العدد 154 -

السنة الرابعة عشرة _ ذو القعدة 1420هـــ _شباط 2000م

سياسة تضليل العمل الإسـلامي (2)

تحدثنا في الحلقة السابقة عن بعض أساليب التضليل التي اتخذها الكفار في عهد النبي عليه السلام، وبعد وفاته مروراً بالخلافة الراشدة حتى عهد الخلافة العثمانية آخر أيامها.

  وسنتحدث في هذا الحلقة أن شاء الله عن حرب التضليل التي يتبعها الكفار هذه الأيام ضد حملة الدعوة لصرفهم عن هدفهم وغايتهم.

  وقبل أن أبدأ في عرض أهم هذه الأساليب أنوه فأقول: إن خطر الحرب المادية ضد حملة الدعوة بشتى أصنافها من اعتقال، وتعذيب، وتشريد، وقهر، وحرمان من وظائف وغير ذلك، تعتبر أقل خطراً من أساليب التضليل إذا قورنت بها. وذلك أن أساليب الحرب المادية ضد حملة الدعوة، وثبات حملة الدعوة برغمها تزيد الأمة قناعة بهم وبأفكارهم، ويزداد تعاطفها تجاههم وخاصة أن فكرتهم هي من صلب عقيدتها.

  وهذا ما حدث مع الرسول عليه السلام وصحابته في مكة. فعندما قاطعتهم قريش وآذتهم وعذبتهم، وصبروا على ذلك وثبتوا أحدث ذلك أثراً في بعض الشخصيات والتي آمنت بعد ذلك، وأحدثت كذلك أثراً في رفع المقاطعة وتخفيف العذاب عنهم.

  أما خطر التضليل ـ إذا لم تتنبه الأمة له ـ فإنه يحدث شرخاً بين الأمة ودينها، وبين الأمة ومن يتبنون مصالحها من حملة الدعوة.

  أما الأساليب التي يتبعها الكفار بشتى مللهم هذه الأيام ضد أبناء العمل للإسلام فإنها عديدة ومتنوعة نقف عند بعضها:ـ

 v       مسألة الدولة الإسلامية:

  وقد اتبع الغرب أو الكفار بشكل عام أساليب عدة لتضليل المسلمين عن هذه الحقيقة الراسخة. وعن فكرة العمل لاستئنافها في أرض الواقع. من هذه الأساليب إنشاء أو تشجيع تجمعات إسلامية تدعو إلى الأخلاق، أو العبادات أو تهتم بجانب العقيدة وتنقيحها دون الأحكام، أو تهتم بطباعة الكتب وتحقيقها كل ذلك عن طريق عملائهم من حكام المسلمين بهدف ترسيخ فكرة فصل الدين عن الحياة، وتضليل المسلمين عن الهدف الأسمى، والمشكلة الكبرى التي سببت لهم كل الآلام وهي غياب “دولة الإسلام”. فتقوم هذه الدول برعاية هذه التجمعات، وفتح المراكز لها داخل البلاد، ودعمها مادياً ومعنوياً وإعلامياً، وفتح المجال لها خارج البلاد العربية أو الإسلامية، لتتابع حركة التضليل ضد أبناء المسلمين خارج البلاد. ولا يخفى على مسلم ما تقوم به بعض الحكومات من تقديم ملايين الدولارات لخدمة هذه الأعمال عن طريق إنشاء المراكز والتجمعات الإسلامية داخل البلاد وخارجها، وهم في نفس الوقت يحاربون أبناء العمل المخلص لإعادة الحكم بما أنزل الله حرباً لا هوادة فيها ولا رحمة، فهل هؤلاء هدفهم خدمة الإسلام أم القضاء عليه عن طريق هذا التضليل الماكر؟!!

  والأسلوب الثاني في حرب فكرة الدولة الإسلامية يتمثل في كُـتاب لا يتقون الله، يقولون بأن فكرة الدولة الإسلامية كانت في فترة زمنية معينة وانتهت بانتهائها، وهي ليست من أحكام الإسلام وإنما هي أسلوب يجوز تعدده، ويجوز تجديده حسب مقتضيات العصر، كما يجوز أخذه من أنظمة أخرى مثل النظام الجمهوري، ومن هؤلاء الزحيلي، والقرضاوي وغيرهما.

  وكذلك توجه أجهزة الدول من المخابرات حرباً على حملة الدعوة المخلصين وتكيل لهم التهم  وتلفق حولهم الافتراءات عن طريق أقلام مأجورة من كتاب يسمون (مشايخ) لا يتقون الله ولا يخشونه. وتتخذ في ذلك تضليلات منها نقد العمل الإسلامي، أو تقييمه، أو توجيهه .. وهكذا، أو دراسة الحركات الإسلامية على الساحة .. وغير ذلك من ضلالات ما أنزل الله بها من سلطان.

  أما الأسلوب الثالث في وحرب هذه الفكرة ـ فكرة الدولة الإسلامية ـ وهو الأخطر بين هذه الأساليب فهو أسلوب تبني الفكرة نفسها، عن طريق إعلان قيام حكومات في بعض بلاد المسلمين، والادعاء بأنها حكومات إسلامية. وقد استخدم هذا الأسلوب لامتصاص حماس الناس الديني، وتوجيهه وجه خاطئة، وإجهاض العمل المخلص في مناطق معينة، وقد أخذ من وقت المسلمين ومن جهودهم الشيء الكثير، وكانت ثمرته خالصة لدول الكفر.

  وخطر هذا الأسلوب ليس فقط قبل دولة الإسلام، وإنما قد يكون بعدها أيضا، إذ قد تلجأ حكومات الغرب إلى إعلان دول إسلامية في حال قيام دولة مخلصة وذلك من أجل تضليل المسلمين حول حقيقة الدولة الإسلامية.

 v       الأسـلـوب الثاني:  إدخال الحركة الإسلامية العاملة في مسألة الحرب المادية.

  وهنا تعمد إلى استخدام العمل المادي، ويتم والإيقاع بها لتصطدم مع أبناء الأمة وتصبح في مواجهة معها. وهذا الأسلوب فيه من الخطر الشيء الكبير مع الحركة وعلى العاملين فيها، وخاصة إذا لم تَعِ الحركة كيف توجه أنظار الناس، وكيف تكسب ثقتهم، وكيف ترسخ في أذهانهم طريقة عملها بشكل واضح لا لبس فيه، وتلفت أنظار الناس كذلك إلى أساليب الكفر التضليلية للإيقاع بينها وبينهم.

 v       الأسـلـوب الثالث:  محاربة فكرة العمل السياسي عن طريق التضليل الفكري.

  وهذه الحرب لهذه الفكرة جاءت بعد دراسة واستنتاج، حيث استنتج الكفار أن العمل غير السياسي لا يؤثر في الواقع السياسي شيئا. وهذه النظرة في محلها، فالعمل الإسلامي إن لم يكن سياسيا، أي يتبنى مصالح الناس ويسعى من خلال ذلك لإيجاد دولة ترعى شؤون الناس بالإسلام فلا قيمة له شرعا ولا في أرض الواقع.

  لذلك عمل الغرب جاهداً لمحاربة فكرة السياسة والعمل السياسي، وترسيخ فكرة فصل الدين عن الحياة، وظهر كتاب، وعلماء ضالون مضلون يقولون: (لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، وأن السياسة هي الكذب والدجل والخداع وغير ذلك من ألقاب)، حتى أن بعضهم اختلق أحاديث نسبها للرسول عليه السلام كقولهم قال الرسول: (لا حزبية في الإسلام ولا سياسة في الدين).

  والحقيقة أن الحرب على هذه الفكرة  إنما هي حرب على المخلصين من أبناء الدعوة، لأنه لا إخلاص دون عمل سياسـي، أي دون رعاية مصالح المسلمين وتبنيها.

 v       الأسلوب الرابع من أساليب التضليل: الاغراءات للإيقاع بالحركة وإدخالها في دائرة الفساد في نظام الحكم الكافر.

  فعندما تقبل الحركة لنفسها عن طريق أساليب التضليل – أن تشارك في أنظمة الكفر كدخول الوزارات وتشريع الأحكام الوضعية وتمرير القرارات السياسية الخطرة من خلال تواجدها في البرلمان فإنها إنما توجه إلى قلبها خنجراً مسموماً فتقتل نفسها بيدها، لأنها تفقد بعد ذلك ثقة الأمة بها لتلوثها بفساد النظام وظلمه.  ففي تركيا مثلا استطاع الجيش أن يدخل حزب الرفاه في أجهزة الحكم، ثم خلعه خلعا ورمى به إلى الشارع، مما أفقده ثقة كثير من أبنائه وأتباعه، وجعل بينه وبين الناس شرخا.

  وفي الأردن كذلك فقدت الحركة ثقتها من الأمة، عندما انخرطت في مؤسسات النظام من خلال الوزارة والبرلمان، وفي السودان كذلك حصل نفس الشيء مع الترابي وأتباعه.

  هذه أهم الأساليب التي يتبعها الكفر في حربه التضليلية الكافرة ضد أبناء الأمة  المخلصين، وضد العمل لاستئناف الحياة الإسلامية . وإن هذه الأساليب الماكرة المدروسة بعناية وتدبير وتخطيط لتحتاج إلى دراية ووعي في كيفية مواجهتها، وتحذير العاملين في الحركات الإسلامية من خطرها، وتحذير الأمة بشكل عام، فكيف السبيل إلى ذلك؟ .

[يتبع]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *