(كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)
1995/08/31م
المقالات
1,897 زيارة
بقلم. أياد هلال
هذه الآية من سورة العلق، وسورة العلق هي أول سور القرآن نزولا. صحيح أن السورة لم تنزل دفعة واحدة، إذ جاء الوحي أولا بمطلعها ثم الجزء الأخير بعد ذلك، إلا أن نزولها كان في أوائل الدعوة.
هذه الآية تأمر رسول الله بأن لا يلتقي مع الكفار، وكذلك تأمره بالاقتراب من الله عز وجل، فطاعة الكفار بعد عن الله وطاعة الله بعد عن الكفار، ولا يمكن أن تكون طاعة الكفار قربا من الله عز وجل. وبمعنى آخر فإن هذه الآية تبين بوضوح أن الإسلام والكفر لا يلتقيان ولا يشتركان في منبر واحد ولا أرضية واحدة مطلقا. ولا يوجد قاسم مشترك أو عامل مشترك بين الإسلام والكفر وكما أن الإسلام والكفر لا يلتقيان، وكذلك فإن الدعوة الإسلامية لا تلتقي مع الدعوات الأخرى، فالإسلام له كيانه وله أرضيته وله منبره،وكذلك الدعوة الإسلامية لها كيانها ولها أرضيتها ولها منبرها المتميز، ولا يجوز لمن يحمل دعوة الإسلام أن يشارك الآخرين منبرهم حتى ولو أدى الأمر إلى حرمان فرصة مخاطبة الجمهور، ذلك أن المهم ليس مخاطبة الجمهور فقط، ولا يجوز أن يسيطر على ذهن حملة دعوة الإسلام مجرد مخاطبة الجمهور بل إن المهم هو أن يكون الخطاب متميزا منطلقا من منبر متميز، وإذا ابتعد الجمهور عن حملة دعوة الإسلام فإن هذا البعد سيكون مؤقتا إذا حافظ القائمون على الدعوة على تميزهم وعلى منبرهم وامتنعوا عن مشاركة الآخرين منبرهم.
ذلك أن مشاركة الآخرين منبرهم تعني أن يعطي من يحمل دعوة الإسلام شرعية للكفر حين يقبل لنفسه أن يشارك الكفر في منبر واحد وينطلق الداعي إلى الإسلام مع الداعي إلى الكفر من منبر واحد.
وتميز الإسلام ودعوته عن الكفر لا ينحصر فقط في عدم رفع شعارات الكفر، بل يجب التميز أيضا في أرضية مخاطبة الجمهور، فالأمران مهمان لا يستهان بأحدهما، والاستهانة بأحدهما قد تعني تمييع الأمور وتعني الحرص على الجمهور بأي ثمن وهذا يؤدي في النهاية إلى البعد عن الله، والبعد عن الله يعني البعد عن أسباب النصر، ولو أدى الخطاب إلى نتائج قصيرة المدى.
فمثلا قد تدعوا بعض الحركات التي تحمل أفكارا مناقضة للإسلام إلى شعارات مرحلية براقة، وقد يظن بعض من يحمل دعوة الإسلام أن لا مانع من المطالبة بهذا الشعار، وحينئذ يدخل التأويل وتكون النتيجة البعد عن المبدأ، فمثلا لا يجوز لمعارضة معاهدة السلام في الشرق الأوسط الدخول في تحالفات تجمع من يدعو إلى الإسلام وإلى الكفر في جبهة واحدة. كذلك لا يجوز أن تكون المعارضة للسلام مع الكيان المغتصب مبررا لمشاركة الحركات الأخرى أو الفئات الأخرى في عمل من الأعمال بحجة أن هذا العمل يؤدي إلى توعية الناس وإلى قيادة الناس، ذلك أن المهم ليس مجرد القيادة بل المهم هو القيادة بشكل معين، وعلى أساس مبدأ الإسلام. هذا إذا افترضنا أن العمل المشترك يؤدي فعلا إلى القيادة مع أن النظرة العميقة تدل على أن هذه المشاركة تناقض المفهوم الصحيح للقيادة، إذ كيف تتصدر الحركة للقيادة مع مشاركتها غيرها ؟!
وقد يقال بأن هذا العمل المشترك كالدعوة إلى مؤتمر أو محاضرة لا تعني العمل الجبهوي وبالتالي لا مانع منها. قد يقال ذلك ولكن التدقيق في الأمر يدل على أن مجرد العمل المشترك مع الفئات الأخرى يعني مشاركتها في المنبر والأرضية وآلية الخطاب. وعندئذ تفقد الحرة تميزها كما أنها تعطي شرعية لكل الفئات الأخرى التي لا تزيد عن كونها أحجار وسدود تعيق عملية النهضة والتغيير المنشود.
وقد يقال بأن الحصار الإعلامي المضروب على الفئة أو النخبة أو الفئة الواعية يقتضي من هذه الفئة اختراق هذا الحصار، ولا يمكن أن يتم هذا الاختراق إلا بمشاركة الآخرين كالمشاركة في مؤتمر لمجابهة التطبيع أو مقاومة معاهدة السلام أو الوقوف في وجه التدخل الأمريكي في الخليج أو ما شاكل ذلك. إذ أن هذه المشاركة قد تؤدي على المدى القصير إلى خرق الحصار الإعلامي لكنها تعتبر مخالفة مبدئية تؤدي على المدى البعيد إلى البعد عن الهدف، وبالتالي سيدرك القائمون على الأمر بعد فوات الأوان خطأ وجهة نظرهم وخطأ حرصهم الشديد على الخطاب بأي شكل وأية وسيلة. ولا يخفى أن العمل يجب أن يكون مبدئيا بعيد المدى ولا يجوز أن يكون قصير المدى كما أنه لا يخفى عدم جواز مخالفته للمبدأ.
لذلك علينا ونحن نتلو هذه الآية ونسجد سجود التلاوة إثر تلاوتها أن نحرص على الاقتراب من الله والبعد عن آلية ومنبر ووسيلة الكفر وخطابه، ولا يجوز أن نؤول خطاب الرسول الكريم لقريش في دار الندوة بأنه يجيز هذه الأمور، كلا فالذي قام به الرسول لا يناقض هذه الآية مطلقا. فالرسول الكريم خاطبهم بأسلوبه في الوقت والزمان والوسيلة والآلية التي حددها هو، كذلك لا يجوز التذرع بما روي عن رسول الله أنه أشاد بحلف الفضول وعبر عن إمكانية القبول بمثله لو دعي إليه في الإسلام، لا يقال هذا ويستدل به لأن تصرف الرسول الكريم كإمام إنما هو جائز للإمام وفرق بين تصرفات الدولة حيث للمسلمين كيانهم وتصرفات الفئة. فالرسول الكريم منذ نزلت عليه الآية لم يخالفها وبالتالي علينا التقيد بها والتأسي بالرسول الكريم ونحن نحمل دعوة الإسلام المتميزة في عقيدتها وأفكارها وأحكامها وآليتها وطريقتها ومنبرها وشعاراتها.