العدد 110 -

السنة العاشرة – ربيع الأول 1417هـ – تموز وآب 1996م

حوار مفتوح: حول دستور دولة الخلافة معاون التفويض (1)

حوار مفتوح:

حول دستور دولة الخلافة

معاون التفويض (1)

المادة 41- يعيِّن رئيس الدولة معاونين له يتحملون مسؤولية الحكم، فيفوض إليهم تدبير الأمور برأيهم وإمضاءها على اجتهادهم.

  دليلها ما أخرجه الترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وزيراي في الأرض أبو بكر وعمر)، وهذا الحديث يستعمله عامة الفقهاء وقَبِله أكثر العلماء، فهو من الحديث الحسن، فيكون دليلاً شرعياً على أن للخليفة أن يعين معاونين. وقد أطلق عليهم الحديث لفظ “وزير” بالمعنى اللغوي وهو مُعِين، وقد استعمله القرآن بهذا المعنى، قال تعالى: (واجعل لي وزيراً من أهلي) أي معيناً.

والوزارات وُجدت منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ودليل ذلك نص حديث الترمذي. إلاّ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يقوم بالحكم، ولم يوجد ما يدل على أنه جعل لأبي بكر وعمر أن يقوما بما يقوم به من الحكم، إلاّ أن جعلهما وزيرين يدل على أنه جعل لهما صلاحية معاونته، أي صلاحية أن يقوم كل منهما بما يقوم به هو من الحكم. وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كان عمر وزير أبي بكر، وكان يقوم بما يقوم به الخليفة من الحكم، وكان ذلك ظاهراً حتى قال بعضهم لأبي بكر: لا ندري أعُمر الخليفة أم أنت؟

وبعد وفاة أبي بكر كان عثمان وعلي وزيري عمر، وكان لهما أن يقوما بما يقوم به من الحكم، إلاّ أن قوة شخصية عمر لم يظهر إلى جانبها الوزيران بأعمال المعاونة كما كان يظهر عمر مع أبي بكر، إلاّ أن علياً لقوة شخصيته كان ظاهراً قيامه بأعمال في عهد عمر. وبعد وفاة عمر كان علي ومروان بن الحكم وزيري عثمان، إلاّ أن علياً كان غير راضٍ عن بعض الأعمال، فلم تكن تظهر له أعمال مع عثمان، إذ كان كالمبتعد. ولكن مروان كان ظاهراً قيامه بالوزارة، أي بأعمال الحكم، وكان الخليفة يفوض لوزيره تدبير الأمور، وقد حصل ذلك مع كل خليفة من الخلفاء الراشدين. ويُفهم من المعنى اللغوي من كلمة “وزير“، أي معين للخليفة، أنه يعني معيناً بأعمال الخلافة، وبما أنه جاء اللفظ مطلقاً غير مقيد، فيكون معيناً للخليفة بكل أعمال الخلافة من غير تحديد، فتكون كلمة “وزير” قد أخذت معنى شرعياً بإضافتها للرسول، ثم بإضافتها للخليفة، أكثر من المعنى اللغوي. فكلمة (وزيراي) أي معينان لي بوصفي حاكماً في الحكم، صار لها معنى شرعي، وهو معاون الخليفة في الخلافة، وهو يعني أنه يعاونه في كل أعمال الخلافة.

هذا ما يُفهم من الحديث، ويؤيده ما كان يحصل من عمر مع أبي بكر، فيكون معنى الوزير شرعاً هو من يعاون الخليفة في جميع أعمال الخلافة، فتكون صلاحياته كصلاحيات الخليفة، سوى أنه لا يأخذ هذه الصلاحية ذاتياً كالخليفة، بل يأخذها بمجرد إسناد الوزارة إليه من الخليفة. فإذا قال الخليفة عيّنت فلاناً وزيراً لي، أو معاوناً لي، أو نُب عني فيما إلي، أو ما شاكل ذلك، صارت له جميع صلاحيات الخليفة نيابة عنه. وقد سماها الماوردي في الأحكام السلطانية وزارة التفويض، وعرفها بهذا المعنى فقال: “فأما وزارة التفويض فهو أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه، وإمضاءها على اجتهاده“. هذا هو واقع المعاون شرعاً بأنه هو معاون الخليفة في جميع أعمال الخلافة، له صلاحية أن يقوم بكل عمل من أعمال الخلافة، سواء فوضه الخليفة بذلك العمل أم لم يفوضه، لأنه قد فوض تفويضاً عاماً. إلاّ أنه لا بد أن يطالع الخليفة بكل عمل يقوم به، لأنه معاون وليس خليفة، فلا يستقل وحده، بل يطالع الخليفة بكل عمل، صغيراً كان أم كبيراً.

  وهذا الواقع للمعاون أو الوزير شرعاً يختلف اختلافاً تاماً عن واقع الوزارة في النظام الديمقراطي. إذ الوزارة في النظام الديمقراطي هي الحكومة، وهي مجموعة أفراد تقوم بوصفها مجموعة معينة بالحكم، فإن الحكم عندهم للجماعة وليس للواحد، أي أن الإمارة جماعية وليست فردية، فالحاكم الذي يملك صلاحية الحكم كلها هو الوزارة، أي مجموعة الوزراء مجتمعين، ولا يملك أي منهم الحكم كله مطلقاً، وإنما تنحصر صلاحية الحكم كله في الوزارة كلها مجتمعة. وأمّا الوزير الواحد فإنه يخصَّص بناحية من نواحي الحكم يملك فيها الصلاحيات التي تقررها له الوزارة بمجموعها، وما لم تقرره له في هذه الناحية تبقى صلاحياته للوزارة وليست له، ولذلك تجد وزير العدلية مثلاً يملك صلاحيات في وزارته، وهناك أشياء في وزارته لا يملك صلاحياتها بل تقررها الوزارة بمجموعها.

هذا هو واقع الوزارة في النظام الديمقراطي، ومنه يظهر الاختلاف التام بينه وبين الوزارة في نظام الإسلام، أي منه يظهر الفرق الواسع بين كلمة “وزير” أي معاون في نظام الإسلام، وبين كلمة “وزير” في النظام الديمقراطي.

فالوزير والوزارة في نظام الإسلام معناها معاون رئيس الدولة في كل أعماله من غير استثناء يقوم بها ويطالع رئيس الدولة بما يقوم به، وهي فردية يملكها الفرد، ولو أعطيت لأكثر من واحد يملك كل منهم بمفرده ما يملكه الخليفة.

والوزارة في النظام الديمقراطي جماعة وليست فرداً، والوزير في النظام الديمقراطي لا يملك إلاّ ناحية معينة من الحكم، ولا يملكها كلها بل بعضاً منها. ولذلك كان التباين بين مفهوم الوزير والوزارة في الإسلام وبين مفهومها في النظام الديمقراطي واضحاً كل الوضوح. ولمّا كان المعنى الذي تعنيه الديمقراطية للوزير والوزارة هو المعنى الطاغي على الناس، وإذا أُطلق لا ينصرف إلاّ على المعنى الديمقراطي، لذلك، ودفعاً للالتباس، ولتعيين المعنى الشرعي بالذات دون غيره، لا يصح أن يطلَق على المعاون للخليفة لفظ وزير ووزارة مطلقاً من غير تقييد، بل يطلق عليه لفظ معاون وهو معناه الحقيقي، أو يوضع قيد مع لفظ وزير أو وزارة يصرف المعنى الديمقراطي، ويعيّن المعنى الإسلامي وحده.

ومن هذا كله يتبين أن المعاون هو من تجري نيابته في جميع أعمال الدولة في كافة أنحاء البلاد التي تخضع لها، ولهذا قالوا: يفوض الخليفة للمعاون تفويضاً عاماً نيابة عنه. فواقع وظيفة المعاون هو أن تكون نيابة عن الخليفة، وأن تكون عامة في جميع أعمال الدولة، فهو حاكم معاون.

المادة 42- يشترط في المعاون ما يشترط في رئيس الدولة، أي أن يكون رجلاً، حراً، مسلماً، بالغاً، عاقلاً، عدلاً، ويشترط فيه علاوة على ذلك أن يكون من أهل الكفاية فيما وُكل إليه من أعمال.

  أدلتها هي أدلة شروط الخليفة، فيجب أن يكون رجلاً لقوله عليه السلام: (لن يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)، وأن يكون حراً لأن العبد لا يملك أمر نفسه فلا يملك أن يتولى أمر غيره، وأن يكون بالغاً، لقول الرسول: (تعوّذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان)، وأن يكون عاقلاً، لحديث (رُفع القلم عن ثلاث) ومنها (المجنون حتى يفيق)، وأن يكون عدلاً، لأنه قد اشترطه الله في الشهادة فقال: (وأشهدوا ذويْ عدل منكم)، فاشتراطه في معاون الخليفة من باب أولى. ويشترط في المعاون كذلك أن يكون من أهل الكفاية في أعمال الحكم، ولا يشترط ذلك في الخليفة لأن الخليفة له أن يعين معاوناً له ولكن المعاون ليس له ذلك. ولهذا يشترط أن يكون أهلاً للحكم.

المادة 43- يشترط في تقليد المعاون أن يشتمل تقليده على أمرين: أحدهما عموم النظر، والثاني النيابة. ولذلك يجب أن يقول له رئيس الدولة: قلدتك ما هو إليّ نيابة عني، أو ما في هذا المعنى من الألفاظ التي تشتمل على عموم النظر والنيابة. فإن لم يكن التقليد على هذا الوجه لا يكون معاوناً، ولا يملك صلاحيات المعاون إلاّ إذا كان تقليده على هذا الوجه.

  الدليل عليها هو واقع عمل المعاون، فهو نائب عن الخليفة، والنيابة هنا عقد والعقود لا تصح إلاّ بالقول الصريح، ولذلك يشترط في تقليد المعاون أن يحصل التقليد بلفظ يدل على النيابة عن الخليفة. وأيضاً فإن واقع المعاون أنه يملك جميع الصلاحيات التي يملكها الخليفة في الحكم، فلا بد أن يكون التقليد عاماً في كل شيء، أي لا بد أن يشتمل التقليد على لفظ يدل على عموم النظر، يعني على لفظ يدل على أن له جميع صلاحيات الحكم، مثل أن يقول له: قلدتك ما إليّ نيابة عني، أو أن يقول: استوزرتك تعويلاً على نيابتك، أو ما شاكل ذلك. فإذا جَعل له عموم النظر ولم يقل نيابة عني، كان عقد ولاية عهد لا عقد وزارة، وولاية العهد باطلة فيكون باطلاً، وإن اقتصر به على النيابة ولم يبين صراحة عموم النظر، فقد أبهم ما استنابه فيه من عموم وخصوص أو تنفيذ أو تفويض، فلم تنعقد به الوزارة.

وإذا قال له: نب عني في أعمال القضاء، أو في أعمال الشرطة، أو في أعمال التعليم، أو ما شاكل ذلك، لم تنعقد الوزارة ولا يكون معاوناً. فلا بد في التقليد للمعاون من ألفاظ تدل على واقع المعاون، وهو النيابة عن الخليفة، وأخذ جميع ما للخليفة من صلاحيات. أي لا بد لعقد الوزارة للمعاون من أن تكون بلفظ يشتمل على شرطين: أحدهما عموم النظر، والثاني النيابة، وإن لم يشتمل اللفظ صراحة على هذين الشرطين لا تنعقد الوزارة للمعاون.

وإذا عين الخليفة أكثر من معاون فإن لكل منهما ما للخليفة من عموم النظر، ولا يجوز أن يعين معاونَيْن على الاجتماع لعموم ولايتهما، لأن ولاية الحكم فردية فإن عيّنها كذلك بطل تعيينهما معاً، لأنه تقليد لأمير، والتقليد للأمير لا يكون إلاّ لواحد، لقوله عليه السلام: (فليؤمروا أحدهم) (فأمروا أحدكم) فهو شرط في صحة تقليد الإمارة. هذا إذا كان تقليدهما في وقت واحد، وإن كان تقليدهما في وقتين مختلفين وسبق أحدهما الآخر، صح تقليد السابق إن كان تقليده شاملاً على عموم النظر، وبطل تقليد المسبوق.

المادة 44- عمل المعاون هو مطالعة رئيس الدولة لما أمضاه من تدبير، وأنفذه من ولاية وتقليد، حتى لا يصير في صلاحياته كرئيس الدولة. فعمله أن يرفع مطالعته، وأن ينفذ هذه المطالعة ما لم يوقفه الخليفة عن تنفيذها.

الدليل عليها هو واقع المعاون أيضاً من أنه نائب عن الخليفة، والنائب إنّما يقوم بالعمل نيابة عمن أنابه، فلا يستقل عن الخليفة بل يطالعه في كل عمل تماماً كما كان يفعل عمر مع أبي بكر حين كان وزيراً له، فقد كان يطالع أبا بكر فيما يراه، وينفذ حسب ما يرى. وليس معنى مطالعته استئذانه في كل جزئية من الجزئيات، فإن هذا يخالف واقع المعاون، بل معنى مطالعته هو أن يذاكره في الأمر كحاجة ولاية من الولايات إلى تعيين والٍ قدير، أو إزالة ما يشكوا منه الناس من قلة الطعام في الأسواق، أو غير ذلك من جميع شؤون الدولة، أو أن يعرض عليه هذه الأمور مجرد عرض بحث يطلع عليها ويقف على ما تعنيه، فتكون هذه المطالعة كافية لأن يقوم بكل ما ورد فيها بكل تفصيلاته من غير حاجة إلى صدور الإذن بالعمل. ولكنه إذا صدر الأمر بعدم تنفيذ هذه المطالعة لا يصح أن ينفذها. فالمطالعة هي مجرد عرض الأمر أو المذاكرة به وليس أخذ الإذن بالقيام به. وله أن ينفذ المطالعة ما لم يوقفه الخليفة عن تنفيذها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *