العدد 129 -

السنة الحادية عشرة – شوال 1418 – شباط 1998م

كلمة الوعي: عيشة الذل في ظل أميركا، أم عيشة العز في ظل الخلافة؟!

في مثل هذه الأيام قبل 74 سنة (3/3/1924) هدم الكفار الخلافة على يد عميل الإنجليز مصطفى كمال اليهودي الأصل. ومنذ ذلك الحين فُرِط عقد الأمة الإسلامية، ومزّقها الكفار إلى عرقيات متعددة، وإقليميات متفرقة، كي يسهل عليهم الهيمنة عليها وإذلال شعوبها وأكل خيراتها. هذا ما حصل وما زال حاصلاً ويا للأسف.

في هذه الأيام السوداء تعربد أميركا على الأمة الإسلامية كما يحلو لها، وتجأر شعوب الأمة الإسلامية مستغيثة في العراق وفلسطين والجزائر والسودان والأفغان وفي كل مكان، ولكن لا جواب. فلا يوجد عمر ولا معتصم ولا صلاح الدين.

أما لهذا الذل والضعف من آخر، هل عقمت بطون النساء عن ولادة الأبطال، هل فقد المسلمون خصائص الكرامة التي تعلّموها من القرآن ومن محمد  صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟

نحن لسنا الآن في زمن الرثاء واللطم، بل نحن في طور البناء والإنقاذ للعودة إلى المركز الصحيح لهذه الأمة. إنها أمة كريمة ذات تاريخ حافل بالأمجاد والانتصارات، إنها أمة ذات رسالة إلهية عالمية، إنها خير أمّة أُخرِجتْ للناس. وستعود بإذن الله قريباً لتتبوّأ مقعدها الذي هيّأها الله لاقتعاده.

إن الحقبة التي نعيشها الآن هي حقبة أميركا وحلفائها الكفّار المستعمرين. أميركا وحلفاؤها يغلبوننا ليس بقوّتهم بل بضعف حكامنا وهروبهم من مواقف الرجولة والعز إلى سُرُر اللذات والشهوات وفتات الموائد التي يمنّ بها عليهم أسيادهم الكفار.

أميركا ما كانت لتحشد أساطيلها في منطقة الخليج لو لم تكن قد ضمنت تحصيل نفقات هذه الحشود. وما كانت لتجلب قواتها لو لم يؤمّن لها حكام المسلمين التسهيلات والقواعد والمؤن.

في عدوان أميركا وحلفائها على العراق سنة 1991 حصلت أميركا أضعاف ما أنفقته، وما زالت السعودية والكويت وبقية دول الخليج مكسورة تحت الديون لأميركا حتى الآن. والآن قال بعض المراقبين: هل يُعقَل أن تمتنع أميركا عن ضرب العراق بعد أن حشدت هذه الحشود وتحمّلت هذه التكاليف؟ ولكن ألا يعلم مثل هذا المراقب أن أميركا تضرب عدة عصافير بحجر واحد: أولاً هي تدرّب جيشها في مناورات حيّة على حساب غيرها، وهي تفرض هيمنتها على المنطقة بحجة حمايتها، وهي تمنّ على حكام المنطقة أنها لولا حمايتها لخسروا عروشهم، وهي تمنّ على العالم بأنها حامية للشرعة الدولية، وهي تعرض عضلاتها لتظهر أنها تقدر على كل شيء، وهي تقول لشعبها بأنها تعمل كل ذلك من أجل مصالحها الوطنية، وهي تجرب أسلحتها الحديثة في شعوب تعتبر أن عندها فائضاً في العدد. وفوق ذلك هي تتاجر وتحصّل أضعاف النفقات التي تدفعها.

لو أن حكام السعودية رفضوا القواعد الأميركية، ورفضوا استقبال القوات الأميركية (وحلفائها) في أرضهم ومياههم وأجوائهم، ورفضوا مدها بالمؤن والتسهيلات، ورفضوا دفع أي قرش من نفقات القوات الأميركية. ولو أن حكام الكويت وبقية الخليج تصرفوا التصرّف نفسه، ولو أن حكام تركيا ألغوا قواعد أميركا، ومنعوا قوات أميركا من استعمال أرضهم ومياههم وأجوائهم. ولو أن حكام مصر وحكام الأردن منعوا أيضاً قوات أميركا من استعمال أرضهم ومياههم وأجوائهم. ولو أن كل بلد إسلامي يطرد قواعد أميركا وحلفائها ويمنع قواتهم من استخدام أرضه ومياهه وأجوائه…  فهل كانت أميركا تُقْدِم على الغطرسة والعربدة التي تقدم عليها الآن؟

لو أن هؤلاء الحكام ومعهم بقية حكام البلاد الإسلامية وقفوا وقفة عزّ، وقالوا لأميركا نحن لا نريد وجود دولة إسرائيل التي زرعتموها خنجراً في صدرنا، فإما أن تزيلي إسرائيل، وإمّا أن نقاطع مصالحك والتعامل معك… فهل تعادي أميركا عند ذلك أكثر من مليار وثلث من المسلمين لإرضاء حفنة من اليهود الغاصبين؟

لو أن مُصَدِّري النفط المسلمين اتفقوا على تخفيض الإنتاج وزيادة السعر إلى الحدّ الذي يتناسب مع مصلحتهم، أليست عندئذٍ ترضخ أميركا والدول الصناعية الكبرى المحتاجة إلى هذا النفط للسعر الذي يطلبه المسلمون؟

لو أن حكام المسلمين (المليار والثلث) اتفقوا فيما بينهم على التكامل الاقتصادي والاكتفاء الذاتي، وتصفية الشركات والمؤسسات الأمريكية والغربية، بحيث لا تظل البلاد الإسلامية سوقاً استهلاكية للمنتوجات الأميركية والغربية… فهل يبقى الاقتصاد الأميركي والغربي مزدهراً كما هو الآن، وهل يبقى الشعب الأميركي ينظر إلينا وكأننا مجرد مزرعة أغنام ودواب عنده؟

لو أن حكام المسلمين (المليار وثلث) اتفقوا على إنشاء الصناعات الثقيلة في بلادهم، خاصة أنهم يملكون العقول العلمية والخبرة التكنولوجية (الموزعة في أنحاء العالم الصناعي)، ويملكون الأموال واليد العاملة، ويملكون كل المواد الخام، ويملكون أكبر سوق للتصريف، واستغنوا عن استيراد الأسلحة والطائرات والسيارات والآلات والأدوية والأغذية والألبسة… فأين يصبح الاقتصاد الأميركي والغربي، وكيف ستعيش شعوبهم التي تعودت على الاستهلاك والإسراف والترف والرفاهية على حساب فقر وشقاء شعوب البلاد الإسلامية.

رُبَّ قائل يقول: أنت تبني فرضيات على كلمة (لو) التي لا يمكن تحقيقها. وأجيب بأن تحقيقها أقرب، بعون الله وتوفيقه، مما يظنه أشد المتفائلين. نعم، لا يمكن أن يقوم حكام السعودية أو تركيا أو مصر أو الأردن أو غيرهم من الحكام الحاليين ليقفوا وقفة العز المذكورة في وجه أميركا وحلفائها، لأن هؤلاء الحكام هم من صنع أميركا أو غيرها من دول الغرب. وكذلك لا يمكن أن يقوم الحكام الحاليون المصدرون للنفط بفرض سعر مناسب لهم، ولا يمكن أن يقوم حكام المسلمين الحاليين بإنشاء صناعات ثقيلة وتكامل اقتصادي، وتصفية للاستعمار الغربي لأنهم صنائع وأدوات لهذا الاستعمار يدينون له ببقائهم في مراكزهم .

إن الذي يوحد رأي المسلمين اليوم ويوحد موقفهم السياسي هو قيام الخلافة. الخلافة الإسلامية التي تطرد الحكام الأذناب الذين أفقروا شعوبهم وأذلوها للكفار. الخلافة الإسلامية الراشدة التي يرتفع مع قيامها قوله تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) وتتهاوى مع قيامها عروش الباطل، عروش العملاء، التي يظنونها قوية، وهي في الحقيقة أوهى من بيت العنكبوت: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *