العدد 273 -

العدد 273 – السنة الرابعة والعشرون، شوال 1430 هـ، الموافق تشرين الأول 2009م

تركستان الشرقية وخلفية المجازر التي لا تتوقف بحق المسلمين فيها

تركستان الشرقية وخلفية المجازر التي لا تتوقف بحق المسلمين فيها

 

أبو عمرو محمود – باكستان

تركستان الشرقية بلد إسلامي محتل من قبل الصين، حالها كحال فلسطين المحتلة من قبل يهود، والشيشان من قبل الروس، فقد احتلت الصين تركستان الشرقية عام 1949م وأسمتها إقليم ” شينغيانغ” الذي يعني “الأرض الجديدة”. وتطالعنا الأنباء بشكل دائم عن المجازر بحق المسلمين في هذا البلد المسلم برصاص قوات الاحتلال الصيني من أجل إخضاع هذا الإقليم الذي كان ولقرون طويلة جزءاً من الدولة الإسلامية. وهذا المقال يسلط الأضواء على حقيقة ما يحدث لإخواننا في ذلك البلد؟ ويكشف خلفية هذه المجازر التي لا تتوقف بحق المسلمين فيه.

=================================================================

وصول الإسلام إلى تركستان الشرقية

بعد أن انتهى المسلمون من فتح بلاد فارس وخراسان، قاموا بأربع محاولات لفتح تركستان الغربية حتى تمكنوا من فتحها سنة 94هـ، ثم اتجه جيش المسلمين تحت قيادة قتيبة بن مسلم الباهلي نحو الشرق حتى وصل إلى كاشغر عاصمة تركستان الشرقية وفتحها سنة 95هـ. وفي نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي الأول في القرن الثالث الهجري وفي سنة 232هـ دخل الخاقان سلطان ستوق بغراخان (مؤسس الدولة القارا خانية) في الإسلام وتبعه أبناؤه وكبار رجال الدولة. ومنذ ذلك اليوم ساد الإسلام تلك البلاد، وتمت ترجمة القرآن الكريم، وأُقيمت المساجد بدلاً من المعابد، وتم بناء 300 مسجد في مدينة كاشغر وحدها، وهكذا أنعم الله سبحانه وتعالى على تركستان الشرقية وأهلها بنعمة الإسلام. وكان مئات الطلبة المسلمين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي يأتون إلى كاشغر لدراسة الإسلام.

ومنذ ذلك الحين أصبح سكان تركستان الشرقية مسلمين، وبقيت تركستان بلداً إسلامياً، وجزءاً لا يتجزأ من العالم الإسلامي.

احتلال تركستان من قبل الصين

وقعت بين المسلمين في تركستان وبين حكام منجو الصينية معارك دامية عام 1759م راح ضحيتها أكثر من مليون مسلم، ومن ثم فرض حكام منجو سيطرتهم على تركستان الشرقية حتى عام 1862م، وقد شهدت تلك الفترة مقاومة شديدة من شعب تركستان الشرقية ضد احتلال المنجو، وفي آخر مواجهة عام 1863م نجح الشعب التركي المسلم في طرد حكام منجو من بلدهم وأقاموا دولة مستقلة تحت زعامة يعقوب بك الذي استمر حكمه 16 عاماً، ولكن نظراً للتوسع الروسي خلال عهد التسارست فقد خاف البريطانيون من وقوع تركستان الشرقية تحت الاحتلال الروسي فقدموا الدعم والأموال لحكام منجو الصينية لاحتلال تركستان الشرقية مرة ثانية، وتمكنت الجيوش الصينية الضخمة من احتلاها مرة أخرى في عام 1876م، ومنذ ذلك التاريخ تم تسمية تركستان الشرقية باسم شينغيانغ. وفي 18/11/1884م تم ضمها داخل حدود إمبراطورية المنجو وأصبحت تابعة لها.

وبعد تولي الحكومة الشيوعية الصينية مقاليد السلطة في الصين عام 1911م، حاول شعب تركستان الشرقية التحرر من الاحتلال الصيني فقاموا بعدة ثورات ونجحوا مرتين، الأولى في عام 1933م والثانية في عام 1944م حيث تمكنوا من إقامة دولة مستقلة في تركستان الشرقية، إلا أن تلك الدولة المستقلة لم يُكتب لها الاستمرار حيث إن موسكو لم تتردد في كلا المرتين في إرسال قواتها البرية والجوية والقيام بكل ما من شأنه القضاء على هذه الجمهورية الفتية لأنهم كانوا يعرفون أن تركستان الشرقية ستشكل دعماً لشقيقتها تركستان الغربية في آسيا الوسطى في كفاحها للتخلص من ربقة الاستعمار الشيوعي.

الحكم الشيوعي

بدأت الصين لاحتلال تركستان الشرقية وفرض سيطرتها عليها بمذابح رهيبة -تماماً كما فعل الاتحاد السوفياتي في الشيشان- فقامت بمجازر دموية فظيعة، وهرعت إلى بعض الترتيبات لإزالة الإسلام من النفوس ومواصلة حكمها للبلاد، ومارست أبشع أنواع الظلم والاضطهاد، وقسمت البلاد إلى 450 كوميوناً (معسكراً للعمل الإجباري) ليعمل فيها العمال والفلاحون المسلمون الذين يشكلون 98% من السكان، وقد مات الكثيرون في هذه المعسكرات، وألغيت الملكية الخاصة، وصودرت كل ثروات المسلمين بما في ذلك حلي النساء، وجعل طعام الناس جماعياً، ومُنع الطبخ في البيوت، وتم تفريق الأزواج بحجة أنّ فيه مضيعة للوقت، وكان يُعطى للمتزوج للقاء زوجته عدة دقائق بعد كل أسبوعين، وكانت تُمنح المرأة إجازة لثلاثة أيام فقط للولادة.

 ومن الممارسات التي قام بها الشيوعيون ضد المسلمين في تركستان:

 1- الإعلان رسمياً بأنّ الإسلام مخالف للقانون، ويُعاقب كل من يعمل به.

2- منعوا تعليم الدين وإقامة العبادات وبدؤوا بتدريس الإلحاد في المدارس.

3- أغلقوا أكثر من 28 ألف مسجد و18 ألف مدرسة إسلامية، واستخدموا المباني الإسلامية مثل المساجد والمدارس في أعمال تتنافى مع قيم الإسلام.

4- تفتيش كل البيوت وجمع أكثر من 730 ألف من الكتب الدينية والمخطوطات الإسلامية، وإجبار العلماء على إحراقها في الميادين العامة.

5- إلصاق الملصقات واليافطات المعادية للدين الإسلامي على جدران كل المدن والقرى، فكان مما كُتب على تلك الملصقات واليافطات (الدين الإسلامي أفيون)، (الإسلام في خدمة الاستعمار)، (الإسلام اختراع لأغنياء العرب)، (الإسلام ضد العلم(.

6- كان حظ المرأة في تركستان الشرقية من هذه السياسة الإجرامية كبيراً، فقد أجبروها على أن تقص شعرها، ومنعوها من تغطية رأسها. وفرضوا عليها أن ترتدي القصير من الملابس وإلا تعرضت للاعتقال.

نتيجة لتلك الممارسات، وحتى يدافع المسلمون عن أنفسهم ويحافظوا على دينهم، قاموا بـ 45 ثورة ضد الشيوعيين في الفترة من عام 1949م إلى 1968 م. أُعدم فيها ما يقارب 360 ألف مسلم من تركستان الشرقية من الذين وقفوا في وجه الشيوعيين للدفاع عن حقوقهم الشرعية. بينما فر أكثر من 200 ألف مسلم إلى الدول المجاورة، واعتقل ونقل 500 ألف إلى 19 معسكراً للأشغال الشاقة في تركستان الشرقية.

وقد تحدثت جريدة إبراس الأندونيسية عن سقوط 75 ألف شهيد من المسلمين الأتراك في مدينة كاشغر في عام 1966م في مذبحة رهيبة أرتكبها المحتل أثناء استقبال المسلمين لشهر رمضان.

ومن الإجراءات التي تم اتخاذها منذ تاريخ 16 سبتمبر 1990 م ما يلي:

1- إجبار جميع العلماء المسلمين على حمل تصاريح رسمية تُمنح لهم على ضوء تقارير الجهات الأمنية التي تظهر مدى تعاونهم ومؤازرتهم لرجال السلطة والحزب الشيوعي، وتُجدد لهم هذه التصاريح سنوياً بحسب التقارير التي تُرفع عنهم.

2- إرسال الأئمة والعلماء إلى معسكرات عمل لإعادة تأهيلهم وفق المبادئ الشيوعية وتعاليم السلطات الصينية في التعامل مع شؤون المسلمين الدينية والاجتماعية.

3- استدعاء العلماء والأئمة إلى المراكز الأمنية والمباحث وإجبارهم على توقيع تعهدات بالامتناع عن تعليم أبناء المسلمين أحكام دينهم الحنيف في المنازل أو في المساجد.

4- الاكتفاء بالمساجد القائمة بحجة أنها كثيرة وأنها تسبب إزعاجاً لسكان الأحياء الجديدة، وحظر استخدام مكبرات الصوت إلا في المساجد الرئيسية في المدن المفتوحة التي يتردد إليها السياح الأجانب، وأن يكون استخدامها في صلاة العيدين وصلاة الجمعة فقط. وقد أدت هذه الإجراءات إلى إيقاف بناء 235 مسجداً وإغلاق خمسين مدرسة في كاشغر وحدها.

ومن الجدير بالذكر هنا أن تعامل الاحتلال الصيني مع المسلمين مغاير عن تعامله مع باقي الأقاليم الصينية لأن المسلمين التركستانيين يختلفون في ثقافتهم ولغتهم عن غيرهم، ولا يشعرون بالانتماء إلى الصين، لذلك يتعرضون لشتى أساليب القمع والاضطهاد بهدف الإذابة والاستئصال.

وإذا ما دققنا في الثورات التي قام بها شعب تركستان الشرقية نجد أنّ الدافع لهم هو التمسك بدينهم وهويتهم. ولازال شعب تركستان الشرقية يقدم الشهداء، فثوراته الجماعية تقوم بين الحين والآخر ولكن مع الأسف الشديد أنباء الكفاح لم تصل بعد إلى معتصم في العالم الإسلامي.

الموقع الجغرافي لتركستان الشرقية

تقع تركستان الشرقية وسط آسيا الوسطى، ويحدها من الجنوب إقليم التبت، ومن الجنوب الشرقي إقليم كينغاي وإقليم غانسو، ومن الشرق منغوليا، ومن الشمال روسيا، ومن الغرب كزاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان وجزء من إقليم كشمير الواقع تحت الاحتلال الهندي.

عاصمة تركستان الشرقية هي كاشغر ومساحتها 1626000 كيلومتر مربع ما يجعلها أكبر من الأقاليم الصينية الخمسة، وتمتد حدوده على طول 5400 كيلومتر.

يبلغ عدد سكان الإقليم حسب أرقام الحكومة الصينية حوالي 21 مليون نسمة، منهم 11 مليوناً من المسلمين، إلا أنّ هناك جهات مستقلة قدرت تعداد السكان من الأصل التركي المسلم بـ25 مليون نسمة ينتمون إلى عرق الإيغور وبعض الأقليات وهي الكزخ والقرغيز والتتر والأوزبك والطاجيك . واللغة التركستانية هي اللغة التركية بلهجاتها المختلفة وتستعمل الحروف العربية في الكتابة.

ثروات البلد والحالة الاقتصادية

على الرغم من الثروات الطبيعية الغنية التي تزخر بها أراضي تركستان الشرقية إلا أنّ الشعب التركي المسلم يعيش فيها في مستوى اقتصادي سيئ جداً، ويعيش أكثر من 80 % منهم دون مستوى خط الفقر، حيث يبلغ الدخل السنوي للفرد ما يعادل 50 دولاراً أميركياً، وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يسمح للشعب التركي المسلم بالعمل في التجارة إنما وضع بهدف إبعاد أبناء تركستان الشرقية عن شغل الوظائف المكتبية. فالأولوية في الأعمال التجارية الخاصة كانت للصينيين الذين عمهم الرخاء سريعاً، فالصينيون لم يحتكروا المناصب الرسمية من السلطة والنفوذ فحسب، بل إنّ المراكز الهامة في معظم القطاعات من نصيبهم بالإضافة إلى المواقع الحساسة في شتى المجالات. ومن بين 200 ألف عامل في مجال الصناعة في العاصمة لا يتعدى عدد المسلمين 10% منهم. وفي مصنع للتركتورات مثلاً قرب العاصمة فمن بين 2100 عامل يوجد 13 عاملاً فقط من المسلمين.

كما أنه لا توجد هناك بطالة بين الصينيين في تركستان الشرقية بعكس المسلمين الأتراك الذين ترتفع لديهم نسبة البطالة بصورة كبيرة جداً. وبإغراق تركستان الشرقية بالمهاجرين الصينيين وتوطينهم في أماكن سكن وعمل أهل البلد الأصليين أدى ذلك إلى انتشار البطالة بينهم و تقلص الفرص التعليمية لهم.

النشاطات الإسلامية السرية

لا يوجد في تركستان الشرقية عالم مسلم إلا وسجن على الأقل عشر سنوات، ويزيد عدد العلماء الذين اعتقلوا عن 54 ألف، وكثير منهم عذبوا وماتوا في السجون. والعلماء عندما أطلق سراحهم من السجون أيقنوا بأن السلطات الشيوعية لن تسمح لهم بتدريس العلوم الإسلامية علناً، فبذلوا جهودهم وفتحوا المدارس السرية، وهناك الآن مئات المدارس التي تعلم آلاف الطلاب والطالبات، ومئات الطلاب منهم قد حفظوا القرآن الكريم. ولكن هؤلاء الطلاب يدرسون وهم جالسون على التراب الأبيض لسوء أوضاع المسلمين اقتصادياً، ولا يأكلون طعاماً مطبوخاً إلا مرة واحدة بعد كل ثلاثة أيام، وهؤلاء الطلاب يدخلون المدارس والتي هي عبارة عن بيوت الأشخاص في القرى، يدخلون حاملين معهم قوتهم الذي يكفيهم لمدة أسبوعين، وهو عبارة عن خبز جاف فقط، والأستاذ كذلك، ولا يخرج أحد من باب المدرسة (البيت) لخمسة عشر يوماً كاملاً، لا الأستاذ ولا الطالب. وحتى جيرانهم لا يعرفون شيئاً عنهم لأنهم لا يجاهرون بأصواتهم خوفا من الحكومة.

ولا يوجد هناك أية حركة إسلامية مسجلة رسمياً، بل الحركات الإسلامية كلها سرية، ومع الأسف الشديد بعض الهيئات والجمعيات الإسلامية في العالم إذا أرادت مساعدة المسلمين في الصين يأتون بمبالغ كبيرة من أموال المسلمين فيضعونها أمام الجمعية الإسلامية الصينية التي هي جهاز حكومي ينفذ سياسة الدولة الشيوعية ويراقب الأنشطة الإسلامية.

وفي الختام، يبدو أنّ الأمة الإسلامية قد أرهقتها المشكلات بعد أن تكاثرت عليها المحن.. فتناسى المسلمون العديد من القضايا المهمة. ومن القضايا التي تناساها المسلمون قضية شعب تركستان الشرقية المسلم، فتاهت وضاعت وسط الكيان الصيني. إلا أنّ قضية تركستان الشرقية ومعاناة أهلنا فيها لا تقل عن قضية ومأساة أهلنا في البلدان الإسلامية الأخرى المحتلة من مثل فلسطين والشيشان وكشمير وغيرها، وما اتهام الرئيس الصيني لربيعة قدير بالوقوف وراء الأحداث الأخيرة إلا محاولة لتقزيم قضية تركستان الشرقية واختزالها بشخصية معارضة صينية.

إن نصرة إخواننا في تركستان الشرقية فرض على الأمة الإسلامية، وإن إنقاذهم مما هم فيه لا يكون إلا عبر إقامة دولة الخلافة الإسلامية التي ستجدد حملات قتيبة الباهلي فتحررها من إلحاد الشيوعية الصينية وتضمها لحضن أمها الرؤوم، الخلافة الإسلامية القادمة قريباً جداً بإذن العزيز الجبار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *