العدد 198 -

السنة السابعة عشرة – رجب 1424هـ – أيلول 2003م

كلمة الوعي: مستقبل بوش الانتخابي مهدّد… فهل ينقذه حكام المسلمين؟!

لقد وصـل الصـلف الأميركي حدّه الأعلى، حين قال بوش «في وقتٍ ما، قد نكون وحيدين، فأنا مستعدٌّ لهذا، نحن أميركا». بل إن الجشع أعمى بصيرتها، فجعلها لا ترى إلا المكاسب، ولا تأبه للتحذيرات من أنها ستقع في فيتنام جديدة. لقد وثقت بقوتها إلى الحدّ الذي جعلها تفكّر أنها الدولة الأعظم، ولا توجد دولةٌ تجرؤ على مواجهتها؛ لذلك لم يهمّها كثيراً، أن لا يوافق مجلس الأمن، على قرار الحرب ضد العراق.

  ولما تمّ احتلال العراق، ووُثّق هذا الاحتلال بقرارٍ دوليٍّ من الأمم المتحدة، وأرادت أميركا ترتيب أوضاعه، وجني الثمار، بعد أن سارت على طريقة (أهدم ثم أبني) ، ولها في الهدم مصلحة، وفي البناء مصلحةٌ أكبر، راحت تتعامل مع المسلمين باستعلاءٍ وكرهٍ وحقدٍ صليبي، حيث سارت على طريقة اليهود، في التعامل مع المسلمين، حتى صارت المشاهد التي ترى في فلسطين والعراق متشابهة، تتكرّر صباح مساء… ولكن ما لم تحسبه أميركا، لأنه غير موجود في عقيدتها، وأعماها عنه صلفها، هو أن المسلمين أعزاء، لا يقبلون الدنية في دينهم، فها هي فلسطين التي مرّ، على احتلال اليهود لها، خمسٌ وخمسون سنة، لم تستقر لهم الأمور فيها بالرغم من التأييد العالمي لهم، بالرغم من خيانة الأنظمة التي تحكم المسلمين وتشكيلها سياجاً لحمايتهم، ولن تستقر ما دام الإسلام في النفوس يكبر ويعظم. لقد لاقت أميركا في العراق مقاومةً غير محسوبة، ووجدت تعاطفاً كبيراً من المسلمين معها، فتعاملت بقسوةٍ بالغةٍ مع الجميع علّها تكسر شوكتهم، فازدادت تلك المقاومة شراسةً، حتى أصبحت مقلقة لأميركا، ومكلفة ومرهقة. وصارت تهدد مستقبل بوش الانتخابي. فالجنود الأميركيون في العراق يصرّحون بأنهم خدعوا من قبل قياداتهم، التي صوّرت لهم أن الذهاب إلى العراق سيكون نزهة، وذوو الجنود يتحركون ضد بوش وإدارته، من أجل إعادة أبنائهم. كذلك أدّى تكرار ضرب أنابيب النفط العراقي إلى التأثير على كمية تصديره إلى الخارج، وإلى إبقاء سعر البرميل فوق 30 دولاراً أميركي، وهذا أوقف الانتعاش الاقتصادي الذي كان بوش ينوي استخدامه في إعادة انتخابه. وكذلك أدّى ازدياد عمليات المقاومة، وتطوّرها النوعي إلى ثني الشركات عن الاستثمار، بسبب فقدان الأمن،… كل هذا أجبر بوش على مراجعة حساباته، والعودة إلى الأمم المتحدة من جديد، للخروج من المأزق، وقد ذكرت النيويورك تايمز: «أن استعداد الولايات المتحدة لمنح المنظمة الدولية دوراً أكبر في العراق يعني اعترافها بعدم قدرتها على الاستمرار، في تحمّل الكلفة البشرية والمادية وحدها». إن أميركا تمرّ في مأزقٍ حقيقي، وتعمل بشكلٍ جادّ وحثيث للخروج منه، ومن أجل ذلك:

  l تقوم بخطواتٍ لجعل الحكم العميل لها في العراق شرعياً. فقد عملت على تشكيل حكومةٍ لتعترف بها الأمم المتحدة والدول العربية ويصبح الحكم شرعياً. كذلك تعمل على تشكيل ميليشيا مسلحة من العسكريين السابقين الذين لا يثبت عليهم الولاء للنظام السابق، وعلى تشكيل جهازٍ أمني، وهذا ما صرّح به جون أبو زيد قائد القوات الأميركية في العراق حين قال: «إن العراق بحاجةٍ إلى معلومات، لا إلى قوات» ودعا إلى «تشكيل جيش عراقي من 40 ألف بأسرع ما يمكن». وبهذه الأعمال يصبح الحكم في العراق شرعياً، وبالتالي تصبح المقاومة غير مشروعة، وتتّهم بالإرهاب، على غرار ما يحدث في فلسطين.

  l سترعى الولايات المتحدة مؤتمراً للمانحين الدوليين في مدريد، أواخر شهر تشرين أول من أجل إشراكهم في تحمّل النفقات المادية. وهذا ما يفسّر اللهجة التصالحية التي أبدتها رايس تجاه ألمانيا، كونها تستطيع أن تساعد بالمال، وبالقوات، حيث قالت ما لم تكن تقول مثله من قبل: «أحياناً تكون هناك خلافات بيننا، ولكن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة لا تقدر حلفاءها، ولا يعني أننا لا نحتاج إلى حلفاء، بل إننا في حاجةٍ ماسّةٍ إليهم». وفي هذا المجال ستطلب من اليابان ومن السعودية، ومن الكويت، ومن الإمارات… أموالاً لتستطيع الاستمرار في احتلال العراق.

  l تسعى أميركا إلى إرسال قوات متعددة الجنسيات إلى العراق لتبعد القتل عن جنودها، ولتخفّف عديد قواتها في سبيل أن تخفّ معارضة الحرب الداخلية في الولايات المتحدة التي تؤثّر سلباً على مصلحة بوش الانتخابية، ولكن بشرط أن تكون هذه القوات بقيادتها لا بقيادة الأمم المتحدة، لأن أهداف أميركا في العراق جديّة ولا يمكن التفريط بها. وفي هذا الصدد قال أرميتاح مساعد باول: «إن الولايات المتحدة تدرس إمكان نشر قوةٍ متعدّدة الجنسيات في العراق تحت راية الأمم المتحدة، شرط أن يتولّى قيادتها أميركي». وفي سبيل ذلك ستفتش أميركا على دولٍ ترسل قوات إلى العراق لحفظ السلام تحت قيادتها، وستقدم مزايا لمن يفعل ذلك من مثل: امتيازات تجارية، وتعاقدات لإعمار العراق، وإعفاءات من سداد ديونها. وبالإضافة إلى قبول روسيا وبولندا، ودول في حلف الأطلسي ذلك، فإن على القائمة كلاً من تركيا وباكستان، ولبنان، ودول مجاورة للعراق كما صرّح سفير أميركا في لبنان… وقد صرّح وليم ناش، مدير مركز العمل الوقائي في مجلس العلاقات الخارجية، فقال: «ستكون هناك محاولة لجني أرباح ولكن في الوقت نفسه، فإن ذلك ليس كهزيمتنا»

  وهكذا نرى أن أميركا الآن قد وصلت إلى المأزق، وتريد من دول العالم، وحكام المسلمين العملاء من العرب وغير العرب أن ينجدوها بالمال وبالقوات. فما هم فاعلون. يجيب عمرو موسى بقوله في 22/6: «إن الجامعة العربية مستعدة، للمساعدة في تنفيذ الرؤية التي تحدث عنها الرئيس بوش، لإقامة عراقٍ حرّ، يحكمه عراقيون».

  أيها المسلمون

  هؤلاء هم حكامكم المفروضون عليكم: أميركا في مأزق، وبوش مهدّد انتخابياً، وهم يريدون إنقاذه من الهزيمة، فهل بعد هذه الخيانة، خيانة أكبر للَّه ولرسوله وللمؤمنين؟

  أيها المسلمون

  إنكم ترون بأم أعينكم كيف أنه يمكن هزيمة أميركا، ولكن ليس مع هؤلاء الحكام، بل مع خليفة يحكمكم بالإسلام، ويعلن الجهاد في سبيل اللَّه ليطهر الارض من رجس الكافرين، وتكون كلمة اللَّه هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللَّه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *