العدد 330 - 331 - 332 -

السنة التاسعة والعشرون رجب وشعبان ورمضان 1435هـ / آيار وحزيران وتموز 2014م

الأمـــة بيـــن الأمـــس واليـــوم

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه كلمة  كتبها أحد الشباب من الرعيل الأول الحاج إبراهيم أبو غزالة (أبو راتب). وحيث كان يرغب في إلقائها في مؤتمر الخليل، والمؤتمر لم ينعقد ونظمت مسيرة في موعده، فإنه يشرف المجلة أن تنشرها على صفحاتها لما فيها من صدق المـــُخبِر والخبر.

الأمـــة بيـــن الأمـــس واليـــوم

ابراهيم أبو غزالة (أبو راتب) – الخليل / فلسطين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين، وبعد

فإن الله تعالى قد أنزل الإسلام على محمد صلى الله عليه وسلم من أجل أن يعم الإسلام العالمين، قال تعالى: ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [ وقال: ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ وقد طبَّق عليه الصلاة والسلام الإسلام نظاماً سياسياً كاملاً وشاملاً لجميع مناحي الحياة في السياسة الداخلية والخارجية في المدينة المنورة، مركز الدولة الإسلامية الأولى، وأخذت بالتوسع في الجزيرة العربية. وبعد أن انتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى أخذ البيعة على الخلافة أبو بكر رضي الله عنه فحارب المرتدين، ثم جاء عمر أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وقد كبرت في عهده الدولة الإسلامية بالفتوحات، وهكذا توالى الخلفاء والأمراء والسلاطين والمعنى واحد وهو رئيس الدولة الذي يبايع على الكتاب والسنة، وقد عاشت الدولة الإسلامية على هذا المنوال، وهي تتسع رقعتها بالفتوحات حتى تعاظمت الأمة الإسلامية والخلافة تقودها، وكان سر حياتها الإسلام العظيم الذي قال الله فيه: ] قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ [ ولما أيقنت دول الكفر بالخطر المحدق بهم، وخوفاً من أن تبتلعهم دولة الخلافة، وهرباً من النور إلى الظلام، أخذوا يخططون ويعقدون المؤتمرات، وبعثوا بالغزوات التبشيرية تمهيداً للإطاحة بالخلافة. وبعد مائة وثمانين عاماً من بداية التخطيط حسب ما جاء في مذكرات العاملين مع وزارة المستعمرات البريطانية استطاعت بريطانيا الكافرة أن تطيح بالخلافة في إستانبول آخر عاصمة كانت لها في الدولة العثمانية على يد المجرم الأكبر مصطفى كمال (أتاتورك) في سنة 1342هـ الموافق 1924م، وقد قطعت أوصال الأمة الإسلامية إلى دويلات وزرع فيها الخنجر المسموم، دولة يهود، في قلب العالم الإسلامي فلسطين المباركة، وتحولت المجتمعات في العالم الإسلامي إلى مجتمعات غير إسلامية، تحكم بأنظمة جمهورية وملكية وإماراتية بالنظام الرأسمالي، وواصل الحكام المُنصَّبين تآمرهم على شعوبهم وعلى بلادهم يشيعون شعارات الضلال من إقليمية ووطنية ولغة تقرير المصير والاستقلال والعرب والعروبة، تلك الشعارات السامة لتتجرعها الأمة وتستسيغها الشعوب، حتى نسيت الأمة أنها أمة الخير، وأنها كانت على رأس العالم بالنور الذي تحمله نور الإسلام، ولما ساء حال المسلمين أكثر فأكثر، وصار المسلمون يصفقون للذي يتآمر عليهم وهم لا يشعرون، كانوا يتصورون أن هذه هي الحياة الطبيعية، وأن الدنيا هكذا تكون وكأن الأمة باتت كالمارد الذي في غيبوبته، ولكن وما إن مضى على سقوط الخلافة ثلاثون عاماً، وإذا بالعلاَّمة الكبير تقي الدين النبهاني يطلع علينا سنة 1952م، بفضل الله وحده، من بيت المقدس داعياً إلى استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية دولة الخلافة حتى تعود الأمة إلى سيرتها الأولى، فأقام رحمه الله حزب التحرير وبناه فكرياً وعضوياً، وترسَّمَ الحزب طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام في إقامة الدولة وتأسَّى بها، وما إن بدأ الحزب يعمل حتى اصطدم بالمجابهات والموانع من الدول التي  مكنت لليهود كياناً في فلسطين.

وبدأت الاتهامات للحزب من المخابرات والترميج من الوظائف لأعضاء الحزب لقطع الأرزاق والاعتقالات، والمؤامرات التي تعقدها وزارات الداخلية في الدول العربية للتنسيق فيما بينها لمحاربة الحزب والعمل، واتباع سياسة التعتيم عليه… ووصل الحال إلى الإعدامات لأعضاء الحزب في بعض الدول التي كان منها سوريا وليبيا والعراق. أما ما كان عليه حال الأمة في الخمسينات والستينات، فكما قلنا بأن الأمة احتوتها الشعارات من وطنية وإقليمية واشتراكية في ذلك الوقت، والتعلق بالزعامات الفردية مثل الناصرية والثقة المطلقة بالحكام، فيما كان الناس إذا ما ذكر اسم الخلافة والخليفة غلب على أذهانهم أنها أسطورة قد مضى زمانها، وأن الخليفة هو ذاك الشيخ الكبير المقلد بالمسابح والمحاط بمناقل البخور والجواري من حوله، كما كان يصور لهم التاريخ المزور الكاذب، ولمَ لا يكونون كذلك وهم هم الناس الذين كان منهم من يتزوجون ويعرسون في بعض القرى في رمضان ويأكلون ويشربون في النهار ويتقبلون التهاني والتبريكات. والواقع أن ما كان يحصل في ذلك الوقت من مآسي ومظاهر الانحطاط، سواء ما كان في فلسطين أم في الأردن ما هو إلا شريحة من شرائح العالم الإسلامي عامة، والبلاد العربية خاصة، ومما يذكر أن الملك عبد الله بن الحسين  لما قُتل في الأقصى سنة 1952م، إذا بالنسوة ينزلن إلى الشارع في الخليل في فلسطين لينصبنَ الحلقات ويلطمنَ الخدود ويشققنَ الجيوب بأنهنَّ فقدنَ عزيزاً ملكاً منقذاً غالياً عليهن، وهو الفرع الذي انسلَّ من الجذر الذي تآمر على دولة الخلافة مع الإنجليز. وهو نفسه الذي شارك في تسليم فلسطين لليهود سنة 1948م، وكذلك لما مات جمال عبد الناصر سنة 1969م والذي كشفه التاريخ للناس عميلاً لأميركا، ولكن بعد أن سبق السيف العذل، قام الناس بالجنازات الصورية في فلسطين «الضفة الغربية» لموته فيما كانت النسوة يشققنَ الجيوب ويلطمنَ الخدود قبل أن يتكشف أمره للناس. وما كان يلفت الأنظار في السابق أننا لم نكن نشاهد في المساجد غير الشيوخ الركع ونادراً ما كنا نرى شباباً يدخلون المساجد.

وأما الذين كانوا يقرؤون فقد كان هَمُّ الكثيرين منهم تتبع أخبار الأسر المالكة والأميرات والرياضة وما كانت تحتويه المجلات من أحجيات.

وما يجدر ذكره أن الحزب لما كشف مؤامرة تسليم الضفة الغربية سنة 1964م (التي سمتها السلطة الفلسطينية اليوم بفلسطين)  شكل الوفود في حينها للبلاط الملكي في الأردن ولجميع محافظي محافظات الضفة الغربية ليطلعهم على المؤامرة ولردعهم عن المشاركة أو الرضا بتسليمها لليهود، فما كان الجواب إلا أن سلمت الضفة الغربية جهاراً نهاراً إلى يهود سنة 1967م تنفيذاً لمؤامرة بريطانية، وفي نفس الأسبوع الذي جرت فيه التمثيلية لتسليم الضفة الغربية، حتى إذا ما قلنا بأن الذي يجري خيانة ومؤامرة من أجل تسليم الضفة الغربية,،كنا نُتوعد من الناس بالانتقام، ويُقال لنا ويلكم بعد انتهاء الحرب التي كانت وهمية بالطبع. وما كان يعزينا إلا صبر الأنبياء على ما كانوا يلاقونه من أقوامهم.

ولكن، وبعد أن قطع الحزب شوطاً طويلاً من عمله في الأمة منذ سنة 1952م وحتى اليوم، فقد تغيَّر حال الأمة من حال إلى حال. فبعد أن كانت الأمة تلتحم مع حكامها وتثق بهم، فقد تدابر الطرفان ووقعت الخصومة بينهما، وصار الناس يلعنون حكامهم ويحسون أنهم هم المقصودون من حكامهم. وما تعبئة السجون وعربات ردع الشوارع والقمع ومحاربة الدعوة الإسلامية إلا دلالة على أن الناس هم العدو لسلطانهم.

وأما الدعوة إلى الوطنية فكأنها لم تكن، فقد حل محلها طلب العودة إلى الإسلام والخلافة لأنها منقذة العالم، وأنها الأم للأمة الإسلامية. وبعد أن كانت أسطورة مشوهة، فقد ذهب الادعاء في عداد التاريخ حسبما كان يجري من تضليل، وأما الدعوة إلى الشيوعية والاشتراكية فقد اندثرت كذلك، وأما التعلق بالزعامات الفردية فلم يعد لها وجود وغدت الأمة لا يقدر على قيادتها طوعاً زعيم أبداً. وكيف لا ينكشف هؤلاء الجكام ؟ وهي ترزح تحت حكمهم الجبري.

وأما الآمال التي كانت تعقد على مؤتمرات زعماء العرب والجامعة العربية قد حل محلها الفأل في عودة الخلافة، بعد ان قُرعَت الآذان بقوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به» وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: «… ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».

وبعد ….

فإن هذا التغيير الذي حصل لواقع الأمة في أفكارها بعد هذا الشوط الطويل الذي قطعه الحزب يرينا كيف أن التغيير لا يتأتى تلقائياً دون الجهود المضنية بالعمل الحزبي السياسي. ثم إن قلب الأوضاع وإقامة دولة الخلافة ليس بالأمر الهين ولكنه من المستطاعات. وإن تغيير واقع الأمم من حال إلى حال، وتغيير المجتمعات لا يُبخَل عليه بالسنين؛ لأن أعمار الأمم ليست كأعمار البشر.

والآن وبعد أن أظل زمن الخلافة وفاح عطرها، فان الكافر وعملاءه لا يزالون يضعون الأشواك في طريقها لتأجيل الإعلان عنها، ولكن لن يستطيعوا أكثر من ذلك. وليعلم المسلمون أن عودة الخلافة ليست إلا «مسألة وقت»؛ فعلينا مجابهة أعدائنا بإصرارنا على إعادتها وعلى أنها وعدٌ وفرض.

فالله تعالى يقول: ] إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *