العدد 85 -

السنة الثامنة ذو الحجة 1414هـ, أيار 1994م

مأزق رابين في الجولان

محمد موسى

يجري مع التوقيع على المرحلة الأولى من مراحل الحكم الذاتي الفلسطيني، الترويج لمحاولات جدية لتحريك المفاوضات على الجولان. ولبيان ما يمكن أن تتمخّض عنه هذه المفاوضات لا بد من إبراز النقاط التالية:

1- تصر سورية على انسحاب إسرائيلي كامل من الجولان، وعلى سيادة سورية كاملة عليها. وهذا لا يتعارض مع إيجاد ترتيبات أمنية معينة. وتقف الولايات المتحدة مع سورية في موقفها هذا. وقد بدا هذا الموقف الأميركي واضحاً في مناسبات عدة منها قمة الرئيسين كلينتون والأسد، عندما أخذ الرئيس كلينتون يؤمّن على مطالب الرئيس الأسد.

2- ترى إسرائيل في الجولان ضرورة استراتيجية أو ما يسمونها حاجة أمنية فحسب، فلا ينطبق عليها من وجهة نظر اليهود ما ينطبق على فلسطين التي يدّعون أنها أرض الميعاد. والاعتراف بالحاجة إليها لأسباب أمنية يعني بالضرورة الاعتراف بها أرضا ًسورية محتلة. وهذا يضعف من موقف إسرائيل التفاوضي مهما تجلّت قدرة إسرائيل على المناورة والابتزاز. ومواقف الحزبيين الكبيرين من الجولان واضحة. فحزب الليكود ضم الجولان لأسباب سماها أمنية، وحزب العمل يرى الاحتفاظ بها لذات السبب.

3- استدعت الإدارة الأميركية بعد قمة كلينتون ـ الأسد، رابين إلى واشنطن وأعلنت أثناء تلك الزيارة عن موافقة الولايات المتحدة على تزويد إسرائيل بأحدث الطائرات الأميركية وبكمبيوتر عملاق يجري ستة ملايين عملية في الثانية، وهو كانت ترفضه في السابق.

4- بعد عودة رابين من واشنطن أطلق تصريحات متفرقة منها أنه سيُجري استفتاءً شعبياً على أي انسحاب من الجولان، وأن قوة إسرائيل لم تعُد كما كانت سنة 1948، وأن سورية لا تشكل بمفردها تهديداً جدياً لإسرائيل، وأن التهديد يأتي من العرب مجتمعين فقط.

وبالتدقيق فيما مَرّ نجد أن الولايات المتحدة استدعت رابين لواشنطن بعد قمة كلينتون ـ الأسد للبحث في مستقبل الجولان تحديداً. وفي أعقاب المفاوضات أعلنت الولايات المتحدة عن تزويد إسرائيل بما طلبته من أحدث الطائرات وبالكمبيوتر العملاق. وصرّح بعض حواشي الإدارة الأميركية أو من يُسمع صوتهم في الولايات المتحدة بأن امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية تمليه الضرورات الأمنية، وطالبوا بضم إسرائيل للنادي النووي. ويفهم من هذا أن رابين أعطى موافقته على الانسحاب من الجولان، وأن الولايات المتحدة أعطت إسرائيل قوة تمنحها أمناً يعوضها عن الأمن المفقود بفقدها الجولان.

وفي تقديري فإن الحقيقة غير ذلك. فالاستفتاء في الدول الديمقراطية خلاف الأصل، بل يعتبره البعض خروجاً على الديمقراطية نفسها. وهو إذا ما أجري فإنما يكون للالتفاف على الجمعية التشريعية ومخاطبة الشعب من فوق رأسها. لذلك ترفض الجمعيات التشريعية إجراء الاستفتاءات لأنها تعتبر نفسها كلمة الشعب وممثلته، فلا استفتاءات في ظل جمعيات تشريعية أفرزتها انتخابات ديمقراطية.

وإذا استعرضنا القوى السياسية في الكنيست وجدنا أن الغالبية الساحقة ترفض الانسحاب الكامل من الجولان وعلى رأسها ممثلو الحزبين الكبيرين. لذلك لا حاجة لرابين، إن كان حقاً يرفض الانسحاب، أن يختبئ وراء استفتاء شعبي ما دام بمقدوره أن يختبئ وراء جمعية تشريعية يعترف العالم بسلطتها وبمسؤوليتها وبصلاحيتها. وحقيقة الأمر أن رابين يريد أن يلجأ للاستفتاء على الانسحاب لأنه لا يستطيع أن يمرر قرار الانسحاب في الكنيست. فحكومة رابين تحكم بأكثرية صوت واحد فقد يحققها له خمس أصوات عربية، صوتان منها للحزب العربي الديمقراطي. ولما كان حزب العمل يرفض الانسحاب فإن رابين لا يستطيع أن يضمن وقوف جميع أعضاء الحزب في الكنيست إلى جانبه إذا ما عرض قرار الانسحاب من الجولان على الكنيست، فيكفي أن يتمرّد بضعة أعضاء من حزبه عليه فيسقط مشروعه إن لم تسقط حكومته.

يحاول رابين أمام هذا المأزق أن يلتفّ على الكنيست فيلجأ إلى الشعب. والشعب في إسرائيل، كبقية شعوب العالم، ليس من الصعب تضليله والتلاعب بعواطفه فينتقل من الرفض إلى الموافقة ومن اليمين إلى اليسار. لذلك فإن تمرير مشروع الانسحاب من الجولان باستفتاء أسهل بكثير من تمريره في الكنيست. والسؤال هو: هل يستطيع رابين أن يجري استفتاء؟ لا أظن ذلك لأن من السهل أن تلجأ كتل المعارضة لإخضاع حكومة رابين إلى تصويت بالثقة فتسقط جرّاء تعاون نفر من أعضاء حزب العمل مع المعارضة لتجري انتخابات جديدة. وأمام هذه العقبات فإن من الممكن أن تبقى المفاوضات على الجولان تراوح مكانها وبين أخذ ورد إلى أن تجري الانتخابات القادمة في موعدها المقرر، وسواء أجريت انتخابات مبكرة أم أجريت الانتخابات في موعدها المقرر فسيكون الانسحاب من الجولان البند الرئيسي في الدعاية الانتخابية للأحزاب.  

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *