العدد 85 -

السنة الثامنة ذو الحجة 1414هـ, أيار 1994م

إن الله يغفر الذنوب جميعاً

{قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سورة الزمر: 53].

قال ابن كثير في تفسيره: (هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت).

{قُلْ} أي يا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

{الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أي ارتكبوا المعاصي حتى ولو كانت الإشراك بالله.

{مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} أي مغفرته وكرمه.

{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} أي لا يوجد ذنب إلا ويغفره الله. ولكن الله وضع للغفران شروطاً. ومن أهم هذه الشروط التوبة النصوح. والشرك بالله الذي هو أكبر الكبائر يغفره الله إذا تاب صاحبه منه. وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} أي لا يغفر الشرك إذا مات صاحبه وهو مشرك دون أن يتوب.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يغفِرُ الله للشهيد كلَّ ذنب إلا الدِّيْن، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك» رواه أحمد ومسلم.

وقال عليه وآله الصلاة والسلام: «الحجّ المبرور ليس له جزءا إلا الجنة» رواه مسلم. وقال: «من أتى هذا البيْتَ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ رجع كما ولدته أمه».

وهنا يرد سؤال: هل الذي يحج البيت دون أن يرفث أو يفسق تُغفر كل ذنوبه مهما كانت؟

والجواب: أن النص المطلق يبقى على إطلاقه ما لم يرد نص يقيّده، والحديث هنا يقول: «رجع كما ولدته أمه» أي بدون ذنوب مطلقاً لأن الولد المسلم حين تلده أمه يكون بلا ذنوب مطلقاً. وقد وردت نصوص تقيد هذا الحديث بحقوق الله واستثنت منه حقوق الناس. أي أن حقوق الناس لا بد أن يعيدها إلى أصحابها أو يسامحوه بها. وقد وردت نصوص تقيّد هذا الحديث بالتوبة النصوح، أي أن الله يعفو عن حقوقه ويغفر للعبد إذا تاب توبة نصوحاً. والتوبة النصوح تتطلب أن يندم المرء من صميم قلبه على المعاصي التي اقترفها، وأن يعزم عزماً أكيداً على الإقلاع عن المعاصي وأن ينوي نية صادقة على عدم العودة إليها.

هناك بعض الجهلة يقولون: ما دام أن الله يغفر الذنوب جميعاً، وما دام أن الحج يغسل الذنوب ويعيد المرء كيوم ولدته أمه، فلا بأس أن يرتكب المرء من الذنوب ما شاء ثم يذهب كل بضع سنوات إلى الحج فيمحو هذه الذنوب. ومن باب الاحتياط فهو يرصد مبلغاً من المال ويوصي إلى بعض الأشخاص كي يحجوا عنه بعد موته لمحو الذنوب التي يكون قد ارتكبها بين موته وبين آخر حجة حجها.

وهذا الكلام وهذا التفكير هو ضرب من السفاهة، لأن الذي يحج وهو عازم على ارتكاب المعاصي عند عودته من الحج هو غير تائب، بل هو مستهزئ بربه. قال -صلى الله عليه وسلم-: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتائب من الذنب العائد إليه كالمستهزئ بربه».

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *