العدد 128 -

السنة الحادية عشرة – رمضان 1418 – كانون الثاني 1998م

المسلمون والغرب (10) الإسلام هو المنقذ

المسلمون والغرب  (10)

الإسلام هو المنقذ

بقلم: أحمد المحمود

والآن وبعد حشد هذا الكم من الأدلة، التي تدعو كلها إلى الاستمساك بالوحي كتاباً وسنة، والعض بالنواجذ على سنة الخلفاء الراشدين المهديين، وأن نكون على ما كان عليه الصحابة، واتباع صراط الله المستقيم، وإقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة تنهض بأمر الدين والدنيا… فما هو العمل المطلوب شرعاً لنحقق هذه العودة الحميدة إلى ما كان عليه سلفنا الصالح، وكيف نترجم ذلك على الأرض، وكيف نحوّل الأمة إلى خير أمة أُخْرِجت للناس تتبوأ مركز الصدارة بين الأمم من جديد،… أي كيف نجدد أمر ديننا.

إننا نرى كثيراً ممن يدعون العمل في الحقل الإسلامي، ويعملون على التجديد يستشهدون بمثل هذه الآيات والأحاديث ثم لا يحسنون صنعاً. فليست العبرة بالاستشهاد بمثل هذه الأدلة بل بكيفية الالتزام بها. وهذا يحتاج إلى تقرير طريقة اجتهاد شرعية منضبطة، ووضع طريقة عمل قائمة على الأدلة الشرعية بحيث تؤدي إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله، وإعادة الخلافة من جديد خلافة راشدة دون التأثر بالمصالح والظروف، ودون تحكّم العقل في التشريع. فنحن على مسافة 1418 سنة من الهجرة النبوية، مرّت فيها على المسلمين عهود أسيء فيها التطبيق، وفقدت عيون الكثير منهم الرؤية الصحيحة عندما تأثروا بالفلسفات الهندية والفارسية واليونانية، ووجدت تبعاً لذلك الفرق الإسلامية التي تأثرت بهذه الفلسفات وأخرى ترد عليها… وصارت المكتبة الإسلامية عامرة بالغث والسمين… فوجدت الآراء والأفهام المنضبطة والمتساهلة والقوية والضعيفة، المحكومة بالنصوص والمتحكمة فيها،… وكان في كل فترة، يقوم بين المسلمين علماء مخلصون واعون، يبعدون عن الدين ما علق به مما ليس منه، وكانوا يعالجون مشاكل زمانهم، ويفندون أدلة معارضيهم ويعملون على إعادة الأمور إلى نصابها ويضعون مركبة الإسلام على طريقها من جديد.

أما اليوم، فقد قامت أنظمة، تسمي نفسها إسلامية، وقامت حركات إسلامية، ووجد علماء مسلمون، وكلهم يريدون إخراج الأمة من مأزق غزو الثقافة الغربية والمبدأ الرأسمالي لها، والنهوض بها، والعودة بالأمور إلى أصلها على اعتبار أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. فراحوا يفتحون الكتب القديمة علهم يجدون فيها ما يعينهم على هذا الخروج، وتحقيق النهوض المنشود. وقد نسي هؤلاء أن علماءنا الأوائل حلوا المشكلات الحادثة حينها في زمانهم، والتي لم تعد مشكلات في زماننا ولا نحتاج إلى حلها. لذلك رأينا من الحركات الإسلامية اليوم من يريد أن يحيي ما اندثر من علم الكلام، وذلك بمناصرة رأي فرقة ومهاجمة آراء الفرق الأخرى، ما يتطلب عرض مجمل الآراء الكلامية. وكأن الأمة واقعة في مشكلة علم الكلام، ولا ينجيها من واقعها السيئ إلا مثل هذه الأبحاث. ورأينا كذلك حركات تتبنى تماماً عكس ما تبنته الحركات السابقة الذكر، وكأن الذي وزع الأدوار في ذلك معلم واحد. ورأينا كذلك حركات تتخذ من محاربة البدع محور عملها، وتحصر نظرتها في البدع الجزئية الصغيرة ضاربة صفحاً عن المنكرات الكبيرة التي تنتشر في الأمة، وأكبرها إقصاء حكم الله عن الأرض. ورأينا حركات إسلامية جامدة متشددة ضيقت على نفسها سبيل العمل وتريد أن تضيق على الأمة أيضاً. ورأينا حركات متساهلة متهاونة إلى أبعد الحدود، حتى لم يبق من الإسلام معها إلا اسمه، وسمحت لنفسها أن تؤول النصوص تأويلاً يبعدها عن الحق، ويقربها من الواقع الذي يسيطر عليه الغرب وتزعم أنها تريد إنهاض المسلمين وتجديد دينهم…

ورأينا علماء يهاجمون الغرب ويأخذون منه ما لا يجوز أخذه، وعلماء يدْعون صراحة إلى الأخذ من الغرب، وعلماء يفتون بمنابذة الحكام بالسيف على اعتبار أنهم لا يقيمون حكم الله، وعلماء ينكرون على المسلمين الخروج على هؤلاء الحكام باعتبارهم أولي الأمر، متنعمين بالقرب منهم وراضين بتبوّئهم لمناصب الإفتاء في بلادهم… كل هؤلاء العلماء وغيرهم من مثلهم يستشهدون بالآيات المارة الذكر والأحاديث، ويدّعون أنهم أمناء على الرسالة الإسلامية وغيورون على الأمة الإسلامية ويريدون إنهاضها من كبوتها.

ورأينا أنظمة تقول عن نفسها إنها إسلامية بينما تقوم علاقاتها على الأنظمة الرأسمالية، ولا تقوم على أحكام الإسلام إلا جزئياً،… وتختفي حول شعارات إسلامية تستغلها لتجميع الناس حولها، وتحقيق غاياتها اللاإسلامية عن طريقها، ورأينا أنظمة تدّعي أنها إسلامية وتقيم إلى جانبها حركات إسلامية تأخذ على عاتقها إشغال المسلمين بالأمور الشرعية الصغيرة وتكون رديفاً مساعداً للنظام حين تعطي صورة عنه أنه إسلامي… وكل هذه الأنظمة لم تتخذ من الإسلام أساساً للعلاقات الدولية ولا السياسة الخارجية ولا نظام الحكم، والنظام الاقتصادي، ولا سياسة التعليم، وتقوم تجارتها الخارجية على الربا، ولم تعلن الجهاد، وعلاقاتها الدولية تقوم بحسب شرعية الأمم المتحدة، ويكفيهم أن الحاكم، أو أعضاء في المجالس المنتَخَبة معممون، أو تقام عندهم بعض الشعائر الدينية المهمة، أو يقومون بإحياء مناسبات سنوية، تدعي في الخطب التي تقام فيها أنها معنية بقضايا المسلمين المهمة، كالقدس وفلسطين والبوسنة وكشمير… ثم نراها على أرض الواقع لا تقدم شيئاً يذكر، وإن قدمت فلأن أوامر أسيادهم من الدول الكبرى صدرت إليهم لا لأن الإسلام يطلب ذلك، فيكون عملهم ظاهره إسلامي وحقيقته غير ذلك…

لذلك كله، كان لا بد من وقفة هادئة ونظر ثاقب لنعرف حقيقة ما يجري، وحقيقة الأمراض التي تصيب الأمة، وليجري ربط المعالجات بالإسلام ربطاً صحيحاً لتكون نهضتنا إسلامية حقيقة لا ادعاءً. وكان لا بد من فقه بالواقع ثم بالأحكام حتى تعالج الواقع الذي نعيشه نحن، لا بالواقع الذي كان يعيشه غيرنا.

ويجب التذكير في هذا المقام أننا لسنا بصدد معالجة مشاكل آنية، بل إننا بصدد إيجاد مجتمع إسلامي تتم فيه معالجة مشاكل المسلمين معالجة جذرية، وبشكل تقوم فيه حياة المسلمين على الإسلام بشكل كامل، لينتهوا من المشاكل التي أوقعهم فيها تطبيق النظام الرأسمالي، ويعيشوا في ظل نظام إسلامي متكامل تكون الكلمة العليا فيه لله. لذلك يجب أن نتنبه أن لا يكون عملنا ردة فعل على الأوضاع المتردية، أو أن نعتبر أن مشكلة الأمة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو علمية فقط، بل إن عملنا هو فعل عبادة يقوم على سيادة أوامر الله، وجعل كلمة الله هي العليا في هذه الدنيا لنا ولغيرنا، لأننا نعتبر أن ما عندنا من خير من ربّنا يحتاج له العالم كله حتى يتخلص من مشاكله ويحيا حياة كريمة، وتبذل الدعوة فيها للناس أجمعين ليخرجوا من ضيق شهواتهم وأطماعهم إلى طمأنينة النفس، وسعة الدنيا والآخرة.

أما لماذا كان الإسلام هو المنقذ عند المسلمين للخلاص مما هم فيه ولم يكن الفكر الغربي نفسه والحياة الغربية نفسها؟ فإن ذلك يعود إلى الأوضاع القائمة في المنطقة والعالم كله، ويعود إلى حقيقة الفكر الغربي، وإلى حقيقة الإسلام نفسه.

ذلك أن ظلم الأنظمة الحالية، وسوء الأوضاع الاقتصادية، وتردي الحياة المعيشية، وتعقد مشاكل الحياة، وفساد الأخلاق، وانحطاط القيم… كلها أوجدت عند المسلمين التذمر، ودفعتهم إلى التفكير بتغيير الأوضاع القائمة. وهذا أيضاً يقوله الغرب حينما يصور أن توجه المسلمين نحو إسلامهم من جديد إنما هو ردة فعل على هذه الأوضاع وليس فعلاً أصيلاً. ولكننا نسأل الغرب نفسه: لماذا كان اختيار المسلمين للإسلام كمنقذ لهم من هذا الشقاء، ولم تكن حضارة الغرب نفسها التي يعرضها الغرب عليهم ويتفنن في عرضها، ويسخر لها أجهزته الدعوية الجبارة…؟

إن المسؤول الأول عن هذه الأوضاع البالغة السوء التي يعيشها المسلمون اليوم، هم الحكام المرتمون بأحضان الغرب، الموالون لسياسته، والخاضعون لإرادته، والمنفذون لأهدافه، ذلك الوحش الشرس الذي يقوم عمرانه على دمار الآخرين، الذي يغذي جسمه من دماء المقهورين والذي لم يبنِ جنّته المزعومة، التي ظاهرها الرحمة، وباطنها من قبله العذاب، إلا من استعباد الناس واستغلالهم واستعمارهم، ومص دمائهم، ونهب خيراتهم… فكيف يكون الدواءَ وهو الداء بعينه؟!!

ثم إن الغرب هو نفسه، وعلى أرضه، حيث يدّعي أنه يحيا برفاهية وغنى وكفاية…، يعيش تفككاً أسرياً وانحلالاً خلقياً، وانحطاطاً في القيم، وإغراقاً في الشهوات، واختلاطاً في الأنساب سببه زنى المحارم، ووفرة في الجرائم تدل على شذوذ خلقي وخواء روحيّ وقلق نفسيّ… إنه يعيش في بهيمية واضحة بحق نفسه وحيوانية شرسة بحق غيره،… وهذا ما جعل الإنسان الغربي يفكر بالتغيير، ويتلمس طريق الخروج مما هو فيه. ويشهد على ذلك المسلمون الذين يعيشون في بلاد الغرب الذين ذهبوا لتحصيل العلم والمعاش، فإنهم بغالبيتهم ملتزمين وغير ملتزمين، وحتى نستطيع أن نقول مسلمين وغير مسلمين، لا يفكرون بالبقاء هناك، رُغْمَ حصولهم على جنسيات تلك البلاد، ورغم التأمينات المادية لحياتهم، وذلك لما يوجد من خطر على مستقبل أولادهم الذين سيخسرونهم فيما لو بقوا هناك… ويشهد على ذلك أيضاً إقبال عدد كبير من الغربيين على الإسلام كمنقذٍ لهم مما هم فيه. فالغربي نفسه الآن يكتوي بنار تطبيق نظامه. فالأوضاع التي يشهدها الغرب اليوم فيها تقدمٌ هائل في العلوم والصناعات والعمران، وفراغ وضياع، وشقاء عند البشر. لقد عمر الغرب الحجر وخرب البشر، وصار الإنسان في الغرب عبداً للشهوة والآلة وصارت المادة أعلى منه… لذلك لم تكن حضارة الغرب صالحة لأهلها فكيف تكون صالحة لغيرهم؟!

ثم إن الغرب يقوده اليوم زعماء سياسيون جشعون، لا حد لمطامعهم، وتهون كل قيمة أمام مصالحهم، يقتلون العباد ويدمرون البلاد من أجل تجاراتهم وامتداد نفوذهم، وفتح الأسواق لمنتجاتهم، ثم هم يختبئون وراء زعماء أذناب يحكمون المسلمين ليغطوا بهم جرائمهم. ولو فكر الغربيّ بواقعه كمل يفكر المسلم اليوم لاتخذ من زعمائه الأعداء الأوائل له، لأن الغرب كما قسّم العالم إلى دول منتجة ودول مستهلكة، وحرم على الدول المستهلكة أن تنمو وتتقدم وتكتفي، لتبقى أسيرة له ومستهلكةً لمنتجاته كذلك، جعل في دوله المنتجة الناسَ قسمين: الرأسماليين الكبار الذين يوصلون إلى الحكم من يوصلهم إلى مصالحهم، والذين يرسمون سياسة البلاد وفق مصالحهم فقط، فيسخّرون سواد الناس الأعظم ليكونوا عمالاً في مصانعهم، وجنوداً في جيوش تلك البلاد، يتحركون فقط عندما تتهدد مصالحهم أو تتعرض للخطر، كما حدث في الخليج، فإن الجندي الأمريكي والأوروبي لم يأت للحفاظ على السلام العالمي أو للدفاع عن الدول الضعيفة كما ادَّعت تلك الدول بل جاء حفاظاً على مصالح الرأسماليين الكبار التي تهددت. وهذا ما صرّح به يومها زعيم الأقلية الجمهورية في الكونغرس الأمريكي بوب دول، والمرشح الرئاسي في أميركا عند الحزب الديمقراطي حين قال ما معناه: إن الكويت كلها لا تساوي حياة جندي أمريكي ولكن لأمريكا مصالح حيوية في المنطقة. وكذلك فقد قامت في أمريكا مظاهرات واحتجاجات ضد تورط بلادهم في حرب الخليج خوفاً من أن يصبح الخليج مقبرة لأبنائهم كما حدث في فيتنام، وفي هذه الاحتجاجات قالوا بأنهم لا يريدون أن يرسلوا أبناءهم ليموتوا من أجل مصالح الرأسماليين.

كذلك فإن الذي جعل الأمة تؤوب إلى دينها من جديد، وتختار الإسلام وتلفظ حضارة الغرب التي ابتلعتها ولكن لم تهضمها في يوم من الأيام، هو أنهم تذكروا أيامهم الخوالي وحكامهم السابقين، تذكروا أنهم يوم كانوا متمسكين بالإسلام كانوا خير أمة أخرجت للناس، وأنهم لم يتأخروا عن مقدمة الركب إلا يوم تخلوا عن الانقياد لأوامر الله في شؤون حياتهم كافة، وقارنوا بين أحكام الإسلام وما تحمله من رحمة وهداية، وبين تعاليم الغرب وما تفرضه من شقاء وغواية، فوجدوا البون شاسعاً.

لهذا كله لم يكن توجّه المسلمين لدينهم كي يكون منقذاً إلاّ عن وعي وتبصرة. وإن الأحداث تتوالى على المسلمين بشكل تجعلهم مهيئين لا ليعودوا بالإسلام إلى مسرح حياتهم الداخلية فقط، بل ليعودوا بالإسلام إلى مسرح العلاقات الدولية والسياسة العالمية. ذلك أن العالم كله، وأوله الغرب، بحاجة ماسة إلى الإسلام لينقذ نفسه مما يتردى فيه، بل قل مما أراده به الفكر الغربي والحضارة الغربية. هذا ما يدركه الغرب ويجن جنونه له، فيكيد للمسلمين كيداً عظيماً، ويمكر مكراً تزول منه الجبال. ولعله يتمخض عن كيدهم هذا وعي المسلمين على إسلامهم بشكل يجعلهم أهلاً لحمل الإسلام إلى العالم كله فيتحقق فينا وفيهم قول الله تعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا* وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا). ولعل مكرهم يجعل من المسلمين أصحاب قضية حارّة تهيئهم لأخذ دورهم في العالم من جديد: دعاة، هداة، رعاة لا جُباة ضالين مضلين. فيتحقق بذلك قوله تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ).

إن الغرب بتقدمه العلمي وبحضارته الغربية أثبت عملياً أنه يملك إهلاك البشر وتدميرهم، ولا يملك إحياءهم ولا إعمارهم، على خلاف الإسلام، الذي يعيد الإنسان في هذه الحياة، إلى مركزه الطبيعي سيداً على الأرض يقوم بما استخلفه الله عليه، ولا يجعل منه عبداً للدرهم والدينار، ولا للقطيفة والخميصة، ولا للأهواء والشهوات والمصالح، بل عبداً لله وحده، وهي أشرف حالة يكون فيها الإنسان. وإن ما يدّعيه الغرب من فكرة الحريات العامة، وهروبه من فكرة العبودية، فإنه في الحقيقة، وعلى عادته في التزييف والتزوير، مخادع ماكر يقف وراء خداعه ومكره شيطانٌ رجيم. ذلك أن فكرة الحريات تعني أن يكون الإنسان عبداً مطيعاً لرغباته الأنانية وشهواته الحيوانية ليس غير، فهي من باب إطلاق اللفظ وإرادة الضد.

إن الإسلام كمنقذ إن لم نحسن فهمه، ولم نحسن طرحه، فسنبقى أسارى الغرب، وسنبقى في قبضته يقلبنا كيف يشاء. فإدراكنا وإدراك الأمة بأن خلاصنا في ديننا لا ينجينا، ولكن معرفة كيف نطرح الإسلام الصحيح في هذا الواقع الذي نعيشه لا الواقع الذي كان يعيشه غيرنا، ووضع خطة عمل منضبطة بالأصول الشرعية وتقوم على فكر نقي صافٍ، واضح، مبلور، يأخذ بعين الاعتبار ما استجد من مشاكل فيجد لها الحلول، ويمنع نفسه من التأثر بالأفكار الباطلة الأخرى،… هو الذي ينقذ، فكيف السبيل إلى ذلك؟

المسلمون لم يتخلوْا في أي يوم عن دينهم، بل بقوا يكنون له كل محبة وولاء، ولكنهم فقدوا الثقة بأحكامه نتيجة غزو الغرب فكرياً وثقافياً لهم، عندما زين لهم ما عنده، وعندما قال لهم إن ما عنده هو من الإسلام، أو لا يخالف الإسلام، أو يوافق الإسلام، وإن سنّة التطور التي خلقها الله تسمح للمسلمين الاستفادة من غيرهم… ولكن المسلمين لمّا وجدوا أن ما وعدهم به شيطان الغرب لم يكن إلا سراباً وغروراً آبوا إلى ربهم، وهذه الأوبة يحاول الغرب أن لا يتركها تصل إلى مداها لأن في ذلك خرابَ بَصْرته. لذلك نراه يقحم نفسه في عملية التجديد.

من هنا فإننا لا نتوقع ولادة عمليّةِ التجديد إلا بعد مخاض عسير، وهي تحتاج إلى طبيب ولادة ماهر. ثم إن ولادة هذا المولود المنتظر وحياته هي بيد الله وحده. فإن نحن توكلنا عليه والتزمنا أوامره وقمنا بدور الطبيب التقي، النقي، الطاهر، فإن ربنا سيحقق لنا ما وعدنا به من الاستخلاف والتمكين وتبديل الأحوال، وإن نحن تنكبنا عن صـراطـه أو خالفنا أمره نكُنْ قد جنينا على أنفسنا وأمّتنا في الدنيا والآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *