العدد 154 -

السنة الرابعة عشرة _ ذو القعدة 1420هـــ _شباط 2000م

الصراع الفكري والكفاح السياسي (2)

ذكرنا في الحلقة السابقة أن العمل السياسي ينقسم إلى قسمين هما: الصراع الفكري والكفاح السياسي. وقد بيّنا أن الصراع الفكري هو صراع لعقائد الكفر وأنظمته وأفكاره، وللعقائد الفاسدة، والأفكار الخاطئة، والمفاهيم المغلوطة، وقد استوفينا ذلك.

  وفي هذه الحلقة، نستوفي البحث في الكفاح السياسي، وأنه مكافحة الدول الكافرة المستعمرة، وكشف مؤامراتها، كذلك مقارعة الحكام في بلاد المسلمين ومحاسبتهم والتغيير عليهم بإقامة حكم الإسلام، وهذا ما سنستكمل بحثه في هذه الحلقة بإذن الله.

وإلى جانب الآيات جاءت الأحاديث الكثيرة والمتضافرة في هذا الباب، نذكر منها ما يلي، عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض» ثم تلا الآية الكريمة: (لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوْا وكانوا يعتدون @ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون @ ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون @ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون) [المائدة: 78ـ81] ثم قال: «كلا، والله لتأمرُنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذنّ على يد الظّالم، ولتأطرُنّه على الحق أطراً، ولتقصرُنّه على الحق قصراً، أو ليضربنّ الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم» رواه أبو داود والترمذي. وقال عليه الصلاة والسلام: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: يا أيها الناس إنكم لتقرؤون هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم)[المائدة: 105] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظّالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه» رواه أبو داود والترمذي والنسائي. فهذه الأدلة كلها تشير إلى مقاومة الظلم، وخاصة ظلم الزعماء والقادة لأنهم رؤوس القوم وبيدهم السلطان.

  ومن الكفاح السياسي أيضاً كشف مؤامرات وخطط أولئك الزعماء والقادة إلى عامة الناس لكي يظهروا على حقيقتهم. فهذا أبو جهل وأبو سفيان وصفوان بن أمية، وأمية بن خلف والوليد ابن المغيرة وغيرهم، يجتمعون في دار الندوة كي يتشاوروا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر الدعوة الجديدة قبل أن يفد عليهم العرب إلى مكة أيام الحج. وكان أمر محمد صلى الله عليه وسلم قد غاظهم وقض مضجعهم وزعزع سيادتهم وزعامتهم في قريش، فأرادوا أن يتفقوا على رأي واحد يكذبون به هذه الدعوة الجديدة ويشوهون أفكارها. وبعد المناقشة والحوار اتفقوا على أن يتعرضوا للعرب القادمين ويحذروهم من الاستماع إلى محمد صلى الله عليه وسلم لأن له سحر البيان، يقول كلاماً يفرق به بين المرء وزوجه وبين العشير وعشيرته، وبين الرجل وقومه، فكشف الله سبحانه وتعالى هذه المؤامرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: )إنه فكر وقدر @ فقتل كيف قدر @ ثم قتل كيف قدر @ ثم نظر @ ثم عبس وبسر @ ثم أدبر واستكبر @ فقال إن هذا إلا سحر يؤثر @ إن هذا إلا قول البشر @ سأصليه سقر( [المدثر: 18ـ 26]، وكما كشف القرآن مؤامرات هؤلاء القادة والزعماء للرسول صلى الله عليه وسلم كشف له أيضاً مؤامرات أئمة الكفر وأولياء الشيطان. فهذه اليهود تزعم أنها آمنت بمحمد صلى الله عليه وسلم، فتتظاهر بالإيمان ثم تكفر، لجعل أتباع محمد صلى الله عليه وسلم من الأميين يشكّـون في صدقه بعد أن توهمهم أنها خالصة النية لله ولكنها ما كذبت محمداً صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن حققت في كتبها ووجدت أن ما يزعمه لم ينزل الله به من سلطان، وقد حذرهم الله من قبل من السماع إلى الدجّالين الذين يدّعون النبوة. وكانت هذه مؤامرة خبيثة تستهوي العقول الضعيفة، ولكن الله سبحانه وتعالى كشف هذه المؤامرة إلى المؤمنين وحذرهم من أئمة الكفر وأولياء الشيطان، فقال جل من قائل: )وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون @ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون @ الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون( [البقرة: 13ـ15]، وكشف الله أيضاً لنبيه وللمؤمنين الخطة التي دبرت لهم داخل مسجد ضرار للقضاء عليهم جميعاً، فقال عز وجل: )والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون @ لا تقم فيه أبداً لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين @ أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين( [التوبة: 107ـ109]، وهذا كله كان من المؤامرات التي تحاك في الخفاء ضد جماعة المؤمنين، وإنها حقاً لمؤامرات خبيثة ودنيئة لا زالت قائمة إلى يوم الناس هذا، يمارسها أولياء الشيطان في مجتمعنا الحاضر، ويبغون من ورائها تصديع جدار الأمة المسلمة، وتشكيكها في دينها ويتهمون المخلصين من أبنائها باتهامات غريبة، كقولهم بأنهم متطرفون، وإنهم إرهابيون، وإن لهم أغراضاً سياسية يتطلعون بها إلى مقاعد الحكم… إلى غير ذلك من التهم والشتائم القذرة التي لا تليق إلا بأصحابها. والحقيقة أن أولئك الزعماء والحكام هم المتطرفون فعلاً عن الدين بما تحمل هذه اللفظة من معانٍ لغوية وشرعية. وأما المخلصون من أبناء هذه الأمة فإنهم يعيشون بالدين وداخل الدين ولم يتطرفوا عنه أبداً كما تطرف هؤلاء الحكام الضَالون. أما قضية الإرهاب فالكل شاهد على ذلك القمع البوليسي والإرهاب العسكري الذي تمارسه السلطة على الأقوام العُزّل، وتضطهد به شعوبها، ولا شك أن الأعمال البوليسية تجرى مع التعذيب وبأدواته البشعة، والتصفية الجسدية، واقتحام البيوت على الناس بالليل وهم نيام، وحشد الشباب المسلم في المعتقلات والسجون وخاصة منهم الشباب الذين يعملون على تغيير واقع هذا المجتمع المتعفن، كل ذلك وغيره لا تمارسه الجماعات الإسلامية، وإن كان يُدّعى عليها امتلاك العصا والبندقية لكي ترد بهما الأذى عن نفسها. وأما الطمع السياسي ففي من تراه كامن؟ أفيمن نصّب نفسه فرعون على الناس وقال أنا ربكم الأعلى، فلا سياسي مبدع إلا ـ أنا ـ ولا زعيم فذ إلا ـ أنا ـ، ولا غرو في فوزه على قائمة المرشحين (الخالية من الأسماء) في كل دورة انتخابية (مسرحية) بنسبة ـ 99.99%، أم في الذين خرجوا من ديارهم وواجهوا بصدورهم بنادق الطغاة بكل استماتة، وإخلاص لله ودينه ولرسوله، متوكلين على الله في تحطيم صنم الطاغية المتحجر، العاض على كرسي الحكم بنواجذه لكي يخلصوا الأمة من وثنيته القذرة.

  وكما كان القرآن الكريم يكشف المؤامرات والخطط، كان كذلك يكشف بالاسم صراحة أو بالإشارة والإيماء أصحاب هذه المؤامرات وأولياء الشيطان من حكام وغيرهم. فتحدث عن فرعون وهامان وقارون والسامري، وتحدث عن أبي لهب والوليد بن المغيرة وأبي جهل وأمية بن خلف وغيرهم كثير. ولذا يجب كذلك على حملة الدعوة أن يكشفوا للأمة المتآمرين عليها، سواء أكانوا من الحكام وأتباعهم، أم من المفكرين والسياسيين وأصحاب القلم والدعاية، حتى يعلمهم الناس ويظهروا على حقيقتهم فيحذروا مكائدهم. ولا يقال هنا إن بعض الحكام خُدِعوا وساروا في خط الغرب عن حسن نية منهم، لا يقال ذلك، فواقع العمالة لا ينظر فيه إلى سوء النية أو حسنها، لأن العمالة هي العمالة لا تتغير، ولا فرق فيها بين سوء النية أو حسنها، لأنها تعرض الأمة إلى الضياع والدمار والبيع الرخيص في سوق السياسة العالمية.

  وكما يمارس هؤلاء الحكام العمالة المفضوحة، فإن بعض المفكرين والسياسيين ومنهم كتّاب الأدب والشعر والصحافة يمارسون كذلك هذه العمالة بطريقتهم الخاصة، وهؤلاء يلتحقون بزمرة أولياء الشيطان الذين كانوا ولا زالوا وبالاً على الأمة ينفثون فيها سموم الفساد الخُلُقي والتلوث الفكري. وهؤلاء أيضاً لا بد من ملاحقتهم وكشفهم وفضحهم للناس بدون أي تحفظ، حتى يحصل الاحتراز من شرهم وشر بضاعتهم.

  ومن الكفاح السياسي أيضاً وبالإضافة إلى التصدي للحكام وأئمة الكفر وأولياء الشيطان، يجب معرفة ما يحاك ضد الأمة من مؤامرات خارجية وما يدبر لها من دسائس وما يكاد لها من مكائد، وكذلك معرفة ما يدور حولها من أحداث وما يحيق بها من أخطار. لأن الخطط والمؤامرات التي تقوم بها الدول الأجنبية ضد الشعوب الإسلامية هي من أجل احتوائها وتدجينها ثم الهيمنة عليها والسيطرة على خيراتها. فكان من الضروري على حامل الدعوة أن يهتم بالسياسة العالمية وأن يتابع جميع الأحداث وان ينقب عن جميع المعلومات التي تفيده في تحليل الأوضاع السياسية، «لذا نجد أن القرآن الكريم لم يهمل ذلك، وفي قصة المراهنة بين قريش وأبي بكر خير مثال على تتبع ذلك. في قصة الحرب بين الروم والفرس، قال تعالى: (الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر..) فالفرس والروم هما الدولتان الأوليان في العالم، والصراع بينهما على مناطق النفوذ أمر حتمي، والحرب سجال بينهما، وقد كان العرب قسمين قسماً موالياً للروم وقسماً موالياً للفرس كالغساسنة والمناذرة، حتى إن نفوذ الفرس كان قد وصل إلى اليمن، وأما الروم فقد كانوا على تخوم الجزيرة مما يلي الأردن، ولهذا كان الاهتمام بأمر هاتين الدولتين أمراً حتمياً بالنسبة للمسلمين، وكانوا يتتبعون الأحداث والوقائع، وذلك لما لها من أثر عليهم وعلى ما يهدفون له، وحين جرت مناقشة أبي بكر لقريش ومراهنتهم، كان أبو بكر ينطلق من وعيه السياسي على ما يحيط بهم، ومن تعليم رسول الله لهم»(14). وعليه فإن أية كتلة سياسية أو أي جماعة مؤهلة لذلك يجب عليها أن تشغل نفسها بالكفاح السياسي، والوعي على واقعها وما يحيط بها، وهذا أمر ضروري بينه القرآن الكريم، وانتهجه وسار عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتضح لنا ذلك من نصيحته لأصحابه الذين أمرهم بالهجرة إلى الحبشة حين قال لهم: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظـلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه» فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يفكر «في هجرة المسلمين إلى إحدى القبائل العربية، لأنها كانت ترفض دعوته في مواسم الحج مجاملة لقريش أو تمسكاً بدينها الوثني. وكذلك لم يفكر في الهجرة إلى مواطن أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين لأن كلاً من الجاليتين اليهودية والمسيحية كانت تنازع الأخرى وتنافسها في النفوذ الأدبي ببلاد العرب، فهما والحالة هذه لا تقبلان منافساً ثالثاً خصوصاً إذا كان من العرب الذين كانوا يحتقرونهم ويقولون فيهم (ليس علينا في الأميين سبيل). أما اليمن ـ وكانت مستعمرة للفرس الذين لم يدينوا بدين سماوي ـ فلم يطمئن الرسول إلى الالتجاء إليها. وقد برهنت الأيام على بعد نظره، فقد كتب كسرى إلى «باذان» عامِـلِـهِ على اليمن: «ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين جَلْدين من عندك فليأتياني به». وكذلك شأن الحيرة التي كانت إلى ذلك الحين بعيدة غاية البعد عن مكة. أما الشام فهي بعيدة كذلك، فضلاً عما كان يسودها هي والحيرة إذ ذاك من اضطراب. ولا يخفى استحالة الهجرة إلى مكان قصي كالحيرة والشام على أولئك اللاجئين الذين كانوا يخرجون من مكة فقراء مستخفين من قريش لئلا تحول بينهم وبين الخروج، ثم إن كلا من الشام واليمن والحيرة كانت أسواقاً هامة لتجارة قريش. وكان لقريش بكل منها صلات وثيقة ومصالح متبادلة وزيارات في أوقات منتظمة. فإذا علمت هذه القبيلة بوجودهم في بلد منها طلبت إلى أهل ذلك البلد أن يردوهم إليها ويخرجوهم منها، كما حاولت ذلك مع النجاشي لولا تسامحه وقوة خلقه»(15) وكذلك في حكمه على بلاد فارس حينما وصله خبر سقوط ملكهم وجلوس امرأة على كرسي الحكم إذ قال عليه الصلاة والسلام: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم لامرأة…»، ويتضح ذلك أكثر في خروجه من المدينة إلى مكة متحدياً قريشاً أمام العرب بعدما تحسّس عليه الصلاة والسلام ضعفها السياسي وضعف تأثيرها على القبائل العربية، فاضطرها رغماً عن إرادتها على عقد مهادنة مع دولته الناشئة لمدة عشر سنوات.

  هذه بعض الخطوط العريضة كما بينتها لنا المصادر الشرعية: كتاب الله وسنة رسوله، وهي تنبهنا لأهمية الكفاح السياسي من تتبع لأخبار الدول والأمم المجاورة حتى تضمن الدولة لنفسها الأمان والاستقرار السياسي في العالم. واليوم، وفي واقعنا الحالي هناك كثير من الأعمال والخطط تعقد من حولنا مع الدول الأجنبية ـ كالاتفاقيات والمعاهدات والأحلاف العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية ـ والتي من شأنها إدخال نفوذ الكفار إلى بلاد المسلمين. ومن الأمثلة على ذلك ما قامت به دول الخليج من عقد معاهدات عسكرية مع أميركا وبريطانيا وفرنسا، وكذلك الدخول في تحالف دولي بقيادة أميركا لضرب العراق، وجميع الاتفاقات الاقتصادية بين دول المسلمين وصندوق النقد الدولي، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، وأيضاً المعاهدات الثقافية التي عقدت بين تونس والمغرب والجزائر ولبنان مع فرنسا، ومن المؤامرات أيضاً استغلال الانتفاضة لإيقاع المعاناة على أهل فلسطين وحملهم على قبول الاستسلام باسم مشروع السلام، ومثل استخدام الديمقراطية في بعض البلاد الإسلامية لخلق الحروب الأهلية والصدامات الدموية بين قوى الأمة الواحدة، كما حصل في الجزائر ونجيريا وأفغانستان، أو كالاستفتاء الذي تقدمت به الأمم المتحدة للصحراء الغربية مع أنه يفرق بين المسلمين ويطعن في وحدتهم.

  ذاك هو الكفاح السياسي الذي يجب على الجماعات الإسلامية والكتل الحزبية أن تشتغل به وتعني نفسها ببحثه وتسعى لإظهاره للأمة التي تجهل أسراره. وبهذا تكون هذه الكتل وتلك الجماعات قد استكملت شروط العمل في مجال الصراع الفكري والكفاح السياسي، وضمنت لنفسها وللأمة، التي تعمل فيها ومعها لتغيير الخارطة السياسية العالمية لصالحها وإنقاذ البشرية جمعاء من الظلامية والجاهلية، والسَّـير نحو النهوض والرقي، والوعي السياسي، الذي لا بد منه، حتى إذا استأنفوا الحياة الإسلامية، بإقامة دولة الخلافة، ضمنوا بقاءها على الدوام داخل هذه المجموعة الضخمة من الدول، وأكثرها دول استعمارية تترصدهم.

  وبهذا نكون قد أوضحنا مسؤولية المسلمين في تحمل عبء هذا الصراع، وحرمة القعود عنه، وأصدق الحديث كتاب الله تعالى إذ جاء فيه: (ولولا دَفْعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعض لفسدت الأرضُ ولكن الله ذو فضل على العالمين) [البقرة: 251]، أي لو لم يتفضل الله سبحانه وتعالى بدفع الصالحين إلى مصارعة المفسدين والضالين وصدهم عن الكفر والطغيان لفسدت الأرض بأكملها وانعدمت فيها مواطن الخير q

[انتهى]

خالد إبراهيم العمراوي

سويسرا

ـــــــــــــــــــــــ

المصادر والمراجع

(14)      نهج القرآن الكريم في الدعوة، حافظ صالح، ص109.

(15)      تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، د. حسن إبراهيم حسن، ج1، ص75.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *