم في إبطال مكر الأعداء وكيدهم، قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) وقال تعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا).
وللوقوف في وجه هذه الهجمة الكبرى عليكم – أيها المسلمون – أن تطيعوا ربكم الذي خلقكم، فتثْبتُوا على عقيدتكم، وتعملوا بجد وإخلاص ووعي، لاستئناف الحياة الإسلامية، التي طلبها الله منكم ¨
1994-11-30