العدد 126 -

السنة الحادية عشرة – رجب 1418 – تشرين الثاني 1997م

العـهـدة العـمـريـة

العـهـدة العـمـريـة

لما حضر أبو عبيدة رضي الله عنه لفتح بيت الـمـقـدس، طـلـب أهـلـهـا مـنـه أن يصالحهم، وأن يكون المتولي للعقد الخليفة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك، فشد عمر الرحال لتسلُّم بيت المقدس.

وكان عمر يسير إلى بيت المقدس ومعه خادمه يتناوبان على ركوب الراحلة، فلما دنوا من بيت المقدس كان دور خادم عمر في الركوب، وكان عمر يمشي، فمر على ماء وطين فرفع ثوبه، فقال له أبو عبيدة في ذلك خشية أن يستصغره أهل بيت المقدس، فقال عمر قولته المشهورة: (يا أبا عبيدة، لقد كنا قوما أذلة، فأعزنا اللـه بالإسلام، وإذا أردنا العزة بغير الإسلام أذلنا اللـه) هكذا كان ردّ من ذهبَ ليفتح بيت المقدس، إنه يفتحه بالإسلام ويعتز بالإسلام، ويدرك تمام الإدراك أنه لولا الإسلام لكان عمر لا يزال في مكة يصنع الصنم من تمر فيعبده وإذا جاع أكله .

لم يكن عمر فلسطينيا افتخر بوطنيته، أو عربيا اعتز بعروبته، بل كان مسلما أعزه اللـه بالإسلام ففتح به بلاد اللـه الواسعة وحكم النّاس بالحق والعدل وساد دولة جمعت النّاس بمختلف أجناسهم وأعراقهم.

ثمّ دخل عمر بن الخطاب رَضِيَ اللـه عَنْهُ فلسطين فاتحا وأعطى أهل بيت المقدس الأمان، فيما سمي بالعهدة العمرية وهذا نصها: (بِسْمِ اللـه الرّحْمَنِ الرّحيمِ، هذا ما أعطى عبد اللـه عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان – وإيلياء هي القدس – أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود – نعم أيها المسلمون، ولا يسكن بإيلياء معهم أحـد من اليهود – وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم ، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد اللـه وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعـطـوا الذي علـيهم من الجزية. شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بـن عـوف، ومعـاويـة بن أبي سـفيان. وكتب وحضر سنة خمس عشرة).

إن ما ذكرناه ليس حلما أو أمنية، كما أنه ليس أسـطـورة مـن نسـج الخيال، بل هو الحق والـحـقـيقة، إنه الواقع الذي عاشه المسلمون، إنه الحكم الشرعي الذي شرعه اللـه تعالى فـي شأن بيت المقدس، وهو عهد اللـه وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين التي التزم بها الخلفاء والمؤمنون من بعد عمر رضي الله عنه.

والإسلام ينظر إلى الأرض التي تفتحها دولة الخلافة على أنها أرض إسلامية، يجب الحفاظ عليها ويحرم التفريط بها، ولو أدى ذلك إلى سفك الدماء وزهق الأرواح في سبيل المحافظة عليها.

أدركــوا ذلـك تـمــام الإد راكوالمسلمون بعد العـهـدة العـمـريـة راك فحــافـــظـــوا عـلــى مـســرى رسـول اللــه صلى الله عليه وسلم وذادوا عـنــه بكـل ما يـمـلـكـون، ولم يقبلوا أن يفاوضوا على بلادهم. وبعد أن احتل الصـلـيـبـيون بيـت المقدس لم يقـبـل أحـدٌ من المـسـلمـيـن أن يـفـاوضـهـم عَلَيْهِ بل تركوه بأيديهم وظلوا يعدون العدة حـتـى يتـمـكـنـوا من تحريره، وظلوا على ذلك إلى أن أتى القائد صلاح الدين الأيوبي فحرر القدس من دنس الكفّار.

والكفار، يدركون ذلك جيدا ويفهمونه حق الفـهـم، فهـم يعـرفون حكم اللـه في أرض الإسـلام، وهم يعلمون أن القدس أرض إسلامية وأن المسلمين لن يتنازلوا عَنْهَا أبدا، وما فعله بهم المسلمون في الحروب الصليبية ما زال في أذهانهم، وحقد أجدادهم علينا ما زال في قلوبهم.

عندما سأل صحافي موشيه دايان بعد ما يسمى بحرب 67 قائلا له:  إن المسلمين لديهم حديث عن رسولهم مُحَمَّد يقول إنهم سيقاتلون اليهود وسيقتلونهم فما رأيك، أجاب دايان قائلا:  هذا الكلام صحيح ولكن ليسوا هؤلاء أولئك المسلمين ولسنا نحن أولئك اليهود. فهم يعرفون جيدا أنهم مهما حاولوا أن يطبّـعـوا العـلاقـات ويظـهـروا بالـمـظـهـر الـحـسـن للمسلمين فإنهم لن يستطيعوا أن يمسحوا الآيات ولا أن يزيلوا الأحاديث ولا أن يدمروا الأحكام الشرعية، التي تبيّن لنا حقيقتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *