العدد 149 -

السنة الثالثة عشرة – جمادى الآخرة 1420هـ – تشرين الأول 1999م

قصيدة زائفة … إلـى شهيد حقيقي

          .. ويستمر تدفُّق الأبطال باتِّجاه معاقل الحكام الكفار في أوزبيكستان.

          إن الكتلة الواعية لن تتراجع، ودم الشهادة الزكي لن ينضب حتى تنتصر الأمة ويُكتَبَ لها الاستعلاء والتمكين، ويُفتَحَ لها طريق العزة.

          بالأمس رثيت عمر علييف، واليوم أستحْضر الكلمات لرثاء أخيه فرهود عثمانوف، فأجدها هزيلة أمام البطولة، ووقفة الكبرياء، وجلال التضحية، وعَبَق الشهادة.

          أيها الشهيد .. عذراً لتطفّلي، فما أردْتُ أن أرفعك في هذا الرثاء فبحسبك الشهادة، وإنما أردت يائساً أن أرفع الشعر من حضيض رَصْفِ الحروف إلى أُفُق الكفاح العنيد.

قصيدة زائفة .. إلـى شهيد حقيقيّ

تبّاً لأشعاري وللأقلامِ
أَلقُوا المحابرَ في بعيدِ مقابرٍ
غُصَصُ المذلَّةِ صادرَتْ أُكْذُوبَتي
ونَفَيْتُ أبياتي لـجُرْمٍ شائنٍ(1)
ماذا فعلتِ، قصائدي، يا كثرةً
إنْ لمْ يكنْ فيكِ انقلابٌ عاجلٌ
اليومَ حقَّرْتُ الكلامَ وأَهْلَهُ
سنواتُ عُمري مَزَّقَتْها أحرُفٌ
تُـبَّاً، لوِ الصدقُ اهتدى لقصيدةٍ
ولقُطِّعَتْ منّي الأناملُ كلُّها
اليومَ تفضحُني الحقيقةُ أشرَقَتْ

«فرْهودُ عثمانوفُ» يا لكَ منْ فتىً
آمـنْــتَ
بالـقــرآنِ مَـنْــهَــجَ عِـــزّةٍ


وصَبَرْتَ نفسَكَ والدّعاةَ مِنَ الأُلى
فاستفسَرَ السلطانُ منْ فُقَهائِهِ
فإذا الهداةُ عصابةٌ مدسوسةٌ

ساقوكَ للتحقيقِ! تلكَ وقاحةٌ
قالوا:«اعتذِرْ، يُطْلَقْ سراحُكَ هانئاً»
وأبَيْتَ إلاّ صرخَةً في عزْمِها
«لا صُلْحَ
عِندي لا اعتذارَ، ولا وَنَى
قالوا:«سنمنعُ
عنكَ أهلَكَ، مُتْ أسىً»
«لنْ تقتلوني، بلْ سيَقتلُ مَكْرَكُمْ
«لنْ تقتلوني، فالحقيقةُ أُزْلِفَتْ،(5)
«لنْ تقتلوني، أُمَّتي أحْيَيْتُها،
«لنْ تقتلوني، فِكْرَتي أرسيْتُها،
«ديني أبيعُ حُطامَكُمْ، وأصونُهُ،
«وأُناصِبُ الكفرَ العداءَ لنَشْرِهِ
«وأُدَمِّرُ الساعينَ في تشويهِهِ

ماتَ الفقيدُ بنوبةٍ قلبيةٍ
وقميصُ (عثمانَ) استحالَ فُجاءَةً
قالوا:« ادفنوهُ والرعيَّةُ نُوَّمٌ
لمْ يعلموا أنَّ الرعيَّةَ لمْ تَنَمْ
وَتَـجَــمَّــعَ الآلافُ
قـلـبــاً واحـــداً


هذي الجموعُ مَشُوقَةٌ لخليفةٍ
خَرَقَتْ جدارَ الخَوْفِ رُغْمَ عُتُوِّهِ
وتَبَرَّأَتْ منْ حاكمٍ لم يستجبْ
ومِنَ العجائبِ أنَّ أُمَّكَ ما انْتَقتْ

مهما اعتقلتمْ فالجنازةُ شُيِّعَتْ
وتَتَابَعَ الخطباءُ، في كلماتهمْ
وغداً .. أيجرؤُ أنْ يُشَيِّعَ واحدٌ

أَهدرْتُ دمعي في الليالي أحرفاً
ذَوَّبْتُ إحساسي وفَيْضَ خواطري
يا شعرُ شئْتُكَ ثورةً جـبَّارةً
وأردْتُكَ البُرْكانَ يُحْرِقُ كفرَهُمْ
حاولتَ إيقادَ الشموعَ، ومنْ رأى
حاولتَ إسقاطَ العروشِ، وهل
هوى
فلأَجْعَلَنْ حبرَ القصائِدِ منْ دمِي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

| | |

 

 

 

 

 

 

| | |

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

| | |

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

| | |

 

 

 

 

| | |

 

 

 

 

 

 

والويلُ للكلماتِ منْ إجرامِي
أو فَلْتَعِدْ بالكَفِّ عنْ إيلامِي
فتركْتُ نَظْمَ الشِعْرِ في الأوهامِ
وإذا عَدَلْتُ أَمَرْتُ بالإعدامِ
كغُثاءِ سَيْلٍ أو كنهرٍ طامِي(2) فلأُحْرِقَنَّكِ يا ابنةَ الأحلامِ.
فدمُ الشهيدِ أجلُّ منْ أنغامِي
وحَسِبْتُ فيها صادقَ الإِلهامِ
لسُجِنْتُ أو شُرِّدْتُ من أعوامِ
ورُمِيتُ حيثُ سَواحِقُ الأَقدامِ
في أُزْبَكيٍّ شامخٍ مِقْدامِ!

ألقى المخافةَ من أذىً وحِمامِ(3)
وبـدولــــةٍ
قُـدْسِــيّـــــةِ الأحـكــامِ


لم يعرفوا في اللهِ خَوْفَ مَلامِ
قالوا: «خوارجُ كذَّبُوا بإِمامِ!»
وإذا الطغاةُ أئمّةُ الإسلامِ!!

فالحقُّ يُنْكِرُ زُمْرَةَ الظُّلاَّمِ
فأبَيْتَ ما في عِيشةِ الأغنامِ
ذكرى «صلاحِ
الدينِ» و«القسّامِ»:
أوْ تُعلِنُوا للهِ ذُلَّ الهامِ»(4)
فَأَجبْتَ: «مَوْتي في يدِ العَلاّمِ»
صبحُ العقيدةِ دافقَ الأنسامِ»
بُعِثَتْ، فقامتْ في أعزِّ قيامِ»
ولسوفَ تَهْدِمُ مَعْبَدَ الأقزامِ»
ولسوفَ تَقْصِمُ كاهلَ الآثامِ»
فلتَحْطِموا، يا أقوياءُ، عظامِي»
فلتَعْبَثُوا بجماجمِ الأخصامِ»
فلتَحْفِروا وجهي بكلِّ حُسامِ»

لا بالخناجرِِ .. حاشَ للأقسامِ! (6)
لقميصِ (يوسفَ) فاذْرِفوا بِسِجامِ(7) خوفَ الحشودِ وضجّةِ الإعلامِ»
وتَيَقَّظَتْ لخديعةِ الحُكَّامِ
في نَـبْـضِــهِ الجـيّـاشِ
وَشْـك صِــدامِ


يَستعرضُ الأجنادَ في إعظامِ
وحصارِهِ المضروبِ في إِحكامِ
إلاّ لأمرِ القِسِّ والحاخامِ
لابنِ اليهودِ(8) اسماً سوى «إسلام»!

والذِبْحُ أُودِعَ قَبْرَهُ بسلامِ
بعثُ التحدّي في دمِ الأقوامِ
جثمانَ دولةِ مُنْكَرٍ وحَرامِ؟

وسجنْتُ رُوحي في خيوطِ كلامِي
فإذا بألفاظي تخونُ مَرامِي
تَسْتَأْصِلُ الطاغوتَ في إقدامِ
ويُطَهِّرُ الأكوانَ منْ أصنامِ
شِعراً يُحَطِّمُ غطْرَساتِ ظَلامِ؟  خوفاً منَ الأشعارِ ماءُ غَمامِ؟
ولأَكـتُـبَــنَّ
بأَعْـظُـمــي وحُـطـامِــي

أيمن القادري

18/7/99

شرح بعض المفردات:

 

(1) شائن: مَعيب.  (2) غثاء: زَبَد – طامي: مرتفع المياه.  (3) حِمام: موت.  (4) ونى: فُتور، ضَعْف – الهام: الرؤوس.  (5) أزلفت: قُرِّبَتْ.  (6) الأقسام: أقسام الشرطة حيث تم تعذيبه وقتله، رحمه الله.  (7) السجام: انهمار الدموع.  (8) «إسلام كريموف» رئيس النظام في أوزبيكستان أمه يهودية، واليهود ينتسبون إلى أمهاتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *