العدد 110 -

السنة العاشرة – ربيع الأول 1417هـ – تموز وآب 1996م

في رحاب القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

في رحاب القرآن الكريم

يقول الله تعالى في سورة الأنعام: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). صدق الله العظيم.

يقول الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: هذه آية عظيمة عطفها على ما تقدم، فإنه لما نهى وأمر حذر هنا عن إتباع غير سبيله فأمر فيها بإتباع طريقه على ما تبين بالأحاديث الصحيحة وأقاويل السلف.

وأن في موضع نصب أي واتل أن هذا صراطي عن الفراء والكسائي، قال الفراء: ويجوز أن يكون خفضاً أي وصاكم به وبأن هذا صراطي وتقديرها عند الخليل وسيبويه: ولأن هذا صراطي، كما قال: وأن المساجد لله. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي وإن هذا بكسر الهمزة على الاستئناف أي الذي ذكر في هذه الآيات صراطي مستقيماً. والصراط: الطريق الذي هو دين الإسلام.

مستقيماً نصب على الحال ومعناه مستوياً قويماً لا اعوجاج فيه، فأمر بإتباع طريقه الذي طرقه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وشرعه ونهايته الجنة. وتشعبت عن طرق من سلك الجادة نجا ومن خرج إلى تلك الطرق أفضت به إلى النار قال تعالى: (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)  أي تميل.

روى الدرامي أبو محمد في مسنده بإسناد صحيح: أخبرنا عفان حدثنا حماد بن زيد حدثنا عاصم بن بهركة عن أبي وائل عن عبدالله بن مسعود قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً ثم قال: هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وخطوطاً عن يساره ثم قال: هذه سبلٌ على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها ثم قرأ هذه الآية. وأخرجه ابن ماجة وخط خطين عن يساره ثم وضع يده على الخط الأوسط فقال: هذا سبيل الله ثم تلا هذه الآية: وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.

وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ.

وقال مجاهد في قوله ولا تتبعوا السبل قال البدع – والبدع كما نعلم كل ما لم يأت في كتاب ولا سنة. قال ابن شهاب وهذا كقوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا) الآية.

فالحذر الحذر والنجاة النجاة والتمسك بالطريق المستقيم والسبيل القويم الذي سلكه السلف الصالح وفيه المتجر الرابح.

روى الأئمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا”.

وروى ابن ماجة عَنْ ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ ‏‏يَقُولُ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏مَوْعِظَةً ‏ذَرَفَتْ ‏‏مِنْهَا الْعُيُونُ ‏‏وَوَجِلَتْ ‏‏مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا قَالَ قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِى إِلاَّ هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْداً حَبَشِيًّا فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا ْقِيدَ انْقَادَ “

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ كَتَبَ رَجُلٌ إِلى عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنِ الْقَدَرِ “فَكَتَبَ أَمَّا بَعْدُ أَوْصِيكَ بِتَقوى الله والاقتِصَادِ في أَمْرِهِ، واتِّبَاعِ سُنّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتَركِ ما أَحْدَثَ المُحْدِثُون بَعْدَ مَا جَرَتْ بِهِ سُنَّتُه وكُفُوا مُؤْنَتَهُ فَعلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ فَإِنَّها لَكَ بِإِذْنِ الله عِصْمَةٌ ثُمَّ اعْلَمْ أنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النَّاسُ بِدْعَةً إلاّ قد مَضى قَبْلَها ما هُو دَلِيلٌ عليها أّوْ عِبْرَةٌ فيها فَإِنَّ السُّنَّةَ إِنَّما سَنَّها مَنْ قَدْ عَلِمَ ما في خِلاَفِهَا وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ كَثِيرٍ مِنَ قَدْ عَلِمَ مِنَ الخَطَأِ والزَّلَلِ والحُمْقِ والتَعَمُّقِ فَارْضَ لِنَفْسِكَ ما رَضِيَ بِهِ القَوْمُ لأَنْفُسِهم فَإِنَّهُم ْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا وبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا وَهُمْ عَلَى كَشْفِ الأَمُورِ كَانُوا أَقْوَى وبِفَضْلٍ مَا كَانُوا فيه أَوْلَى فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمُ إِلَيْهِ ولَئِنْ قُلْتُمْ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَا أَحْدَثَهُ إلاّ من اتَّبع غَيْرَ سَبِيلهِمْ ورَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمُ السَّابَقُونَ فَقَدْ تَكَلَّموا فيه بِمَا يَكْفِي ووَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِي فَمَا دُونَهم مِنْ مُقَصِّرٍ وَمَا فَوْقَهُم من محَْسَرٍ وََقَدْ قَصَّرَ دُونَهُمْ فَجَفَوْا وَطَمَحَ عَنْهُم أَقْوَامٌ فَغَلَوا وإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدَىً مُستقيمٍ.

وقال سهل بن عبدالله التُستري: عليكم بالاقتداء بالأثر والسنة فإني أخاف أنه سيأتي غير قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحواله ذموه ونفروا عنه وتبرءوا منه وأذلوه وأهانوه (وللأسف فقد جاء هذا الوقت الآن) وقال صلى الله عليه وسلم: حجب الله الخير عن صاحب البدعة.

وقال الفضيل بن عياض: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه. وقال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها.

وقال ابن عباس: النظر إلى الرجل من أهل السنة يدعو إلى السنة وينهى عن البدعة عبادة. وقال أبو العالية: عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يفترقوا.

وقد قال بعض العلماء العارفين معنى قوله عليه السلام تفرقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين فرقة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين: هذه الفرقة التي زادت في فرق أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم قوم يعادون العلماء ويبغضون الفقهاء ولم يكن ذلك قط في الأمم السالفة.

وقد روى رافع بن خديج أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون في أمتي قوم يكذبون بالله وبالقرآن وهم لا يشعرون كما كذبت اليهود والنصارى: قال: فقلت جعلت فداك يا رسول الله، كيف ذاك؟ قال: يقرون بعضه ويكذبون بعضه.

وقد بعدت الآن الأمة وللأسف عن كتاب الله وسنة رسوله وخالفوا أمر الله سبحانه وتعالى حيث يقول: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).

فترك المسلمون سنة نبيهم وأمر ربهم واتبعوا السبل الأخرى التي جاء بها البشر من أعداء الإسلام وأهله، فأصاب المسلمين ما أصابهم من ذل وانحطاط وجهل وتجزئة ومصائب يراها كل واحد منا. وتجرأ حكام المسلمين ليضعوا لنا قوانين كفر أخذوها من دول الكفر مخالفين قوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ). فاتبعوا السبل وتركوا سبيل الله القويم مع أنه سبحانه وتعالى يقول: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). وكل حكم غير حكم الله هو حكم طاغوت وهو حكم الجاهلية. فهل قانون الإنجليز والفرنسيين والألمان وغيرهم من الأمم أحسن من حكم الله، ألا ساء ما يحكمون.

ويقول سبحانه وتعالى في نفس السورة أي الأنعام: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا).

يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: أفغير الله أطلب لكم حاكماً وهو الذي كفاكم مؤونة المسألة في الآيات بما أنزله إليكم في الكتاب المفصل أو المبين ثمن قيل: الحكم أبلغ من الحاكم إذ لا يستحق التسمية بحكم إلا من حكم بالحق لأنها صفة تعظيم في مدح والحاكم صفة جارية على الفعل فقد يسمى بها من يحكم بغير الحق.

يقول صلى الله عليه وسلم: “إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار”.

فيا أيها المسلمون أفيقوا فقد طال سباتكم وانفضوا عنكم غبار الجهل والكسل وهبوا هبة رجل واحد للعودة إلى حكم الكتاب والسنة ففيها صلاحكم في الدنيا والآخرة وفيها رشادكم وفيها عزكم ومجدكم، وتذكروا قوله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ”، ولا يجوز لكم أن تطيعوا هؤلاء الحكام الذين يأمرونكم بطاعة الشيطان ومعصية الرحمن فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا).

أفبعد كل هذه الآيات البينات والأحاديث الواضحات يجوز لمسلم أن يتبع شرعاً غير شرع الله ويتبع حكم الجاهلية ويهمل حكم شرع الله؟ وهل يجوز للمسلم بعد كل ذلك أن يطيع هؤلاء الحكام الذين شرعوا لنا الأباطيل والطاغوت فإن كل حكم لم يأت في كتاب ولا سنة هو طاغوت يجب الكفر به.

فيا أيها المسلمون أفيقوا من غفلتكم وعودوا إلى إتباع كتاب ربكم وسنة نبيكم وفي ذلك الفلاح والصلاح والعز والسؤدد في الدنيا والثواب العظيم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.

أسأله تعالى أن يفتح علينا وينعم علينا وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يوفقنا للعمل لما في الكتاب والسنة وأن يبعد عنا طريق الشيطان، وإنه سبحانه وتعالى لا بد أن يظهر دينه على الدين كله وما ذلك على الله بعزيز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *