العدد 119 -

السنة الحادية عشرة – ذو الحجة 1417هـ – نيسان 1997م

خطر الأحزاب الإسلامية!

خطر الأحزاب الإسلامية!

في مقالة لجريدة القدس صفحة 11 في يوم الأربعاء بتاريخ 8/1/1997م تحت عنوان «خطر الأحزاب الدينية وارد إذا كان المقابل ديمقراطية حقيقية» للكاتب فهمي هويدي، جاءت جملة من الانحرافات نبين أنواعها والرد عليها ونبدأ بتوطئة لازمة:

  • (1)الإسلام هو الدين الذي أنزله اللـه تعالى على محمد صلى اللـه عليه وآله وسلم ينظم علاقة الإنسان بربه «عقائد وعبادات» وعلاقة الإنسان بنفسه «الأخلاق والمطعومات والملبوسات» وعلاقة الإنسان بغيره «المعاملات والعقوبات». وقد بين الرسول صلى اللـه عليه وآله وسلم أن الدين هو السياسة التي تستغرق جميع المعالجات لمشاكل الحياة «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر…» والخلفاء بعد محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين كانوا يسيرون الحياة كل الحياة بما أمر اللـه عز وجل فيما أنزله وحياً على رسوله.

  • (2)إن من جملة ما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في واقع مثل واقعنا «مكة» قد أنشأ حزباً إسلامياً ليغير به واقع دار الكفر وهذا الحزب ليس نافلة منه وإنما هو أمر اللـه عز وجل في كل حين وآن (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) فالأمر في الآية منصب على إقامة جماعة «تكتل – حزب – منظمة» وباقي الآية هو بيان لعملها وهو الدعوة إلى الإسلام «الخير» والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما جزء من دعوة الخير «الإسلام» وهي ليست زيادة وإنما هي تفسير «عطف تفسيري» مفاده أن يكون الحمل للإسلام والدعوة إليه بالطريق السياسي الإسلامي المعلن (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى اللـه وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) أي دون إخفاء الهوية والتوجه دون اتخاذ الدبلوماسية والمداهنة والمداراة لبيان الحق وإبطال الزيف. ولا يجوز في هذا الحزب أن ينتمي إليه الكفار بحال لأن «منكم» في الآية خطاب للمسلمين ولأن الدعوة إلى الإسلام لا تكون إلا من مسلم بل ممن حسن إسلامه.

  • (3)الديمقراطية كلمة اصطلاحية لا يجوز استخدامها لغير ما اصطلحت عليه وهي مبدأ: فكرة وطريقة، عقيدة وشريعة، وهي منهاج حياة تقول بفصل الدين عن الحياة والمجتمع والدولة ومصدرها التشريعي الإنسان «العقل» أو «الهوى». ويتم ذلك حسب عقيدتهم بإعطاء الإنسان الحريات العامة: الحرية السياسية «حرية الرأي»، الحرية الدينية «حرية الاعتقاد»، الحرية الاقتصادية «حرية التملك»، الحرية الشخصية. ويكفي أن نقول إن الديمقراطية من وضع البشر للدلالة على أنها لا تمت للإسلام بصلة لا في عقيدتها ولا في شريعتها. وقد أُمِرْنا نحن المسلمين أمراً جازماً باتباع ما أنزل اللـه ونُهينا نهياً جازماً عن اتباع غيره (إتبعوا ما أُنزِل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء).

  • (4)إن الأنبياء والرسل معصومون من المعاصي والذنوب التي تتنافى مع الرسالة والنبوة والتبليغ، وهذا أصل من أصول العقيدة لا ينبغي العدول عنه في تفسير أفعال الأنبياء والرسل، علاوة على أننا مأمورون باتباع نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة في التشريع لأن دعوتهم واحدة وشرائعهم مختلفة (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) (قل إن كنتم تحبون اللـه فاتبعوني يحببكم اللـه ويغفر لكم ذنوبكم).

ولْنأتِ الآن على بعض فقرات المقالة:

  • «حين سألتني مندوبة إذاعة صوت أميركا عن رأيي في اتجاه بعض الأنظمة إلى استصدار تشريعات تمنع إقامة أحزاب على أسس دينية قلت على الفور: أوافق بشرط واحد، هو أن تكون هناك أحزاب حقيقية».

فالكاتب فهمي هويدي لا يرى أن الأحزاب الإسلامية أحزاب حقيقية وقد بينا في البند (1) أعلاه الحكم الشرعي في إقامة الحزب الإسلامي، فمن أحق بالاتباع إجابة مُفْتٍ على هواء صوت أميركا أم رب العالمين؟

  • «إنني لا أخفي أنني لست مشغولاً كثيراً بقيام أحزاب إسلامية بقدر انشغالي بقضية الحرية والديمقراطية، وهاجسي الأكبر ليس مصادرة حرية العمل السياسي الإسلامي أو حجب «الإسلاميين» عن المشاركة في الحياة السياسية ولكنه منصب على خشية مصادرة فكرة الحرية».

إن الرجل يعلن على الملأ جهاراً نهاراً عدم انشغاله بالأحزاب الإسلامية، ليس لأنها مخالفة لفهمه الشرعي وطريقته المثلى بل لأن العمل على حجبها قد يودي بفكرة الحرية، وهي عنده أسمى من الأحزاب الإسلامية والعاملين للإسلام وقد بينا في البند (3) أعلاه أن الحرية من أعمدة الديمقراطية الكافرة. والحرية التي ينادي بها الكاتب ليست الحرية بالمفهوم اللغوي بل الحرية بالمفهوم الاصطلاحي الحديث النابع من عقيدة فصل الدين عن الحياة، ويؤكد ذلك بقوله «لأن الحزب ليس هدفاً في ذاته ولكن الأهم منه والأبقى هو المشروع الذي تشكل الحرية والديمقراطية بعضاً من أهم دعائمه ومقاصده». والرجل لا يخفي أنه من الدعاة إلى الديمقراطية والعاملين على تجذيرها عند المسلمين، وهذا خدمة لأهلها وهم الكفار. وليس الحديث عن رجل من دعاة الديمقراطية، فهم كثر، ولكن فهمي هويدي يَعُدُّهُ كثير من المسلمين من الدعاة إلى اللـه، ويطلقون عليه أحياناً كثيرة: المفكر والكاتب الإسلامي. وهنا مكمن الخطر والثغرة التي قد يُؤتى المسلمون منها. لذلك وقفنا معه هذه الوقفة لنحول بينه وبين زيادة تمييع المجتمعات في العالم الإسلامي، على ما فيها من ميوعة يحاول المخلصون من حَمَلَة الدعوة والواعون من المسلمين الوقوفَ في وجهها بإيجاد المجتمع الإسلامي الذي تسوده الأفكار والمشاعر والأنظمة الإسلامية.

  • «إن الحزب الإسلامي في حقيقته ليس حزباً للمتدينين المسلمين وحدهم… إن الإسلام ليس ديناً فقط ولكنه مشروع حضاري يحتوي الناس جميعاً من خلال اعترافه بشرعية الآخر غير الإسلامي. لذلك الحضارة الإسلامية ليست من صنع المسلمين وحدهم ولكنها من صنع كل الفئات… من المقبول أن يقوم حزب له مرجعيته الإسلامية، ينخرط فيه غير المسلمين».

لقد بينا في البند (2) أعلاه بالدليل الشرعي من الكتاب وفعل الرسول صلى اللـه عليه وآله وسلم أن الحزب الإسلامي من المسلمين فقط وعلى أساس الإسلام فقط، فعناصره وأفراده وقيادته من المسلمين، وأفكارهم وآراؤهم ومقاييسهم وقناعاتهم ومفاهيمهم من الإسلام. ولذلك كان وصفه «إسلامي» والدين الإسلامي ومنه مفهوم الحضارة يمنع الاعتراف بشرعية الآخر «غير الإسلامي» والمنع للآخر وعدم الاعتراف بشرعيته جاءت به النصوص الشرعية (قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد* ولا أنا عابد ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد* لكم دينكم ولي دين). وأما مفهوم الحضارة الذي يحاول الكاتب أن يجعل منه ثغرة لاختلاط الإسلام والكفر في صعيد واحد، ويجعل منه مدخلاً لاشتراك الإيمان والكفر في البناء دون تمييز، وأن الحضارة الإسلامية كانت من صنع الجميع: مؤمنهم وكافرهم فهذا خلطُ إسفافٍ وسفهٍ، لأن كل مبدأ له قوامه المميز له من حيث الاعتقاد وما انبثق عنه من تشريع، فالإسلام غير المبادئ الأخرى، والمبادئ الأخرى ليست متماثلة بل هي متباينة مختلفة، فالديمقراطية ليست كالاشتراكية، وليس كلاهما كالإسلام اعتقاداً وتشريعاً، فكرة وطريقة وحضارة أيضاً، فالحضارة هي مجموعة المفاهيم عن الحياة الدنيا. ولكل مبدأ مفاهيمه الخاصة به «أي الحضارة» فالحياة الدنيا في مفاهيم الإسلام حياة لها صلة بما قبلها كونها مخلوقة لخالق أنزل أمره ونهيه ليتبع فيها، ثم يحاسب يوم القيامة الناس على مدى التزامهم بأمره واجتنابهم لنهيه. لذلك كانت الحضارة الإسلامية قائمة على أساس: «لا إله إلا اللـه  محمد رسول اللـه» وتصور الحياة بأنها دار جد وكبد وابتلاء، ومقياس الأعمال فيها الحلال والحرام، وأن السعادة فيها تتحقق بنوال رضوان اللـه عز وجل. وهذه الحضارة هي من مفاهيم الإسلام وليست من صنع أحد بل هي من اللـه عز وجل طبقها المسلمون عملياً في واقع حياتهم، وليست هي خليطاً من حضارات المسلمين وغيرهم. وليس المشروع الحضاري يأخذ من غير الإسلام بحال، وما فكرة تمازج الحضارات (وأختها: تقارب الأديان) إلا أفكاراً خبيثة يراد من ورائها الجمع بين الكفر والإيمان والظلمات والنور، والمساواة بين الحق والباطل (يريدون أن يطفئوا نور اللـه بأفواههم ويأبى اللـه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).

يتحدث الكاتب عن النموذج الـمُهَجَّن من الإسلام وغير الإسلام المسمى عنده بالحضارة الإسلامية التي شارك في صنعها المسلمون وغيرهم، ويبرر له فيقول:

  • «هذا النموذج يدحض مختلف الشبهات والمخاوف التي يثيرها البعض من جراء قيام حزب إسلامي، ومع ذلك فإنني من الناحية النظرية أنحاز إلى فكرة الديمقراطية أكثر من انحيازي إلى فكرة الحزب الإسلامي لأسباب عدة منها:

  • ¨ إنني أحد الذين يؤيدون فكرة «الأمن قبل الإيمان» بمعنى إذا كان استقرار المجتمعات خصوصاً في ظل المشاعر المتوترة الراهنة يتطلب تأجيل مشاركة المسلمين في الحياة السياسية لبعض الوقت فإن الموازنة تقود إلى احتمال الضرر الثاني تحقيقاً للمصلحة الأولى. وقصة النبي موسى وأخيه هارون حين غاب عن قومه وتركه وحيداً عليهم دليل على ذلك، فالقوم عبدوا العجل وحين عنّفه موسى كان رد هارون «إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل» وهو منطق قبله موسى، وهو يعني أنه قدم الوحدة والاستقرار على الإيمان.

  • ¨ العمل الإسلامي له ألف باب «للإيمان بضع وسبعون شعبة…الخ» فإذا أغلق الباب السياسي فهناك النشاط الاجتماعي والدعوي والتربوي… وربما ساعد ذلك في انشغال الدعاة بالعمل التربوي والاجتماعي وهو أجدى وأبقى بل ألزم لبناء المجتمع الإسلامي المنشود».

لقد بينا في البند (4) أعلاه عصمة الأنبياء والاستدلال المذكور منافٍ لهذه العصمة، فهو مردود من هذه الجهة ومردود من جهة أخرى، فالاعتذار في آية (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) فهم مع الاعتذار الوارد في آية «إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني» في سورة الأعراف وبالتالي فإن هارون عليه السلام اتبع أمر موسى عليه السلام «اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين» فقد خلفه في قومه وأصلح عند ظهور المنكر ولكن القوم استضعفوه وكادوا يقتلونه ولم يتبعهم في عبادة العجل وانتظر مقدم موسى عليه السلام حسب وصيته وليس في هذا كله دليل على قاعدة الأمن قبل الإيمان، بل لا أمان بدون إيمان. وبدل أن يكون الهجوم على الحكام وزبانيتهم المجرمين الذين ينزلون بالمسلمين أشد أنواع الفتن والبلاء يرى الكاتب أن تختفي الحركات الإسلامية من السياسة كأفكار ومفاهيم لا كأشخاص، ويضرب على ذلك أمثلة بحزب الرفاه، فهو تنازل عن الإسلام مقابل الوصول إلى الحكم، وهذه ليست غاية فقد عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم كله مشروطاً بشرط واحد «أن يكون لنا الأمر من بعدك» أي الحكم فقال صلى الله عليه وسلم: «الأمر للـه يضعه حيث يشاء» فقال بنو عامر بن صعصعة «أَفَنُهْدِفُ نحورَنا للعرب وذلك حتى إذا أظهرك اللـه كان الأمر لغيرنا من بعدك اذهب ليس لنا بك حاجة» فالغاية هي نوال رضوان اللـه تعالى، ولا يكون ذلك بعصيانه ومـخـالـفـة أمره ومـخـالفـة طريقة رسوله ونهـجـه، بل باتباعـهـا والتـمـسـك بهـا والصـبر عليها.

والكاتب يرى أن سبب الفتنة والاضطراب هو الحركات الإسلامية، دون أن يجعل الطرف الآخر مسؤولاً على الإطلاق. مع أن الحكام وزبانيتهم هم المتسلطون على رقاب الناس والحركات ليسوموهم سوء العذاب صباح مساء، ولو ترك الناس واختيارهم لنبذوهم هم وديمقراطياتهم وحرياتهم الباطلة، وما ارتضوا من الإسلام بديلاً في الحكم وفي كل شؤون حياتهم، ولكنها الغشاوة التي تعمي الأبصار والبصائر حتى صارت تتوهم أن الأنبياء والرسل المعصومين يرتضون عبادة العجل من أجل الأمن، وما قرأت فعل موسى عليه السلام «لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً».

ثم يطل علينا الكاتب باجتهاد آخر مفاده أن العمل التربوي والاجتماعي أجدى وأبقى مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا اللـه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» والحديث حجة عليه فأول شعب الإيمان: (لا إله إلا اللـه) وهي تعني أن يحكم شرع اللـه وحده في الحياة سياسياً وتربوياً واجتماعياً. وما قيمة الإصلاح في مجتمع قائم على نظام كفر إلا أن يكون ترقيعاً يزيد في عمره، ويثني العاملين على تغييره، ويصرفهم لخدمته وهم يظنون أنهم يصلحون. ولكن حديث رسول اللـه صلى الله عليه وسلم يرد كيد الكائدين إلى نحورهم: «الإسلام والسلطان توأمان لا ينفصلان لا يصلح أحدهما إلا بصاحبه فالإسلام أس والسلطان حارس وما لا أس له فمنهدم، وما لا حارس له فضائع» فبعد أن اشتدّ نظر المسلمين إلى الحكم وإقامة دولة القرآن وخلافة محمد صلى اللـه عليه وآله وسلم يأبى الكاتب إلا أن يكون عوناً وبوقاً لمن يريدون للإسلام أن يكون دين الزاوية والمسجد لا يخرج منهما إلى الحياة السياسية. وبذلك يطبق المسلمون عقيدة الكفر بفصل الدين عن الحياة، وهذا منتهى ما يريدون ولكن زمن الوعي والنهضة قد أطل بهامته، والقافلة تسير إلى وعد رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله وسلم: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» فالصبر الصبر يا مسلمون، وليكن شعاركم قوله عز وجل: (اللـهم إني مغلوب فانتصر) وقول رسول اللـه صلى الله عليه وسلم: «ليتممن اللـه هذا الأمر».

اللـهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون

وآخر دعوانا أن الحمد للـه رب العالمين

أبو محمد موسى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *