العدد 102 -

السنة التاسعة – جمادى الأولى 1416هـ – تشرين الأول 1995م

حوار مفتوح حول دستور دولة الخلافة: نظام الحكم

المادة 18: الحكام أربعة هم: الخليفة، ومعاون التفويض، والوالي، والعامل، ومن عداهم لايعتبرون حكاماً، وإنما هم موظفون.

الحاكم هو الأمير الذي ينفذ الأحكام على الناس، ويرعى شؤونهم بها، وهو ولي أمر الناس وصاحب صلاحية الحكم فيهم، وعلى ذلك فإن من ينطبق عليه تعريف الحاكم هم الخليفة ومعاون التفويض والولاة والعمال.

فالخليفة هو من يختاره الناس لينوب عنهم في السلطان أي الحكم، باعتبار أن الشارع جعل السلطان أي الحكم للأمة. وهي تنيب عنها من تختاره وتبايعه ليقوم عنها بصلاحية الحكم، ويكون حاكماً لها وولياً لأمرها يتولاها بالرعاية، وينفذ عليها أحكام الشرع ويرعى شؤونها وفق أحكام الشرع. وغيره لا يكون حاكماً إلا إذا أعطاه هو أي الخليفة صلاحية الحكم، وتنفيذ الأحكام لأن الخليفة هو الحاكم ويعطيه الخليفة صلاحية الحكم يصبح حاكماً والذين يعطيهم الخليفة صلاحية الحكم في الدولة هم معاون التفويض، وهو من يعينه الخليفة معاوناً له في تحمل مسؤولية الحكم ولذلك فإنه يكون نائباً عن الخليفة في شؤون الحكم وله صلاحيات الخليفة في الحكم عدا التبني، ولذلك لابد من أن يشمل تعيينه عموم النظر والنيابة حتى يكون معاون تفويض فهو كالخليفة في صلاحياته غير أنه يجب أن يرفع إلى الخليفة ما يعتزمه من تدبير وتنفيذ ثم يطلعه على ما أمضاه من تدبير وأنفذه من ولاية وتقليد.

والولاة وهم من يعينهم الخليفة أمراء وحكاماً للولايات يقومون بتنفيذ الأحكام فيها ورعاية شؤون الناس بمقتضاها نيابة عن الخليفة فهم أمراء عملهم الحكم والتنفيذ للأحكام والرعاية لشؤون الناس بمقتضى الأحكام الشرعية.

والعمال وهم من يعينهم الخليفة أو الولاة – إن أعطاهم الخليفة الصلاحية بذلك – حكاماً للعمالات ليقوموا بتنفيذ الأحكام ورعاية شؤون الناس في عمالاتهم وفق الأحكام الشرعية، وهم أمراء عمالاتهم ولهم صلاحية الأمير في الحكم والتنفيذ ورعاية شؤون الناس.

وما عدا هؤلاء الأربعة يكونون موظفين لأن أعمالهم ليست حكماً ولا تنفيذ أحكام وإنما هم يقومون بالأعمال التي تحدد لهم في الوظائف التي تسند إليهم فأعمالهم ليست حكماً وإنما هي من الإدارة.

المادة 19: لا يجوز أن يتولى الحكم أو أي عمل يعتبر من الحكم إلا رجل، حر، عدل، ولا يجوز أن يكون إلا مسلماً.

إن الله تعالى نهى نهياً جازماً عن أن يكون الكافر حاكماً على المسلمين، قال الله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وجعل الكافر حاكماً على المسلم هو جعل سبيل له عليه، وقد نفي الله ذلك نقياً قاطعاً باستعماله حرف (لن) وهو قرينة على أن النهي عن أن يكون للكافر سبيل على المسلمين، أي عن أن يكون الكافر حاكماً على المسلمين هو نهي جازم، فهو يفيد التحريم، وأيضاً فإن الله اشترط في الشاهد على الرجعة أن يكون مسلماً قال تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ) ومفهومه لا من غيركم، واشترط في الشاهد في الدين أن يكون مسلماً قال تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) أي لا من رجال غيركم. وإذا كان مثل هذا الشاهد في هذين الأمرين اشترط الشرع فيه أن يكون مسلماً، فمن باب أولى أنه يشترط في الحاكم أن يكون مسلماً، وأيضاً فإن الحكم هو تنفيذ أحكام الشرع، وتنفيذ أحكام القضاة، وهم مأمورون أن يحكموا بالشرع، وهو يقتضي أن يكون المنفذ مسلماً، لأنه يؤمن بما ينفذ، والكافر لا يؤتمن على تنفيذ الإسلام، ولذلك اشترط أن يكون مسلماً، وأيضاً فإن الحكام هم أولو الأمر والله تعالى حين أمر بالطاعة لأولي الأمر، وحين أمر برد الأمر من الأمن أو الخوف إلى أولي الأمر، اشترط أن يكون ولي الأمر مسلماً. فقال تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ) وقال: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ). فقال: (منكم) أي لا من غيركم وقال: (منهم) أي لا من غيرهم. مما يدل على أن ولي الأمر يشترط فيه أن يكون مسلماً. ولم ترد في القرآن كلمة ولي الأمر إلا مقرونة بأن يكون من المسلمين، مما يؤكد اشتراط أن يكون الحاكم مسلماً، وأيضاً فإن الحاكم له على المسلمين كافة الطاعة، والمسلم غير مكلف بطاعة الكافر، لأن تكليفه إنما ورد بطاعة ولي الأمر المسلم قال تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) فأمر بطاعة أولي الأمر من المسلمين، ولم يأمر بطاعة غيرهم مما يدل على عدم وجوب طاعة ولي الأمر الكافر، ولا حاكم دون طاعة. ولا يقال أن المسلم مكلف بطاعة مدير الدائرة الكافر لأن مدير الدائرة ليس ولي أمر بل هو موظف أي أجير، فطاعته تأتي من أمر ولي الأمر بطاعة مدير الدائرة، والكلام هو في ولي الأمر لا في الأجير. ولهذا لا يصح أن يكون ولي الأمر على المسلمين إلا مسلماً ولا يصح أن يكون كافراً، فلا يجوز أن يكون الحاكم كافراً مطلقاً.

وأما شرط أن يكون الحاكم رجلاً فلما روي عن أبي بكرة قال: «لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعد ما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» فإخبار الرسول بنفي الفلاح عمن يولون أمرهم امرأة نهي عن توليتها، إذ هو من صيغ الطلب. وكون هذا الإخبار جاء إخباراً بالذم فإنه يكون قرينة على أن النهي نهي جازم، فتكون تولية المرأة الحكم حراماً، ومن هنا كان شرطاً من شروط تولية الحاكم. وأما اشتراط أن يكون الحاكم عدلاً فلأن الله تعالى اشترط في الشاهد أن يكون عدلاً، قال تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ) فمن هو أعظم من الشاهد وه الحاكم من باب أولى يلزم أن يكون عدلاً، لأنه إذا شرطت العدالة للشاهد فشرطها للحاكم أولى. وأما شرط أن يكون حراً فلأن العبد لا يملك التصرف بنفسه فلا يملك أن يرعى شؤون غيره. ثم أن العبودية تقتضي أن يكون وقت العبد ملكاً لسيده. وهذه هي أدلة هذه المادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *