العدد 195 -

السنة السابعة عشرة – ربيع الثاني 1424هـ – حزيران 2003م

مفـهـوم مـضـلِّـل «تحـرير الأرض قـبل الخــلافـة»

مفـهـوم مـضـلِّـل

«تحـرير الأرض قـبل الخــلافـة»

  الناس عندما يطلقون لفظ التحرير يقصدون به فـي الغالب التحرير من النفوذ العسكري لأنه مكشوف واضح للعيان، لا يحتاج إلا إلى تفكير سطحي لإدراكه، أما سائر أنواع النفوذ من سياسي واقتصادي وفكري فإنها تخفى على الأكثر، فيعتبرون البلد حراً مستقلاً مع وجود أكثر من نوع من أنواع النفوذ. وكل بلاد المسلمين اليوم فيها نفوذ من نوع ما لدول الكفر. وسنكتفي هنا بالتعرض لنوع واحد من النفوذ هو الوجود العسكري أي الاحتلال، وهو ما يقصده عوام الناس عند حديثهم عن التحرير، ويقول المضللون منهم إن التحرير يكون قبل الخــلافـة.

ــــــــــــــــــــــــــ

  بلاد المسلمين المحتلة عسكرياً ضربان: ضرب محتل بشكل كامل كالأندلس وسبته ومليلة وصقلية وقبرص والصرب واليونان والمجر وبلغاريا ورومانيا والجبل الأسود ومقدونية وفلسطين والجولان وأيلة وجيبوتي وسرنديب وكشمير ودهلي وكوجرات وأحمد أباد وسائر الأقاليم الإسلامية الهندية والقرم والشيشان وداغستان وسائر الأقاليم القفقاسية وتتارستان وكل ما كان يعرف بمملكة قازان، وأرمينيا وجزر القمر وغامبيا وغيرها؛ أما الضرب الثاني فهي البلاد المحتلة جزئياً وذلك بسيطرة الكفار على قواعد عسكرية وموانئ فـي هذه الأقاليم كتركيا والأفغان وطاجكستان وأوزبكستان وقرغيزستان وجزيرة العرب وشرقي الأردن وسيناء والقرن الإفريقي والباكستان وغيرها. وهناك مياه يفترض أن تكون مياهاً إسلامية قد استباحها الكفار.

  هذه الأقاليم يجب تحريرها من سيطرة الكافر العسكرية، وهذا غير ممكن على الإطلاق إلا بوجود دولة كبرى قوية للمسلمين، هذه الدولة لن تكون إلا دولة الخــلافـة على منهاج النبوة، هذا ما ينطق به الواقع، فالأقاليم التي يستولي عليها الكفار تزداد ولا تنقص فبالأمس القريب اقتطعت تيمور الشرقية، وإقليم آشي على الطريق وكذلك جنوب السودان، ومنها ما يكتفى له برئيس نصراني كافر كأسياس أفورقي الذي تم تعيينه رئيساً لأريتيريا. فالواقع ينفي وجود أي تحرير فالأراضي تحتل والقواعد العسكرية تقام، وهذا الوضع يزداد ولا ينقص، وأمراء الفرقة لا يفكرون بتحرير ولا قتال، والجيوش مهمتها المحافظة على هذه الأنظمة وقمع من يحاول النهوض بالأمة، وأكثر الجند موظفون لا يدخلون معركة ولا تسهر لهم عين فـي سبيل الله، ولا تغبر لهم قدم فـي غزوة، حتى يحالوا على المعاش، فأين هو التحرير الذي يتحدثون عنه؟! وأعني بالتحرير التحرير بقوى المسلمين الذاتية لا الاستعانة بكافر على كافر، فالاستعانة بكافر على كافر، أي بدولة كافرة طامعة على دولة كافرة محتلة إن هو إلا استبدال كفر بكفر، وبالتالي هو انتحار، وخدمة للدولة الطامعة.

  هذا من حيث الواقع أما لو عرضنا المسألة على الشرع فإننا نجد أن التحرير فرض وإقامة الخــلافـة فـرض، فإن تزاحـمـا وجـب ترجـيـح أحدهما على الآخـر، وإن لم يتـزاحـمـا وأمكن القيام بهما معاً وجب الاشتغال بهما جميعاً.

  فإقامة الخــلافـة فرض مضيق يجب التلبس بالعمل له فوراً ولا ينتهي إلا بإقامتها، هذا فـي حال غياب دولة الإسلام، أما فـي حال قيامها فإن تنصيب الخليفة فرض مضيق أيضاً إلا أن مدته محددة بثلاثة أيام بلياليها لإجماع الصحابة على ذلك. ونحن اليوم مكلفون بإيجاد دولة الإسلام أي بإقامة نظام الخــلافـة، وهذا الفرض يجب على كل مكلف أن يتلبس بالعمل له على الفور ولا ينتهي إلا بإقامة الدولة الإسلامية، وهذا لا يعني انتهاء حمل الدعوة.

  أما الجهاد فنوعان جهاد دفع إذا دهم العدو بلداً، وهو واجب مضيق يبدأ وجوبه على الفور وينتهي بدفع العدو، ولا يشترط فيه إذن أحد. وجهاد طلب وهو واجب موسع.

  فإذا تعارض فرض إقامة الخــلافـة المضيق مع جهاد الطلب الموسع قدم فرض إقامة الخــلافـة لأنه مضيق، ولأن الصحابة اشتغلوا بتنصيب أبي بكر قبل إنفاذ بعث أسامة، لأن التنصيب فرض مضيق والإنفاذ فرض موسع، ولذلك يقدم فرض إقامة الخــلافـة على جهاد الطلب.

  أما إذا تعارض فرض إقامة الخــلافـة المضيق مع قتال الدفع المضيق نظر فإن لم يكن هناك التحام وأمكن القيام بالفرضين لم يقدم أحدهما على الآخر أما فـي الملتحم فإن القتال يقدم على العمل لإقامة الخــلافـة، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه على صلاة الوسطى عندما حبسه المشركون فـي غزوة الأحزاب عنها كما فـي حديث علي المتفق عليه قال: لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما حبسونا وشغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس” فالقتال حبس المسلمين عن الصلاة فـي غزوة الأحزاب، وبعد ذلك شرعت صلاة الخوف، وفيها انشغال عن استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود وكلها فروض، فاعتبر القتال حابساً وشاغلاً عن فرض الصلاة، أو عن بعض فروضها. كما أن القتال يحبس عند الالتحام عن طاعة كل من له طاعة واجبة كالأمير والوالدين والزوج والسيد المالك، فيجب على كل من يطيق القتال أن يخرج دون إذن من له عليه طاعة واجبة. وكذلك يحبس عن الغسل الواجب كما حصل مع حنظلة الغسيل رضي الله عنه وقصته صححها ابن حبان والحاكم. فإذا دهم العدو بلداً فإنه يحبسهم عن كل فرض، ويجب عليهم الاشتغال بدفعه لحفظ الأنفس والأموال والأعراض، وحفظ بيضة الدين.

  بعد أن بينا حكم تعارض فرض العمل لإقامة الخــلافـة مع كل من جهاد الدفع وجهاد الطلب، بقي أن نبين نوع القتال من أجل تحرير الأقاليم التي ذكرناها فـي أول المسألة، أهو قتال دفع؟ أم قتال طلب؟ فكل بلد استولى عليه الكفار واقتطعوه عن بلاد المسلمين واستقروا فيه كصقلية والأندلس والبلقان ودهلي وكشمير وتيمور الشرقية والقرم وقازان والبلغار فلا شك أن القتال لتحريره هو قتال طلب ويأخذ حكمه، ويقدم فرض العمل لإقامة الخــلافـة عليه. أما الأقليم أو البلد الذي يدهمه الكفار والمسلمون يقاومون ولم يمكنوهم من الاسـتقـرار، ففي الوقـت الذي يفتر فيه القتال يقام بالفرضين معاً، وعند الالتحام يقام بفرض القتال الذي يحبس عن كل فرض .

ع.ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *