العدد 110 -

السنة العاشرة – ربيع الأول 1417هـ – تموز وآب 1996م

الحملة الأمريكيّة للقضاء على الإسلام (2)

من القضايا المصيريّة:

الحملة الأمريكيّة للقضاء على الإسلام (2)

 

ركائز الحملة الأمريكيّة

وتعتمد أميركا في حملتها الموجهة للعالم الإسلامي على ركائز عديدة. أولاها وزنها الدولي ونفوذها في العالم الإسلامي، وخاصة بعد حرب الخليج الثانية، وما تمخّضت عنه من ترسيخ نفوذ أميركا في المنطقة الإسلامية بأسرها. وبفضل هذا الوزن وهذا النفوذ صارت الدول القائمة في العالم الإسلامي أكثر استجابة للضغوط الأميركية، ولخطط أميركا التي تستهدف القضاء على الإسلام بحمل المسلمين على اعتناق الرأسمالية.

وثانية هذه الركائز زعامة أميركا للدول الرأسمالية التي تحرص على إشراكها في هذه الحملة، وتسخير نفوذها وعملائها في العالم الإسلامي لإنجاحها، خاصة وأن هذه الدول لا تختلف عن أميركا في اعتبار الإسلام خطراً عليها وعلى نفوذها ومصالحها هي الأخرى.

وثالثة هذه الركائز ما تسمى بالشرعة الدولية وأداتها المتمثلة بالأمم المتحدة وميثاقها، والمؤسسات والمنظمات التابعة لها، والتي تسخرها لتنفيذ خططها، وإضفاء الشرعية الدولية على الإجراءات التي ترى ضرورة لاتخاذها، سواء كانت هذه الإجراءات سياسية، أو اقتصادية، أو عسكرية، أو غيرها.

ورابعة هذه الركائز وسائل الإعلام العالمية، التي تَستغل أميركا هيمنتها هي وحلفاؤها عليها، لتجعل منها سلاحاً من أفتك الأسلحة التي تستخدمها في حملتها، حيث تستعملها في الترويج للشعارات التي ترفعها في هذه الحملة، كما تستعملها لتشويه صورة الإسلام، واستعداء العالم على المتمسكين به بوصمهم بالأصولية والتشدد والتطرف والعنف والإرهاب. ولا يَخفى ما لهذا السلاح من أثر خطير، خاصة بعد أن حَوّلت ثورة الاتصالات التي شهدها النصف الثاني من هذا القرن العالم إلى قرية صغيرة، لا يكاد يوجد فيها بيت واحد إلا ويدخله الإعلام المقروء أو المسموع أو المرئي.

ولعل أبشع هذه الركائز وأخطرها الحكام العملاء ومَن حولهم من المرتزقة المنافقين والانتهازيين النفعيين، ومَن يؤازرهم من المضبوعين بثقافة الغرب الكافر، والمفتونين بطريقته في العيش، بل وحتى مِن بعض مَن يتظاهرون بالحرص على الإسلام، سواء كانوا من علماء السلاطين، أو مَن يُقدَّمون للناس على أنهم مفكّرون إسلاميون، أو مِن رجال بعض الحركات الإسلامية، الذين ما هُم في الحقيقة إلا علمانيون ينادون بفصل الدين عن الحياة .

ويَخدم هؤلاء جميعاً الحملة الأميركية لتحويل المسلمين عن دينهم للرأسمالية بشتى السبل والوسائل: بالتضليل الإعلامي، وتحريف مفاهيم الإسلام وأحكامه، وبتطبيق أنظمة الكفر وسَنّ التشريعات والقوانين اللازمة لهذا التطبيق، وبربط الدول القائمة في العالم الإسلامي بمعاهدات واتفاقات وقيود متنوعة لإبقائها تحت نفوذ الكفار وسيطرتهم، إلى جانب أداء دورهم في تنفيذ خطط الكفار لإفقار الأمة بهدف قتل قيم الإسلام فيها، إلى جانب البطش بالواعين المخلصين من أبناء الأمة لإسكاتهم وإشاعة أجواء القمع والإرهاب بين الناس، حتى لا يَجرؤ صوت على الجهر بالحق، ليسهل لهم إذلال الأمة وحملها على الاستخذاء للكفر والكفار.

هذه هي أبرز الركائز التي تستند إليها أميركا في حملتها ضد الإسلام والمسلمين، بهدف القضاء على الإسلام عن طريق حمل المسلمين على اعتناق الرأسمالية. وتتجلى هذه الحملة في شعارات أربعة هي في حقيقتها جوهر الرأسمالية: الديمقراطية، والتعددية، وحقوق الإنسان، وسياسات السوق.

وقبل التعرض لهذه الشعارات ونقضها تفصيلياً لا بد من بيان فساد الأساس الذي انبثقت عنه.

وهذا الأساس هو العقيدة الرأسمالية، عقيدة فصل الدين عن الحياة.

فهذه العقيدة ليست نتيجة لعملية عقلية أو حتى منطقية، بل هي حل وسط بين فكرتين متناقضتين: الفكرة التي كان ينادي بها رجال الكنيسة في أوروبا طوال ما تُسمى بالقرون الوسطى من إخضاع كل شيء في هذه الحياة للدين، والفكرة التي نادى بها بعض المفكرين والفلاسفة من إنكار وجود الخالق.

ففكرة فصل الدين عن الحياة حل وسط بين الجانبين. والحل الوسط يمكن أن يتصور بين أمرين متفاوتين، ولكن لا يمكن تصوره بين متناقضين. فإما أن هناك خالقاً خلق الإنسان والكون والحياة، وعندها يُبحث عما إذا كان هذا الخالق قد وَضع للإنسان نظاماً يسير عليه في هذه الحياة، وسيحاسبه على تقيّده بهذا النظام بعد الموت، وإما أنه ليس هناك خالق، وعندها لا يفصل الدين عن الحياة بل يُنبَذ منها.

أمّا أن يقال لا أهمية لوجود الخالق من عدمه، فذلك أمر لا يُقنِع العقل ولا تَطمئن له النفس.

وهكذا فإن مجرد كون العقيدة الرأسمالية خلاصة حل وسط فيما لا يصح أن يكون فيه حل وسط، هذا وحده كافٍ لنقض هذه العقيدة، سواء عند من يؤمن بوجود الخالق أو ينكِر وجوده.

غير أن الدليل العقلي القطعي يوصِل إلى أن هناك خالقاً خلق الإنسان والكون والحياة، وأن هذا الخالق وَضَعَ للإنسان نظاماً يسير عليه في حياته، وأنه سيحاسبه على تقيّده به بعد موته.

ومع ذلك فليس مجال البحث هنا وجود الخالق، ولا النظام الذي وضعه للإنسان، وإنما يَنصبّ البحث على العقيدة الرأسمالية وبيان فسادها. وهذا يكفي للتدليل عليه كَون هذه العقيدة حلاً وسطاً بين متناقضين، وكونها غير مبنية على العقل.

ونقض العقيدة الرأسمالية كافٍ وحدهُ لنقض المبدأ الرأسمالي ككل، لأن ما بُنِيَ على فاسد فهو فاسد. وهذا يعني أنه لا داعي للبحث في تفاصيل الأفكار الأساسية للمبدأ. غير أنه نظراً لما لبعض هذه الأفكار من رَواج عالمي، ولِما لها من تقبُّل لدى بعض المسلمين، ولكونها تشكل شعارات الحملة الأميركية في هجمتها الشرسة على الإسلام والمسلمين، صار لا بد من التعرض لها ، وبيان فسادها، وتناقضها مع الإسلام، مما يعني حُرمة أخذ المسلمين لها، ووجوب نبذها والتصدي لكل من يُرَوِّج لها.

وكما سبق القول فإن هذه الشعارات أربعة: الديمقراطية، والتعددية، وحقوق الإنسان، وسياسات السوق.

يتبع العدد القادم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *