العدد 261 -

العدد 261- السنة الثالثة والعشرون، شوال 1429هـ، الموافق تشرين الأول 2008م

الحزب المبدئي… ووجوب نصرته

الحزب المبدئي… ووجوب نصرته

 

إن الأفكار مهما بلغت عمقاً وتناهت لاستيعاب أوضاع تظل بلا جدوى وكأنها لم تكن، إن ظلت حبيسة في رؤوس أصحابها ولم تنطلق إلى واقع الحياة لتؤثر فيه. ولا يكون لها مثل هذا التأثير إن لم تدخل في قناعات رجال أقوياء يستطيعون تحويل هذه التصورات إلى قرارات ويضعون واقعاً مصاغاً وفق هذه الافكار… ومن أولى بذلك من رجل الدولة حين يقتنع بفكرة فيحيلها واقعاً وحقيقة… ومن أفضل لها من أشخاص يتمتعون بنفوذ وقوةٍ يجسدونها نمط حياة وأسلوب عيش.

إن الفكرة لا بد أن تتجسد في أشخاص يجتمعون عليها وتكون هي محور تجمعهم، وهذا هو مكمن القوة لهذه الفكرة حتى تأخذ مداها إلى عقول وقلوب أصحاب القوةِ والنفوذ حتى تتمكن من إقامة الحكم الذي تستهدفه لتجسيد هذه الفكرة في واقع الحياة وهذا هو واقع الحزب المبدئي.

وهذا الحزب المبدئي لا تكون غايته استلام حكم، بل غايته حمل الدعوة الإسلامية واستئناف الحياة الإسلامية، والحكم هو الطريقة لذلك… فهذا الحزب يريد إقامة الدولة الإسلامية وليس أخذ الحكم، فإذا لم يتأكد حين يأخذ الحكم أنه قادرعلى أن يقيم الدولة فلا يأخذ الحكم؛ ومن هنا كان حمل الدعوة الإسلامية والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية طريقة لإقامة الدولة الإسلامية.

إن الحزب المبدئي يريد أربعة أمور هي: إنهاض الأمة، وإقامة الدولة، وبناء المجتمع، وحمل الرسالة: وهو يعمل لهذه الأمور كأمر واحد ويعتبرها أمراً واحداً.

فالنصرة التي يطلبها الحزب ليست نصرة تأييد لفكرته، فلقد نصرت الأمة فكرة الحزب وأصبح إصطلاح الخليفة والخلافة على كل لسان، ومطلب لكل عاقل مدرك، ويمكن القول إن الدولة قد قامت في الأمة وهي وتنتظر إعلانها فقط. وليست النصرة التي يطلبها الحزب نصرة حماية مطلقاً وهذه فردية وقد تطلب من كافر ليجير فرداً أو أفراداً، ولكن النصرةَ التي يطلبها الحزب هي نصرة إعانة وتسليم حكم، وهذه لا تطلب إلا من مسلم حصلت عنده القناعة بهذه الفكرة، فقد ورد في الأحاديث الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وفي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد» ووصفها بأنها تأكل القرى يعني منطلقاً وقاعدة للدولة والدعوة، وهكذا كان فعله لإيجاد أرض ومجتمع وحكم وشرع إسلامي يكون هذا منطلقاً لهذه الدعوة.

وحزب التحرير اليوم هو الحزب المبدئي الذي يحمل الدعوة ويطلب النصرة من أهل القوة والنفوذ والتأثير لينصروه باستعمال قوتهم ونفوذهم وتأثيرهم لإيصاله إلى الحكم: وهو يطلبها لأنه فرض عليه أن يطلبها، وهي فرض على من هم محل طلبها أي أهل القوة والمنعة والتأثير. وهو حين يطلبها يضع في ذهنه الحقائق التالية لتحقيق النتائج على الوجه الذي يرضي الله.

1- أن يفهم المخاطب من أهل القوة والمنعة أن العمل الذي يطلب منه لنصرة دين الله بإقامة دولة الخلافة الإسلامية هو عمل ينبثق عن العقيدة الإسلامية وأنه عبادة يتقرب بها إلى الله، فكان اعتناق الفكرة لإقامة الخلافة الإسلامية وإعادة سلطان الإسلام من قبل المخاطب أصل وأساس، وأنه يسير مع الحزب لتحقيق ذلك، وأن يدرك المنـزلة المعدةَ له من الله، وأنه كسعد بن عبادة أو كسعد بن معاذ، وتشويقه عقائدياً حتى تترسخ الفكرة وينضبط مفهوم النصرة أنه من الطريقة وأنه لا يجوز مخالفتها.

2- أن يدرك المخاطب أنه مكلف من الله عز وجل لأداء هذا العمل، وأنه أهل له، فربما توجد الاستطاعة ولا يوجد العزم عنده، فكان لابد من زرع العزم عنده، وقد توجد الاستطاعة ولا يدرك أنه مستطيع فلابد من إزالة الأتربة والوهن عن قلبه وشحذ عزيمته، وأنه لا يجوز للمسلم أن يحتقر نفسه بل لابد من زرع علو الهمة وطلب العالي في نفسه… فهذا العمل لا يقوم به جبان أو رعديد.

3- العمل على إلغاء مفهوم (الوظيفة) وإبداله بمفهوم (المسؤولية) وأن الموقع الذي هو فيه موقع مسؤولية أمام الله، وأن لهذا الموقع واجبات عليه تأديتها تجاه أمته في كل موقف وموقع وزمن، وأنه ليسَ موظفاً تنحصر مسؤوليته في أوقات دوامه فقط. ويكون همه هو راتبه ورتبته ودرجته وروتين حياته، بل هو في موقع المسؤولية، وأنه صاحب قضية يدافع عنها، وأن تتغير طريقة تفكيره وزاوية نظره للأمور لتتغير تبعاً لذلك أحكامه على الأمور والأحداث ونظرته السياسية…

4- أن يدرك كل صاحب قوةٍ ونفوذ وجاهٍ أن الله سائله عن هذا الأمر، وأن الأمة بمسيس الحاجة له، فلا يقلب لها ظهر المجن، فإنه إن فعل لاسمح الله فحاله كحال كاتم العلم كما ورد في الحديث «من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» فعلمه ومنصبه وجاهه ونفوذه ان لم يكن له قارب نجاة يكون عليه وبالاً والعياذ بالله (وَابْتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ).

5- العمل على إلغاء فكرة الثمن والشرط من الأذهان وذلك بخلوص الفكرة في الذهن، فإن فكرة الثمن قديمة، فقد قالتها بنو عامر بن صعصعة للنبي «أرأيت إن نحن تابعناك فأظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟» ثم عللوا ذلك فقالوا: «أفتهُدف نحورنا للعرب دونك فإذا ظهرت كان الأمر لغيرنا… لاحاجة لنا بأمرك».

إن فكرة الثمن أو الشرط هي فكرة مادية محضة، فلا يمكن إبعادها أو نفيها إلا بالاعتقاد الجازم بأن النصر من عند الله عز وجل، وأن ما عند الله خير وأبقى، وأن القضية التي يحملها لا تحتمل الربح أو الخسارة بل لها احتمال واحد.

6- أن يدرك المخاطب أنه حين يحمل القضية السامية يسمو بها، وأنها لا تتعلق به وحده بل تتعداه لغيره، وأنه ليسَ وحده بل الأمة كلها ترنو إليه وتنتظر الساعة التي تتحقق آمالها فيها على يديه، وأن الحزب لا يستجدي منه النصرة مطلقاً بل يستنهض همته ليؤدي ما عليه من حق تجاه أمته، وأن يبتهل إلى الله ليقبله ويجري الخير على يديه، فإن واقعه وموقعه أنه صاحب قوة وخط دفاع، فيحرم عليه أن يكون خط دفاع للكافر أو للغاشم، وفرض عليه أن يكون خط دفاع عن المسلمين وأعراضهم، فهو إن لم يكن مع المسلمين فإنه ضدهم، ولا توجد في هذا الأمر حيادية مطلقاً.

7- لابد من أن تظهر قوة الحزب وهيبته لدى المخاطب من أهل القوة والمنعة والنصرة حتى يدرك جديةَ هذا الأمر وأن عراقة هذا الحزب قد تجذرت في الأمة، وأن القاعدة الشعبية لهذا الحزب تتسع يوماً بعد يوم لثباته ووضوح فكرته، وأنه منصور به وبغيره، وبأن هذه الأنظمة إلى زوال قطعاً والأمة باقية، فليعمل ليتبوأ مكانه عند أمته، تلك الأمة التي أدركت عدوها الذي ولغ وما زال يلغ في دمائها في البوسنة والهرسك والشيشان والصومال والعراق وأفغانستان والسودان… وأن يدرك حجم مسؤوليته وعِظمها ….. وأن مسارعته بنصرة المسلمين تُنجيه من سؤال ربه له بوصفه صاحب القوة عند مسيس حاجة المسلمين لقوته، فقد يقبل من غيره الدعاء بالفرج للمكروبين ومنه لا يُقبل الدعاء؛ لأن نصرةَ المسلمين بالنسبة له هي العمل لإعادة حكم الله لأرض الله وليسَ الاكتفاء بالدعاء في موقع الفزع.

8- أن يدرك أهل القوة اليوم أن من يقيم الدولة الإسلامية سيكون شأنه كشأن من نصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). ودرجته ستكون إن شاء الله تعالى مثل درجة سعد بن معاذ (رضي الله عنه) الذي قال عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ»، وإنه لحريُّ لكل قائد من قواد المسلمين أن يقرأ عن سعد… إنه سعد الذي وقف يوم بدر يوم الفرقان وقال للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لقد آمنا بك وصدقناك… وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لَصبرٌ في الحرب صُدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر له عينك، فسر على بركة الله».

لكم تحتاج الأمة الإسلامية إلى حزب مبدئي موجود فيها، والحمد لله، هو حزب التحرير. ولكم تحتاج الأمة إلى أهل نصرة وقوة ومنعة لينصروا هذا الحزب (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم 4-5].

جواد عبد المحسن – الخليل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *