العدد 358 -

السنة الواحدة و الثلاثين العدد 358 ذو القعده 1437هـ ، آب 2016م

مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته

مقتطفات من كتاب  التيسير  في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته

( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه
عطاء بن خليل أبو الرشته
أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:

لقد جاءت هذه الآية الكريمة عطفًا على آيات الصيام، علمًا بأن موضوعها في غير العبادات بل في المعاملات، وهذا لبيان أمرين مهمين:

1. إن آيات الله وأحكامه آخذ بعضها برقاب بعض، فلا فرق بين حكم وحكم، ولا بين واجب وواجب، فالذي بيّن العبادات هو سبحانه الذي بيّن المعاملات والعقوبات والسياسة والجهاد، وبيّن الأخلاق والمطعومات والملبوسات وغيرها، وهي على وجهها في القوة نفسها من حيث التنفيذ والالتزام، فالفرض في العبادات كالفرض في المعاملات، مثل الفرض في العقوبات، ومثل الفرض في بيعة الخليفة والجهاد وسائر الأحكام، لا يصحّ الفصل بينها بحال؛ فالإسلام كلّ لا يتجزأ، والدعوة إليه واحدة لتطبيقه في الدولة والحياة والمجتمع.

2. إن الصائم يجب أن يكون أحرص الناس على نقاء مطعمه ومشربه فيحرص على المال الحلال الطيب، والبعد كلّ البعد عن الأسباب غير المشروعة للتملك كالرشوة والتزوير والنفاق واغتصاب حقوق الناس بطاعة الحكام في معصية الخالق وتزيين السوء لهم ليصلوا عن طريقهم إلى غير ما أحلّ الله لهم.

كلّ ذلك ليكون الصائم محققًا للتقوى التي جعلها الله الحكمة من الصيام؛ ولذلك جاء قوله سبحانه في آخر آيات الصيام ( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) ثم جاء العطف بعدها بعدم أكل الأموال بالباطل كنتيجة للتقوى التي يجب أن تمنع صاحبها عن كلّ مال حرام وعن كلّ سبب غير مشروع لحيازة المال.
ولا يعني ذلك أن الابتعاد عن الحرام مقصور على الصائم بل هو أمر الله لكلّ العباد، غير أنه للصائمين أشد أمرًا وأعظم أجرًا فهو دلالة إخلاصهم في صيامهم وأمارة صدقهم في تقواهم.

( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) أي لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حقّ، وهذا على نحو ( وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) الحجرات/آية11 أي لا يلمز بعضكم بعضًا، وليس من باب تقسيم الجمع على الجمع مثل (ركبوا دوابهم) أي ركب كلّ منهم دابته، ليس من هذا الباب وإلا لكان المعنى لا يأكل كلّ واحد منكم مال نفسه، وواضح أن هذا ليس هو المقصود بدلالة ( بَيْنَكُمْ ).

( وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ) (الإدلاء) في الأصل إرسال الحبل في البئر، واستعمل هنا مجازًا بمعنى الإلقاء بها للتوصل إلى شيء.
وهنا يكون المعنى لا تلقوا بعضها إلى حكام السوء على وجه الرشوة.

( لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أي لتستولوا على أموال الآخرين بغير وجه حق فيقضى لكم بسبب الرشوة التي قدمتموها وأنتم على علم بأنكم لستم على حق.

ومن علم أن الحق ليس له ثم قضي له فلا يحق له أخذه بل هو قطعة من نار كما في الحديث: “إنما أنا بشر وأنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من نار” .

ويستدل من الآية والحديث على أن حكم القاضي لا ينفذ باطنًا، فلا يحل به الأخذ إن كان يعلم الآخذ أن الحق ليس له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *