العدد 83 -

السنة السابعة شوال 1414هـ, اذار 1994م

رد على مقال: (المفاوضات في الإسلام)

كتب الدكتور وهبة الزحيلي مقالاً نشرته مجلة كلية الدراسات الإسلامية في دبي في عددها السابع بعنوان (المفاوضات في الإسلام). وبغضّ النظر عما ورد فيه من فتاوى متعددة فإن الذي يعنينا منها ما يتعلق بفلسطين: الأرض المباركة وما يُحاك حولها من مؤامرات، فقد ذهب الشيخ فيما ذهب إلى إباحة المفاوضات الجارية الآن بين حكام العرب وبين اليهود بقوله: (وأما المفاوضات مع إسرائيل بصفة خاصة فلا أجد ما يمنعها شرعاً، فهي على الإباحة) ص26.

ثم إنه في مكان آخر ذهب إلى إقرار الاحتكام إلى قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة حول فلسطين، وكذلك الأخذ بمبدأ (الأرض مقابل السلام) حيث يقول: (لأنهم [أي اليهود] لا يريدون من مفاوضاتهم إلا إقرار الوضع القائم ومبادلة السلم بالسلم وليس على مبدأ (الأرض مقابل السلام) أو ضمان السلم مقابل الأرض المحتلة، كما أنهم لا يرغبون في الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ولا تطبيق القرارات الدولية وبخاصة قراري مجلس الأمن (338، 242) ص33.

وبالنظر إلى أن هذا كلام خطير وأنه يُعدّ باردة سيئة فقد رأيت أن أكتب هذا الرد المقتضب.

فأقول وبالله التوفيق: إن ما يقوم به حكّام العرب من تفاوض مع الأعداء اليهود حرامٌ شرعاً لما يلي:

أولاً: إن هؤلاء الحكّام المفاوضين لا يحكمون بما أنزل الله؛ بل إنهم يحاربون الله ورسوله وينكّلون بالدعاة المخلصين سجناً وتقتيلاً، ويُبيحون الارتداد عن الدين باسم الحرية أو الديمقراطية، ويرخصون لأحزاب الكفر من شيوعية وعلمانية وماسونية وللمؤسسات الكفرية من بنوك ربوية وغيرها بالعمل في بلاد المسلمين. فكيف يبيح الشيخ لهؤلاء أن يتحدثوا نيابة عن الإسلام والمسلمين؟

ثانياً: إن أهم بند مطروح على جدول أعمال المفاوضات التي تبيحها يا شيخ وهبة هو الاعتراف بالكيان اليهودي ضمن حدود آمنة، أي بيعه فلسطين وإقامة علاقات معه. فهل أنت راض بهذا؟ لا أظن أحداً من المسلمين ولو من الفسقة يوافق على إعطاء اليهود الأنجاس شبراً واحداً من أرض المسلمين التي باركها الله بنص كتابه العزيز.

أما استدلال الشيخ بمفاوضة الرسول ص-صلى الله عليه وسلم- والخلفاءِ كفارَ قريش وغيرهم فلا ينطبق على واقع هؤلاء الحكام الذين تتبرع بالإفتاء لهم، إلا إذا كان هؤلاء في نظرك مساوين لأولئك، وهذا ما لم يزعمه أحد، بل إنّ هؤلاء الحكام يأنفون من ذكر الإسلام على ألسنتهم إلا بالسوء.

أما المسألة الثانية وهي اعتراف الشيخ بقرارات مجلس الأمن وما رسخته وسائل الإعلام في الأذهان من مثل مبدأ (الأرض مقابل السلام) فأقول: إن مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات إنما هي شرعة كفر، لأن الذين وضعوا لوائحها وصاغوا قراراتها هم كفار ولأن الذي يتحكم في القرارات الصادرة عنها من الكفار، فلا يجوز لمسلم أن يحتكم إلى شرائع الكفر تحت أي شعار، بل إن القرآن يفرض علينا أن نحتكم إلى الله لا غير، قال تعالى: {إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} وقال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}.

إن قرارات الأمم المتحدة التي يعتد بها الشيخ هي طاغوت وكل ما سوى الإسلام طاغوت أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نكفر به حيث يقول جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا}.

كنّا ننتظر من علماء المسلمين حين يتصدّون للأحداث وما يجري في الساحة من وقائع ومؤامرات أن يُصدروا أحكامهم وفتاويهم عليها من وجهة نظر الإسلام الذي ينتسبون إليه وليس من وجهة نظر أعدائه من يهود ونصارى وعلمانيين وماسونيين. كان الواجب يقتضي علماء المسلمين أن يضعوا للناس الخطوات العملية لإعادة فرض الجهاد للقضاء على الكيان اليهودي النجس واقتلاعه من أرض المسلمين الطهور، لا أن يقوموا بإفتاء الناس بما يحبه اليهود وأعوانهم من حكّام المسلمين.

إنني إذ أستنكر ما أقدم عليه الشيخ الزحيلي من فتوى مضلّلة لأهيب بالعلماء المخلصين الواعين أن يستفيقوا من سباتهم فقد طال ليلهم، وأن يقوموا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي فرضه الله عليهم. كما أهيب بالمسلمين أن يضربوا بمثل هذه الفتاوى عُرضَ الحائط وأن يتعاملوا مع علماء السلاطين بما يستحقون من مقت وتحقير، ومع العلماء الجهلة والغافلين بالحذر والشكّ فيما يقولون.

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}

أبو عبد الرحمن الشمري

دبي في 18/01/1994م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *