العدد 126 -

السنة الحادية عشرة – رجب 1418 – تشرين الثاني 1997م

الـخـطـأ الـسـيـاسـي

الـخـطـأ الـسـيـاسـي

الخطأ السياسي هو القيام بأعمال سياسية لا تؤدي إلى تحقيق الغايات السياسية المرجو تحقيقها.

والخطأ السياسي يتفاوت أثره على القوى السياسية وعلى غاياتها السياسية تبعاً لنوع الخطأ السياسي وصفته، فإن تعلق بالأسس المبدئية والقضايا المصيرية فإنه خطأ  قاتل ومميت للقوى السياسية، وبالتالي ماحق لغاياتها، وإن تعلق بالقضايا الاستراتيجية والمسائل الإدارية رسماً وتنفيذاً، فإنه مَرَضٌ للقوى السياسية، وبالتالي معوق لها عن تحقيق غاياتها.

والخطأ السياسي في أصله يرجع إلى الخطأ في التفكير السياسي، والأسباب العملية التي تؤدي إلى الخطأ السياسي هي:

أولاً:  الخطأ في فهم الواقع السياسي، وهذا الخطأ يترتب عليه كافة الأخطاء المتعلقة بعلاجه وسبل تنفيذ العلاج عملياً، فمثلاً: الواقع السياسي للعالم الإسلامي لم تفهمه معظم الحركات الإسلامية، ما أدى إلى جعلها تخلط بين الأعمال الحسنة والأعمال السيئة، ولا تقوم بالأعمال السياسية الصالحة التي من شأنها تحقيق الغاية، وهي تغيير الواقع في العالم الإسلامي، وإخضاعه لحكم الإسلام عن طريق اتباع نهج الرسول صلى اللـه عليه وآله وسلم، فأضحت هذه الحركات تدور في حلقة مفرغة تارة، وتُسَخَّر ضد الإسلام وأهله دون وعي تارة أخرى. فالخطوة الأولى في علاجها هي جعلها تتلمس حقيقة الواقع وتدركه بعمق، وتبصر مكنونه وما حوله، لتتمكن من تشخيصه بدقة. وهذا الأمر يستلزم رفع مستوى التفكير لديها في فهم الواقع الإسلامي، ثم تأتي الخطوة الثانية، وهي العمل على جعلها تتفهم الإسلام السياسي بعمق، لكي تبصر حقيقة الإسلام بفكرته وطريقته. ولما كان للوقت قيمته التي لا تقدر بالذهب والفضة، كان بُدّ من تجسيد الإسلام فيها، والتركيز على العناصر المخلصة والمؤثرة فيها، والتي تتسم بسمة القوة في الفهم، والأمانة في تأدية رسالة الإسلام، فتقوم هذه العناصر بمهمة تجسيد الإسلام في أعضاء هذه الحركات، بعد أن يتجسد فيها، فيسهل بذلك جعل هذه الحركات تعمل بالنهج الصحيح وتنجذب للحزب الصحيح.

ثانياً:  الخطأ في فهم الفكر السياسي المبدئي بعمقه واستنارته، هذا الفكر الذي يعالج الواقع أو يحدد الغاية المبدئية التي يجب تحقيقها، والذي ينير خط السير في الأعمال السياسية التي تؤدي إلى تحقيق الغاية مهما طال الزمن أو قصر تبعاً لعظم الغاية أو بساطتها.

ثالثاً:  الخـطأ في تنفيذ الفكر المبدئي، ومن التنفيذ حمل هذا الفكر للناس. والخطأ في التنفيذ والحمل قد ينجم عن الخطأ في الفهم أو عن اتباع الهوى المخالف للفكر ومنه انعدام الإخلاص الخالص لهذا الفكر.

رابعاً:  الخطأ في رسم الاستراتيجيات أو تنفيذها، وهذا ينتج من عوامل عِدّة أهمها: الخطأ في اختيار من يرسم الاستراتيجيات. وعليه فالخطأ في اختيار الرجال لا يقل خطورة عن الخطأ في فهم الأفكار والأشياء والأحداث. ومن هنا لابد من التركيز على فهم الرجال وسبر أغوارهم ومعرفة واقعهم وصفاتهم بدقة عالية، ولابد من تحديد المواصفات اللازمة لطبيعة المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، وتوفر هذه المواصفات فيهم، ومعرفة توجهاتهم.

وعلاج الخطأ السياسي لا يكون إلا بالفكر المستنير الذي يشخص الواقع ومشكلاته وأسبابها وظروفها، ويحسن فهم الإسلام وتنفيذه وحمله، ويحسن اختيار والرجال الذين يرسمون التي ترسم السياسات الإبداعية وينفذونها. ومع ذلك كله فارتكاب الخطأ السياسي أمر طبيعي، ولكن الأمر غير الطبيعي هو ارتكاب الأخطاء القاتلة أو عدم إدراك الأخطاء في الوقت المناسب وتشخيصها بدقة، أو عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة لعلاجها. وعليه فحسن العمل السياسي ضمن ما تتسع له الطاقة البشرية يستلزم إدراك مواطن الخطأ السياسي، والعمل على تجنبها ومعالجتها وفق المفاهيم السياسية المبدئية، وضمن الاستراتيجيات العلاجية والوقائية.

والقوى السياسية المؤثرة تستهدف تشخيص الأخطاء السياسية للقوى السياسية المعادية والمنافسة لها، وتعمد إلى تعميقها وترسيخها لتتمكن من ضرب سياساتها وتبديد أهدافها، وتعمد أيضاً إلى إيقاعها في الأخطاء السياسية، وتزجها لذلك زجاً بحنكة وذكاء، فالحلفاء في الحرب العالمية الثانية قد تنفسوا الصعداء حين وقع هتلر في الخطأ الاستراتيجي، وهو نقضه لاتفاقه مع روسيا ثم شنه الحرب عليها، فكان هذا الخطأ السبب الرئيسي لما جرى لهتلر وألمانيا بعد ذلك من مصائب وكوارث. وروسيا قد ارتكبت الخطأ الاستراتيجي والمبدئي حين وافقت على التنسيق مع أمريكا من خلال هيئة الأمم بشأن إنهاء الاستعمار العسكري، وحين لم تستمر في سياسة المواجهة ضد الاستعمار الجديد وضد من يقوده ويتزعمه، وأمريكا قد كررت نفس الأخطاء حين كانت تسعى لتنفيذ استراتيجيتها، فهي كانت تعمد إلى طرح أفكارها العامة، وتسعى لتنفيذها قبل أن توجد الظروف المناسبة لهذه الأفكار. وفرنسا في عهد ديغول قد ارتكبت الخطأ الاستراتيجي حين لم ترسم وتنفذ السياسات الوقائية لدرء الأخطار المتوقعة عليها نتيجة سيرها بالسياسة المؤثرة والفعالة القاضية بضرب الدولار كعملة دولية، ما جعلها لا تستمر بهذه السياسة وتذعن لأمريكا. كما أن بريطانيا لن تهدأ حتى تتمكن من النجاح في استغلال الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه أمريكا، وهو الإبقاء على الحلف الأطلسي وتوسيعه، فهي تعمد إلى زج أمريكا بحرب كبرى تضعف من مركزها العالمي لتتمكن من التأثير في السياسة العالمية.

والقوى السياسية في العالم الإسلامي باستثناء شعوبه والحركات الإسلامية المخلصة، لا تقوم على أسس مبدئية، فالحكام والأوساط السياسية والحركات السياسية غير المخلصة وغير الإسلامية، قد ارتكبت الأخطاء القاتلة، والمعيقة. وهذا الأمر يستلزم دوام خوض المعارك السياسية ضد القوى السياسية المعادية للإسلام على أسس مبدئية ووفق استراتيجيات هادفة، وبحركات مقصودة تعتمد على حسن فهم الإسلام وتنفيذه وحمل دعوته، وعلى الفكر المبدع، وعلى الحقائق التاريخية والفكرية والسياسية والقواعد الصلبة، فإلى المعارك السياسية ضد الكفار وأعوانهم من الحكام والحركات ندعوكم يا حملة الدعوة الإسلامية.

عبد الفتاح الشامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *