العدد 87 -

السنة الثامنة صفر 1415هـ, تموز 1994م

منظمة الأمم المتحدة بين الواقع والبديل

تحت هذا العنوان أقيمت ندوة في «ميفدون» – النبطية – جنوب لبنان بدعوة من النادي الثقافي في البلدة. وقد حاضر في الندوة الدكتور محمد ميشال الغرّيب. وقد حضر الندوة حشد من المهتمين بشؤون الفكر والسياسة من البلدة وخارج البلدة.

وقد بدأت المحاضر بوصف واقع منظمة الأمم المتحدة فوصفها بأنها أنشئت سنة 1945 لتضمن مصالح وهيمنة الدول الاستعمارية الكبرى، وقد صيغ ميثاقيها بشكل يمكن هذه الدول من رقاب بقية الدول والشعوب. ومن ذلك إعطاء حق النقض في قرارات مجلس الأمن للدول الخمس الكبرى. وشرح المحاضر كيف تنحاز هذه المنظمة إلى دولة إسرائيل رغم اعتداءاتها المتكررة (لأن الدول الكبرى وعلى رأسها أميركا منحازة إلى إسرائيل).وشرح كيف أن الأمم المتحدة تتخلى عن دورها في البوسنة. وندد هنا بحكام البلاد الإسلامية لأنهم ينصاعون للدول الكبرى ولا يساعدون إخوانهم المسلمين المظلومين في البوسنة وغيرها من بقاع العالم. واعتبر أن أميركا عدو وإنجلترا عدو لأنها تساعد إسرائيل العدو.

ويخلص المحاضر بنتيجة هي: ما دامت منظمة الأمم المتحدة أنشئت لخدمة مصالح الدول المستعمرة، وما دامت تنحاز ضدنا وضد غالبية دولة العالم الثالث المستضعفة، فالواجب يحتم:

أ- الانسحاب من الأمم المتحدة، وتركها تنهار. ولتتفق الدول التي تنسحب فيما بينها على إقامة منظمة أخرى تتساوى فيها جميع الدول.

ب- إلغاء حق النقض الذي تتمتع به دول خمسة استعمارية مستكبرة. وتحويل الأمم المتحدة إلى دولة اتحادية. فالبشرية كانت قبائل وتحولت إلى قرى ثم إلى مدن ثم إلى دولة، والدولة بدأت بتشكيل اتحادات، وهذه الاتحادات تتحول إلى دولة اتحادية عالمية واحدة، لها جيش واحد ينفذ القرارات على الجميع دون انحياز.

ج- من أجل تنفيذ ذلك يجب نشر الوعي في أوساط الشعب في المدن والقرى، عن طريق النوادي والمجالس الثقافية ويجب تحريك ثورات محلية ضد عملاء الاستعمار الذين لا يريدون الانسحاب من الأمم المتحدة الحالية ولا يريدون إصلاحها وضرب مثلاً بحكام السعودية إذ أعلن أحدهم سنة 92 بأنه لا يجوز إصلاح نظام الأمم المتحدة ولا يجوز إلغاء حق النقض.

وقد حصل نقاش وأسئلة وأجوبة بين المحاضر والجمهور عقب انتهائه من إلقاء كلمته.

وتود «الوعي» أن تضيف الملاحظات التالية:

أ- منظمة الأمم المتحدة التي أقيمت سنة 1945 مثل عصبة الأمم التي أقيمت سنة 1919، كلاهما منظمة أنشأتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى والثانية. وغرض هذه الدول هو السيطرة على العالم وإضفاء الشرعية على سيطرتها عن طريق القانون الدولي والمنظمة الدولية.

ب- نعم منظمة الأمم المتحدة تخدم مصالح الدول الكبرى. وفي الآونة الأخيرة صارت تخدم مصالح أميركا بالذات، وصارت كأنها دائرة من دوائر وزارة الخارجية الأميركية.

ج- نعم غالبية دول العالم مظلومة وحقوقها مهضومة. والظالم هو الدول الاستعمارية الكبرى. ولكن الدول المستضعفة لا تدري ماذا تعمل. وإن هي فكرت في عمل ما فإنها تخشى العقوبات التي ستفرضها الدولة الكبرى باسم الشرعية الدولية، باتهامها الدول التي تطالب بحقوقها بأنها خارجة على القانون وعلى الشرعية.

هذه الأمور يجب أن تحفز دولاً كثيرة (بل أكثر دول العالم) على ترك هذه المنظمة.

د- نحن المسلمين نرى في منظمة الأمم المتحدة إضافة إلى ما سبق أنها تقوم على ميثاق كفر. والمسلمون يلتزمون في قانونهم الداخلي وفي قانونهم الدولي وعلاقاتهم الدولية بالشريعة الإسلامية. والشريعة الإسلامية عالجت جميع الشؤون من داخلية وخارجية. ميثاق الأمم المتحدة غير مأخوذ من الكتاب أو السنة. إنه من وضع دول كفر. فهو قانون كفر وفكر كفر. ولا يجوز للمسلمين حكاماً وشعوباً الإقرار به. وهذا يحتم عليهم رفض هذا الميثاق ورفض المنظمة التي تقوم عليه ورفض جميع المنظمات المتفرعة عنها مثل: مؤسسة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومحكمة العدل الدولية ومجلس الأمن الدولي.

أما كيف يمكن إقامة البديل فالأمر ليس بالبساطة التي تحدث عنها فضيلة الدكتور المحاضر. رغم أن المنظمة ظالمة نلاحظ أن الدول لا تتجه إلى الانسحاب منها وتركها تنهار، بل تتهافت على الانضمام إليها إذا كانت ما زالت خارجها، وتخشى كثيراً أن تُطْرد منها إذا كانت نالت (شرف!) عضويتها. ولذلك فنحن نرى الدولة الكبرى تلوّح بطرد أو تجميد عضوية الدول في المنظمة كعقوبة لتلك الدولة. فالمنظمة الدولية الآن تشبه الجنة في نظر الدول فالذي يدخلها دخل الجنة والذي يطرد منها مطرود من الجنة: هكذا يرونها. وبئست تلك الرؤية. إنها تشبه رؤية المسحور الذي يرى الأشياء على غير حقيقتها..

الأمر العملي في إيجاد البديل هو أن تقوم دولة قوية، دولة كبرى، بالانسحاب من هذه المنظمة والمنظمات المتفرعة عنها، وأن تستطيع الصمود والاستمرار خارجها رغم محاولات المقاطعة والحصار التي ستفرض على هذه الدولة من الدول المهيمنة على منظمة الأمم المتحدة. فإذا صمدت هذه الدولة القوية خارج المنظمة فإنها تستطيع أن تجذب للتعاون معها دولاً أخرى من دول العالم المظلومة في المنظمة الدولية الحالية. وهذا يوجد نواة للتعاون بين هذه الدول تعاوناً فيه عدالة وفيه قضاء مصالح متبادلة، فيه صدق ووفاء بالمواثيق. وهذا يوجد عرفاً دولياً غير العرف الذي تقوم عليه المنظمة الظالمة. وهكذا يبدأ التنافس بين منظمتين.

ونحن لا نتوقع أن تقوم إحدى الدول الكبرى الحالية بالانسحاب من المنظمة الدولية الحالية لتوجد النواة للمنظمة البديلة.

الدولة القوية التي ستقوم بهذا العمل هي دولة الخلافة الإسلامية التي نترقب قيامها بعون الله وتوفيقه ين عشية وضحاها. فالأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها تنتظر هذا الحدث السعيد بفارغ الصبر. وسيكون قيامها نقمة على الظالمين المستكبرين المستعمرين ومنظمتهم، وسيكون رحمة للعالمين.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)        

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *