العدد 100 -

السنة التاسعة – ربيع الأول 1416هـ – آب 1995م

حد السرقة تطبيقه واجب وإنكاره كفر

بقلم : الدكتور توفيق مصطفى

بناء على ما صدر من تصريحات من أناس يدعون تطبيق الإسلام حول تعطيل حدود الله ، مثل عدم تنفيذ حد الردة وحد السرقة، كان لا بد من تبيان حكم هذه الحدود ليدرك المسلمون خطورة مثل هذه الدعوات التي تريد تعطيل حدود الله بحجة تفسير شرع الله تفسيرا يوافق العصر، أي يوافق الكفار ومن والاهم حتى يرضوا عنهم، ونسي هؤلاء قوله تعالى: ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).

ونسي أمثال هؤلاء أن حدود الله لا يجوز تعديها، ونسي هؤلاء قول الله تعالى: (تلك حدود الله فلا تقربوها)، وقول الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه).

ومعنى الحد لغة هو الذي يحجز بين شيئين فيمنع اختلاطهما، والحدود اصطلاحا عقوبة مقدرة شرعا في معصية لتمنع من الدخول في معصية مثلها.

والحدود هي عقوبات المعاصي المقدرة لأجل حق الله، وكلمة حد وحدود بمعنى عقوبات المعاصي، أي لا تطلق إلا على المعاصي التي فيها حق الله تعالى، ولا تطلق على غيرها، ولا يصح فيها العفو لا من الحاكم ولا من الذي أعتدي عليه، لأنها حق الله فلا يملك أحد من البشر إسقاطه ولا بحال من الأحوال.

والمعاصي المتفق على أن عقوبتها من الحدود أي الواجب الحد بها ستة هي: الزنا واللواط والقذف وشرب الخمر والسرقة والردة والحرابة أي الفساد، وتسمى حدودا أن الشارع حدد العقوبة، لذلك وجب التقيد بها وبعد أن تكلمنا في المرة الماضية عن حد الردة ، نورد اليوم حد السرقة. وحد السرقة هو قطع اليد ولا يوجد لذلك مخالف بين المسلمين لا سابقا ولا لاحقا.

يقول ابن قدامة في المغني: والأصل فيه أي في هذا الحد الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا). وأما السنة: روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا). ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما هلك من كان قبلكم بأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه).

والسرقة معناها أخذ مال على وجه الخفية والاستتار، ومنه استراق السمع ومسارقة النظر إذا كان يستخفي بذلك. ويقول الإمام القرطبي في تفسير الآية (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) : وظاهر الآية العموم في كل سارق، وليس كذلك لقوله عليه السلام: (لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا) فبين أنه إنما أراد بقوله والسارق والسارقة بعض السراق دون بعض، فلا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار أو فيما قيمته ربع دينار.

وهذا قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز والليث والشافعي وأبو ثور، وقال مالك تقطع اليد في ربع دينار أو في ثلاثة دراهم.

وكان أول سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال: الخيار بن عدي بن نوفل بن عوف، ومن النساء مرة بن سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم، وقطع أبو بكر يد الرجل اليمنى (أي من اليمين) الذي سرق عقد أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنه. وقطع عمر يد عمر بن أبي سمرة أخو عبد الرحمن بن سمرة، ولا خلاف فيه ولذلك كان إجماعا من الصحابة رضوان الله عليهم.

ولا يجب القطع إلا في حال توفر سبعة شروط:

  • لا بد أن يتوفر فيها معنى السرقة، وهو أخذ المال على وجه الاختفاء، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (ليس على الخائن ولا المختلس قطع)، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس على المنتهب قطع) رواهما أبو داود. ولأن الواجب قطع السارق، وهذا ليس سارق ولأن الاختلاس نوع من الخطف.

  • أن يكون المسروق نصابا، ولا قطع في القليل في قول الفقهاء كلهم إلا الحسن وداود وابن مثبت الشافعي، والخوارج قالوا يقطع في الكبير والقليل لعموم الآية ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده، ويسرق البيضة فتقطع يده) متفق عليه، ولأنه سارق من حرز فتقطع يده كسارق الكثير. وكذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا قول ابن قدامة (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا) متفق عليه وهذا الحديث يخصص عموم الآية، والحبل يحتمل أن يساوي ذلك. وكذلك البيضة يحتمل أن يراد بها بيضة السلاح وهي تساوي ذلك واختلفت الرواية عن أحمد في قدر النصاب الذي يجب القطع فيه. فروي عن أبي إسحاق أنه ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم ن الورق، أو ما قيمته ثلاثة دراهم من كلاهما وهذا قول مالك وإسحق.

  • أن يكو المسروق مالا شرعيا أذن الشارع بتملكه، فيشترط أن يكون مالا وأن يكون هذا المال شرعيا أي أذن الشارع بتملكه.

  • أن يسرق من حرز وأن يخرجه منه. وهذا قول أكثر أهل العلم، وهو مذهب عطاء والشعبي وأبي الأسود الدؤلي وعمر بن عبد العزيز والزهري وعمرو بن دينار والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نجد احد من أهل العلم خالفه. ويرجع الجرز إلى اصطلاح الناس لا إلى النصوص اللغوية أو الشرعية، وذلك لأنه وصف واقع واصطلاح على تسمية هذا الواقع فلا يرجع فيه إلى دليل وإنما إلى ما اصطلح عليه الناس. بقول الإمام القرطبي رحمه الله : اتفق جمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع، ويقول : الحرز هو ما خصص عادة لحفظ أموال الناس وهو يختلف في كل شيء حسب حاله.

  • أن تنفى الشبهة عن المال المسروق، فلا يقطع بالسرقة من مال أبنه وإن سفل، ولا الولد من مال أبيه وإن علا، ولأب والأم في ذلك سواء. ولا يقطع مسلم في سرقة من بيت مال المسلمين.

  • أن يكون السارق بالغا عاقلا ملتزما أحكام المسلمين، مسلما كان أو ذميا، فإن كان صبيا أو مجنونا فلا يقطع.

  • أن تثبت السرقة بالإقرار أو البينة العادلة أي شهادة رجلين مسلمين عدلين أو رجل وامرأتين سواء أكان السارق مسلما أو ذميا

وحد السرقة كسائر الحدود حق الله تعالى ولو كان فيه حق الآدمي، ولذلك تقبل فيه شهادة الحسبة، ولا يحتاج إلى مطالبة المسروق منه بماله ولا يسقط بإسقاط صاحب الحق.

والذي لا بد أن يعلم أن الحدود لا يقيمها إلا أمير المؤمنين وهي لا تزال معطلة مثلها مثل أحكام الشريعة ما دامت دولة الإسلام ليست قائمة، فإن الدنيا كلها الآن دار كفر كما كانت مكة المكرمة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، ودار الكفر ليست محلا لتطبيق الحدود فلا بد للأمة الإسلامية أن تختار من بينها رجلا بالغا عاقلا فتبايعه على السمع والطاعة ليطبق عليها شرع الله، وعند ذلك تقام حدود الله.

والدويلات القائمة في العالم الإسلامي حريصة كل الحرص على محاربة الإسلام وحملة دعوة الإسلام، وتعمل ما تستطيع لإبعاد الإسلام عن التطبيق، ولذلك عطلت الأحكام ومن جملتها الحدود.

وحتى لو طبقت بعض الدويلات الحدود أو بعض الحدود فإن ذلك لا يعني أنها أصبحت دولة إسلامية، فالإسلام كل لا يتجزأ، والدولة الإسلامية أساسها لعقيدة الإسلامية، والإسلام وحده هو النظام المطبق فيها، ومصدر التشريع الوحيد هو وحي الله.

فإلى العمل لإقامة دولة الإسلام التي تطبق شرع الله وتقيم الحدود وتحمل الإسلام، لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وما ذلك على الله بعزيز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *