العدد 104 -

السنة التاسعة – رجب الفرد 1416هـ – كانون الأول 1995م

الولاء والخيانة

الولاء في اللغة لفظ يصدق على المناصرة والمُوادّة والمصاحبة والمتابعة، ولم يأت الشرع بمعنى جديد لهذا اللفظ غير المعنى الذي وضعه له أهل اللغة، واستعمله بما وضع له من معان، فمن ذلك قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، بمعنى لا توادّوهم أو تتابعوهم أو تناصروهم أو تحابوهم.

ومن ذلك قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، بالمعنى الذي سبق. ومن ذلك قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) بالمعنى الذي سبق، وهكذا نجد الشرع قد استعمل هذا اللفظ بما وضع له من معان عند أهل اللغة ولم يأت له بمعنى جديد غير المعنى الذي وضع للدلالة عليه أصلاً.

والآيات التي ذكرناها وغيرها مثل قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)، وقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ). هذه الآيات صريحة في الدلالة على حرمة ولاء المسلم للكافر، وعلى عظم هذا الذنب عند الله عز وجل، ولا خلاف بين المسلمين على ذلك، إلا أن صراحة هذه الأدلة وقوة القرائن المستعملة فيها للدلالة على تحريم هذا الفعل وعظم ذنبه قد دفعت بعض المسلمين إلى أن يذهب إلى أبعد من ذلك ويقول بكفر من يباشر الكفار، فقالوا إن قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) صريح في الدلالة على أن يوالي الكفار فهو كافر مثلهم، وهذا على الحقيقة ولم يوجد ما يصرفه، فيبقى دالاً على أن من يوالي الكفار هو كافر. ولم يكن ليصعب على الإنسان القول بهذا الرأي والعمل به لو لم يكن هذا الرأي مرجوحاً، ذلك أن آيتين من آيات الولاء قد نزلتا في حاطب بن أبي بلتعة وهما قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) وقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ)، فإن حاطب بن أبي بلتعة كان بعث ببعض أخبار المسلمين إلى الكفار ليتخذ فيهم يداً يحمون بها أهله بمكة لأنه كان ملصقاً في قريش ولم يكن منها، فلما علم صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب عن طريق الوحي أرسل اثنين من الصحابة ليأتوه بالكتاب من المرأة التي كان حاطب بعثه معها إلى المشركين. فلما أتوه بالكتاب فتحه صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى نفر من المشركين يعرفهم ببعض أخبار المسلمين. فدعا حاطباً وقال: ما هذا يا حاطب؟ فقال حاطب: لا تعجل علي يا رسول الله إني لم أفعل ذلك ردة ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فإني ملصقاً في قريش ولم أكن منها. وقد كان ممن معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم افعله ردة ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال صلى الله عليه وسلم: صدق. فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا إنه منافق، فقال صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. فما فعله حاطب من تعريف ببعض أخبار المسلمين للكافرين هو موالاة بنص القرآن ويلاحظ من مرافقته عن نفسه أمامه صلى الله عليه وسلم أنه فرق صراحة بين ولاء يُفعل ردة وبين ولاء يفعل لمصلحة دنيوية، وقد اقره صلى الله عليه وسلم على هذا التفريق إذ قال (صَدَق) ينسحب على كل كلمة قالها حاطب ولم ينكر عليه تفريقه بين ما يفعل من ولاءٍ درةً وبين ما يفعل لمصلحة دنيوية، ولم يبين له أن الولاء واحد وأن فعله يكون ردة لا غير، فدل ذلك أن الولاء حين يفعل لمصلحة دنيوية أياً كانت فإنه يكون إثماً ولا يكون ردة، وأما قول عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا إنه منافق وفي رواية أنه كافر، فإنه تقدير لعمر وفهم له لم يقره عليه صلى الله عليه وسلم لأنه لو كان صحيحاً أو معتبراً عنده صلى الله عليه وسلم لتعارض مطلقاً مع قوله السابق (صدق) الذي صدق فيه نية خاطب وتفريقه وأنه لم يكفر ولم يكن منافقاً بالطبع، وأيضاً فإن تعليقه صلى الله عليه وسلم على قول عمر (وما يدريك يا عمر) فيه رد على قول عمر لأن عمر قد حكم على حاطب في رواية إنه منافق ولا يستقيم أن يلقى اللهَ واحد من أهل بدر وهو منافق ويغفر له لأنه لا محل إذ ذاك للمغفرة أصلاً، وكذلك فإن كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يتخذ الإجراءات التي تتخذ مع المنافقين يدل على تغليطه صلى الله عليه وسلم لعمر على تقديره. فالرسول لم يستتب حاطباً ولم يطلب منه تجديد إسلامه، ولو كان تقدير عمر صحيحاً لطلب منه ذلك قطعاً. وهكذا تبقى مناسبة نزول هاتين الآيتين دالة على أن ما يفعل لمصلحة دنيوية من ولاء إنما يكون إثماً لا كفراً، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه بالتدقيق في واقع معاني لفظ الولاء يتبين أن الولاء فعل من الأفعال وليس أمراً تصديقياً، أي ليس عقيدة، والإسلام جعل مخالفة العقيدة كفراً وردة، ومخالفة الفعل إثماً ومعصية، فقد أمر بأفعال معينة ولم يجعل تركها ردة وكفراً، ونهى عن أفعال معينة ولم يجعل فعلها كفراً وردة، فقد أمر بالصدق والعفة وصون المال ولم يجعل الكذب ولا الزنا ولا السرقة ردة أو كفراً، ولا يوجد في الإسلام فعل أمر به أو نهى عنه جعلت مخالفته ردة أو كفراً ما لم تكن هذه المخالفة مقرونة باعتقاد، فالصلاة مأمور بها وتركها ليس ردة على الصحيح، والكذب ملعون فاعله والكاذب ليس مرتداً على الصحيح والزنا منهي عنه ولكن الزاني ليس مرتداً، ولم يجعل الشرع لا على هذه الأفعال ولا على سائر الأفعال مما هو مأمور به أو منهي عنه عقوبة الردة. وما دام فعلاً من الأفعال وليس أمراً تصديقياً أي ليس عقيدة فإن ذلك يدل على أن فاعله آثم وليس من الكفار على الحقيقة في شيء.

على أن فريقاً من الذين قالوا بكفر من يوالي الكفار إنما دفعهم إلى ذلك بالإضافة إلى قوة القرائن أنهم وجدوا أن كثيراً من الناس قد استهان بأمر الحرام بحيث لم تعد تؤثر في نفوسهم كلمة الحرام ولم تعد تردعهم عن فعله فاندفعوا في تكفير من يوالي الكفار حتى يكون لهذا الحكم وقع في النفوس ويكون أبلغ في الزجر وأقوى في الردع، فلبوا بذلك رغبة من يريد أن يفرغ الأحكام الشرعية من معناها ويسلبها وقعها في النفوس، وكان حقيقاً بهم أن يعلموا على إعادة أثر الأحكام الشرعية في النفوس بإثارة العقيدة وبعثها من جديد بدلاً من تحميل النصوص ما لا تحتمله فإنه وإن كانت النية في زجر الناس عن فعل الحرام حسنة في حد ذاتها إلا أنها لا تنفع في تغيير أحكام الله عز وجل بشيء، ثم إنهم إن تنازلوا اليوم عن ردع الناس بالحرام ووجدوا حكماً أعلى من الحرام يردعون الناس به عن فعل ما يغضب وجهه فبماذا سيردعون الناس غداً إن افلح الكفار، لا قدر الله، في سلب كلمة الكفر والردة وقعَها في نفوس الناس. وأما ما يقوم به الحكام اليوم فإنه تعدى مرحلة مجرد القيام بمحرم من أجل مصلحة ما، فواقع الخيانات المتتالية والحرب الضروس منهم تجاه الأمة يدل على إنسلاخهم منها ولا يعقل أن كون ما يقومون به من أعمال خيانية ضدها بغير دافع عقائدي.

الخيانة

يقال في اللغة خان أو اختان خيانة وخوناً ومخانة، وخائنة مؤنث الخائن والخؤون والخوان الكثير الخيانة. ومن أبرز معاني الخيانة في اللغة معنيان هما: عدم الوفاء بالأمانة ونقض العهد. ووردت لفظة الخيانة أو أَحدُ تصريفاتها في القرآن الكريم في أحد عشر موضعاً ففي سورة البقرة آية 187 يقول تعالى: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ) وتختانون في الآية تعني الجماع في الوقت المحظور، وفي سورة النساء آية 105 يقول تعالى: (وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) ومعنى الخائنين في الآية الذين يرمون الآخرين بتهمة يلفقونها لهم وهم منها براء، وفي السورة نفسها الآية 107 يقول تعالى: (وَلاَ تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) والمقصود في الآية الأشخاص الذين يرتكبون المعاصي مثل المعصية التي وردت في الآية السابقة من تدبير التهم وإلقائها على الآخرين وفي سورة المائدة الآية 13 يقول تعالى: (وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ)ن ومعنى الخائنة هنا نقض العهد وما هو مثله. وفي سورة يوسف الآية 52 يقول تعالى: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) ونفى الخيانة في الآية يعني نفي الزنا مع امرأة ولي النعمة. وفي سورة الأنفال الآية 27 يقول تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، والمراد بالخيانة هنا إفشاء أسرار وإعطاء معلومات للعدو، وفي آية 58 من السورة نفسها يقول تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ). وخيانة القوم هنا نقض العهد وفي آخر السورة في آية 17 يقول تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ)، والخيانة الأولى في الآية تعني المخادعة بإظهار الإيمان وإضمار الكفر والخيانة الثانية في الآية وهي التي سبقت الأولى في الحدوث تعني الكفر ومحاربة الرسول عليه الصلاة والسلام.

وفي سورة الحج آية 38 يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) والمقصود من كلمة خوان هنا كثير الخيانة في الأمانة والجاحد لنعم الله.

وفي سورة غافر آية 19 يقول تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) والمقصود من خائنة الأعين هو مسارقتها النظر إلى ما حرم الله.

وفي سورة التحريم آية 10 يقول تعالى: (فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا) فخانتاهما في الآية تعني الخيانة في الدين.

تلك تسعة معانٍ لكلمة الخيانة تم استقراؤها كما وردت في اللغة وفي القرآن الكريم نعيد إجمالها مرتبة بالمعاني التالية: عدم الوفاء بالأمانة، نقض العهد، الجماع في الوقت المحظور، تلفيق التهم ورميها بالآخرين، الزنا بامرأة ولي النعمة أو من قبل المحصن، نقل المعلومات إلى الأعداء، المخادعة، مسارقة النظر إلى المحارم، الخيانة في الدين.

والمدقق في هذه المعاني يلحظ وجود أوجه شبه بين جميع هذه المعاني ففي صفات الخيانة مثلاً يلحظ وجه شبه بين جميع المعاني السابقة وهو عدم وجود العزم لدى الخائن على تحمل المسؤولية وعلى الالتزام بما يجب القيام به. وفي نتائج الخيانة وأثرها يلحظ وجه شبه بين المعاني المذكورة يتمثل في وجود كسر لحاجز قداسة الدين أو العهد أو الميثاق أو ما شبهه. ويتمثل وجه شبه آخر في نتائج الخيانة وآثارها وهو فقدان الثقة بالآخرين سواء أكانوا أفراداً أم شعوباً أم تكتلات بسبب وجود حالة نفسية رهيبة من الخوف والشك والضياع قد تؤدي بالمجتمعات التي تتفشى فيها الخيانة إلى الانهيار.

وفي معالجة الخيانة تشترك المعاني السابقة للفظة الخيانة في وجود تشريعات لعقوبة تعزيرية صارمة ورادعة لمرتكبي الخيانة يصاحبها وجود توجيهات لاذعة للأفراد مفعمة بتأجيج مشاعر السخط والاشمئزاز من مرتكبي الخيانة.

هذا من حيث معاني الخيانة أما من حيث واقعها فنجد أن الناس أخذوا جزءً من معاني الخيانة وأهملوا بقية الأجزاء وأنزلوا هذا الجزء من معاني الخيانة على الواقع فتبلور عندهم واقع مميز للخيانة يتعلق فقط بالمس بمصالح الأمة العامة سواء أكانت هذه المصالح متصلة بالمبدأ مباشرة أو كانت متصلة بالشؤون المادية الحيوية للأمة.

أي أن اصطلاح الناس للخيانة أهمل الجوانب المتصلة بالنواحي الفردية وركز على الجوانب العامة المتصلة بمصالح الأمة الحيوية سواء المبدئي منها أو المادي.

ولما كانت السياسة باعتبارها رعاية شؤون الناس تتعلق بالمصالح العامة للأمة، ولما كان السياسيون هم الذين يرعون هذه المصالح غلب على الناس جعل مصطلح الخيانة منصبّاً بشكل خاص على الأفكار السياسية وعلى الأعمال السياسية وكذلك على السياسيين. ولضبط معنى الخيانة عند الناس كان لزاماً على حَمَلة الدعوة جعل المفاهيم الإسلامية الضابط والمعيار لمصطلح الخيانة واعتباره كواقع مشخص بدقة يلمس الناس وجوده في حياتهم اليومية ويضعون أصابعهم على أثره وخطره ويعلمون جاهدين لكشف الخيانات وتعرية الخونة أولاً بأول باذلين جهدهم لتثبيت رأي عام موحد عند الناس نابع عن إدراك وتمحيص عن الخيانة والخونة يساعد في كفاحنا السياسي المرير مع الكفار وأذنابهم من العملاء والظلاميين والمضبوعين بالثقافة الأجنبية.

ومن الأفكار السياسية والأعمال السياسية التي يجب وصمها بالخيانة الأفكار والأعمال السياسية الرئيسة التالية:

أولاً: الأفكار السياسية:

1- الأفكار التي تتصل بوجهة نظر الكفار عن الحياة مثل فكرة فصل الدين عن الحياة وما يتعلق بها من أفكار كالحريات الديمقراطية وما ينبثق عنها من فكرة زيادة الدخل الأهلي كعلاج للمشكلة الاقتصادية وكذلك فكرة المادية والتطور المادي وما يتصل بها من أفكار اقتصادية مختلفة كالاشتراكية وصراع الطبقات وإلغاء الملكيات.

2- الأقوال والشعارات الفلسفية المتأثرة بمبادئ الكفر من مثل “الأمة مصدر السلطات” و”الدين لله والوطن للجميع” و”الرضا بالأمر الواقع” و”خذ وطالب” و”اشتراكية الإسلام” و”ديمقراطية الإسلام” و”الحريات العامة في الإسلام”.

3- القوانين والأحكام والتشريعات الوضعية وأسس هذه القوانين من مثل نظرية الالتزام والرضا بقاعدة التأثر التشريعي.

ثانياً: الأعمال السياسية:

1- الأعمال التي تتعلق بعقد الاتفاقات والأحلاف والمعاهدات العسكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية مع الدول الأجنبية والتي من شأنها إدخال نفوذ الكفار إلى بلاد المسلمين ومن الأمثلة على ذلك عقد المعاهدات العسكرية بين دول الخليج وكل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وكذلك الدخول في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لضرب العراق وجميع الاتفاقات الاقتصادية بين دول المسلمين وصندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة وأيضاً المعاهدات الثقافية التي عقدت بين تونس والمغرب والجزائر ولبنان مع فرنسا وما شاكل ذلك.

2- الأعمال التي تتعلق بحبْك المؤامرات المكشوفة والسرية التي تؤدي إلى قتل المسلمين وتشريدهم وإيقاع شتى صنوف الأذى بهم ومن الأمثلة على هذه الأعمال استغلال الانتفاضة لإيقاع المعاناة على أهل فلسطين لحملهم على القبول بالحلول الاستسلامية التي تُفرض عليهم، ومثل استخدام الديمقراطية في بعض البلاد الإسلامية لخلق الحروب الأهلية والصدامات الدموية بين قوى الأمة الواحدة كما حصل في الجزائر ونيجيريا والأفغان وغيرها.

3- الأعمال التي تتعلق بتمرير المشاريع المشبوهة التي من شأنها التفريط بحقوق المسلمين بأي صورة من الصورة ومن الأمثلة على ذلك مشروع ما يسمى باتفاق المبادئ بين الكيان اليهودي ومنظمة التحرير الفلسطينية المعروف باسم “غزة – أريحا أولاً” الذي يهدر حقوق المسلمين في فلسطين ومثل مشروع الاستفتاء الذي تقدمت به الأمم المتحدة للصحراء الغربية مع موافقة جميع الأطراف عليه مع أنه يفرق بين المسلمين ويطعن وحدتهم الطبيعية.

هذه هي أهم الأعمال والأفكار التي يجب وصمها بالخيانة ووصم أصحابها بالخونة، إلا أنه يجب أن نميز بين مرتكب الخيانة وبين مؤيدها فالخائن فقط هو مرتكب الخيانة أما المؤيد لها فلا يوصم بالخيانة. ومرتكب الخيانة إن كانت خيانته تتعلق بالأعمال فلا يكون إلا حاكماً متنفذاً وإن كانت خيانته تتعلق بالأفكار فقد يكون حاكماً وقد يكون سياسياً أو مفكراً.

والخيانة جريمة ومعصية، وتتفاوت الخيانات كما تتفاوت المعاصي والجرائم فمثلاً خيانة (000 000) بفتح أرض الجزيرة للغزاة الأميركيين وحلفائهم لضرب المسلمين في العراق والكويت أكبر من خيانته بتبذير ثروة المسلمين في عواصم الترف والقمار الأوروبية. ومثلاً خيانة عرفات بالاعتراف بإسرائيل وقبول مؤامرة الحكم الذاتي أكبر من خيانته بإخراج القوات العسكرية للمنظمة من لبنان.

ومثلاً خيانة (000 000) بتسليم الضفة الغربية لليهود عام 1967م أكبر من خيانته بعقد معاهدات تجارية مع إسرائيل.

وهكذا تتفاوت الخيانات وتتباين من حيث خطورتها أو نتائجها، وإن كانت كلها خيانات للأمة وللإسلام. وفي عصرنا هذا ترتبط الخيانة بالعمالة ارتباطاً وثيقاً وهما صنوان وتوأمان وترادف إحداهما الأخرى حتى ليكاد المسلم المبصر للأمور أن يستشكل عليه التفريق بينهما.

ولتوضيح هذه المسألة نقول: إن جل حكام المسلمين اليوم عملاء مأجورون للكافر المستعمر يوجَّهون من قبله للقيام بأعمال تخدم مصالح الدول الاستعمارية على حساب مصالح شعوبهم وبلدانهم ولذلك كانت كل أعمالهم السياسية خيانات وبالتالي فهؤلاء الحكام ليسوا خونة عاديين فحسب وإنما هم خوانون خؤونون أي كثير الخيانة بل إن أعمالهم خيانات.

وبذلك يكون حكام المسلمين عملاء خونة وجميع أعمالهم خيانات من جهة أن العملاء لا يمكن أن يكونوا إلا خونة ولا يمكن أن تكون أعمالهم إلا خيانات. إلا أن هناك كثيراً من المسلمين من غير الحكام عملاء ككثير من المفكرين والسياسيين إلا أن هؤلاء ينقسمون إلى فئتين: فئة منهم عملاء مأجورون مثلهم كمثل الحكام في الخيانة، وحكمهم بالتالي كحكم الحكام، ولا فرق يذكر بينهم وبين الحكام فهم سواء في العمالة والخيانة. وفئة ثانية منهم عملاء مأجورين، وبمعنى آخر عملاء بحسن نية فهؤلاء لا يعتبرون من الخونة وإن كانوا عملاء، ويغلب على هؤلاء صفة العمالة في الكفر ويظنون أنهم مهتدون.

وفي نهاية حديثنا عن الخيانة يجدر بنا أن نتوقف عند أحدث خيانة هامة ترتكب هذه الأيام من قبل الحكام والسياسيين في العالم الإسلامي، تلك هي خيانة الحكم الذاتي في فلسطين والتي تعتبر بحق من أفظع ما ارتكب من خيانات على مستوى القضية الفلسطينية. إذ هي نتائج آلاف الخيانات التي اقترفها الحكام والسياسيون العرب منذ أربعينات القرن حتى الآن، وبمعنى آخر هي تمرة المؤامرات التي حبكتها أيدي الكفار الأميركان والإنجليز لفلسطين طيلة ما يزيد عن الأربعين عاماً السابقة، ويأتي ياسر عرفات على رأس الخونة الذين ساهموا في تمرير هذه الخيانة. وإلى جانب عرفات ساهم حكام العرب والمسلمين في تمرير هذه الخيانة وكانوا له أحسن رديف، فهم الظهير الصلب الذي لجأ إليه عرفات وركن إليه في انطلاقه كالسهم ليصيب في قلب الأمة مقتلاً.

وختاماً نرجو من الله العلي القدير أن يوفقنا في كشف الخيانات وفضح أصحابها من المرتزقة، آملين أن يوفقنا الله سبحانه وتعالى في العمل لإزالة الخيانات من قواميس حياتنا ولإزالة الخونة عن عروضهم ومراكزهم إنه سميع مجيب الدعاء.

(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *