العدد 195 -

السنة السابعة عشرة – ربيع الثاني 1424هـ – حزيران 2003م

رحم اللّه أبا يوسف

رحم اللّه أبا يوسف

          لا اله إلا الله  محمد رسول الله،،

          طوبى لعبد جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر،،

          تمثّل “أبو يوسف” عبد القديم زلوم، هذا الحديث فعمل الخير، ودعا إليه، وبذل المعروف، ودل عليه، ميّز بين الحق والباطل، وَبيَّن الغيَّ، والضلالَ، فاختارَ الحقَّ على ضِدِّه، لأنَّهُ يحمِلُ الإسلامَ، ولا يحملُ الإسلامَ إلا العدولُ.

          عرف “أبو يوسف” مهمَّته، وهي فتح السدود التي وَضَعَها الناسُ على نفوسِهم، فَعمِلَ بعلمٍ واسعٍ، وبإخلاصٍ خالصٍ، وبقلبٍ مملوءٍ بمحبةِ الله ورسوله، لا يخافُ إلا مَنْ ناصيته بيده، ولم يعطل بدنه عن طاعة الله وفكرُهُ ما جالَ إلا فيما ينفَع، ولم يقم بخدمة إلا تقرباً الى الله تبارك وتعالى.

          عرف “أبو يوسف” أن رحمةَ الله عزَّ وجلَّ خيرٌ مما يجمعون، فالمالُ والعقارُ لم يعرف جمعهما، ولكن عَرّفَ وصفهما وصرفهما قدمه ذلك في كتاب “الأموالُ في دولةِ الخلافة”.

          عَرفَ “أبو يوسف” حقاً مهمَّة، وهي مهمة الرّجال اللهاميم، الصيد، الواعين، المخلصين، لما جاء به سيّدنا محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم، المصدقين به، فنهضَ لتصفيةِ نفوس الناس وتنقيةِ مفاهيم المسلمينَ من كل ما ليس له من دينِ الله سند، بهدايتهم إلى الصواب ودلّهم على الرشاد وتبغيضهم بضدّ ذلك.

          عَرفَ كيف هُدمت الخلافة، وعرف طريق بنائها، فنثر ما في كنانته ممن دخلوها ليكونوا تحت تصرفه سهاماً يوجهها لإزلة العوائق من أمام هذا الواجب ثقيل الأعباء بعد أن جعل منهم أعلاماً يُهتدى بهم، ومشاعلَ تضيء الطريق، بإسلوبه اللطيف الكريم الذي يستصبي العقول على المشاعر لأنه يدرك أن المهماتِ الثقيلةَ لا يحملها إلا الرّجالُ العظامُ الثقات.

          فقاد هؤلاءِ الميامينَ في مهمة العمل لاستئنافِ الحياةِ الإسلاميّةِ، بهمةٍ وَثّابة لا تتوارى عند المخاوف، ولا تنهار عند الشدائد، بحزم قوي، لا تثنيه المغرياتُ، ولا تضعفهُ التحديات، لأنه الأقدر على استعذاب العذاب، الأقوى على احتمال الألم من أجل تثبيت المثُلِ وتحقيق الأهداف، شامخُ العرنين يذعن للحجة ويستفيد من النصيحة، صاحب مروءة عالية وخُلُقٍ رفيعٍ وفقه موصول الدليل، قوي البيان.

          نقول هذا ولا نريد أن نقول باطلاً يلحقنا فيه من الله مقت “أبو يوسف” التقيّ، الورع، الذاكر لله كثيراً، عرف فاستقام، كان يمشي على الأرض هَوْناً، وهو العزيز، أمير الفئة الأولى في الأمة الأولى أمة الإسلام.

          هذا المخبت الرحيم بالمسلمين، كان يبغض الخائنين الذين لا يخجلون من دعوتهم إلي تفريق الصفوف، والى محو أمجاد الأمة وما تعتز به من فضائل، الذين يعملون بجد على زرعِ الشكّ واليأسِ في نفوس المسلمينَ كما كان يكره الكافرين.

          أسلم “أبو يوسف” نفسه ومصيره إلى الله غز وجل، لا يخشى أحداً في سبيل مهمة العمل على استئناف الحياة الإسلامية – بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة – عن طريق توظيف الأدلة الشرعية بالإقناع والحجة، طوّع الأحداث في مسيرتهِ وروّع الأهوال والخطوب في سعيه لتحقيق مهمته.

          رحم الله “أبا يوسف” ونسأل الله تعالى أن يكون من السابقين في الدرجات، هو وإخوانه “أبو إبراهيم، وأبو محمد، والبدري و…” الذين سبقوه في الإفاضة إلى الله تعالى.

          أما نحنُ الذين كنا سهاماً في كنانته، ومشاعلَ في يمينه، قد انتقلنا إلى كنانة ويمين من خلفه في مهمته “أبو ياسين” الذي نرجو أن يكون لنا عزاً وتمكيناً، وأن يفتح الله به على الأمة باب العزة لتخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها وسعة الآخرة.

          كما نسأله تعالى أن يعيننا على مصيبتنا، وأن يجعله فرطنا إلى الجنة، وأن يجزل لنا الأجر وجميع المسلمين.

          كما نسأله عز وجل أن لا يصرف وجهه الكريم عنا.

          إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على كل حال ولا حول ولا قوة إلا بالله .

أبو جعفر العجولي – البيرة

في:        27 من صفر 1424هـ.

                  29/04/2003م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *