العدد 383 -

السنة الثالثة والثلاثون، ذو الحجة 1439هـ،، آب 2018م

لماذا يبطئ الناس عند النداء لإقامة الخلافة؟!

لماذا يبطئ الناس عند النداء لإقامة الخلافة؟!

إبراهيم عثمان أبو خليل

 (الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان)

إن الله سبحانه وتعالى قد أجمل كثيرًا من الأحكام في آيات القرآن الكريم، فبيّنها النبي صلى الله عليه وسلم وفصّلها؛ فمثلًا أمرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أن نقيم الصلاة، وأن نؤتي الزكاة، وأن نحج البيت، ولكن الآيات لم تبين كم هي عدد الصلوات المطلوب إقامتها، وكيف نؤدي هذه الصلوات… وما إلى ذلك، كما لم توضح الأصناف التي تؤخذ منها الزكاة، ومقاديرها، وأوقاتها، وكل ما يتصل بها، وكذلك الحج، لم تحدد الآيات كيفية الإحرام مثلًا أو عدد أشواط الطواف، ووقت الوقوف بعرفة، وغيرها من مشاعر الحج.

ففي أمر الصلاة يقول سبحانه: ]حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ ٢٣٨[، وقال سبحانه: ]وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ ٩[، وقوله تعالى: ]أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡهُودٗا ٧٨[، فعلمنا الحبيب صلى الله عليه وسلم أن الصلوات المفروضة هي خمس صلوات في اليوم والليلة، وأبان لنا عدد ركعاتها وسجداتها، وأماكن السر والجهر، وكل ما يتصل بها من أحكام فصيلية، وأجمل كل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «… وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».

أما في الزكاة، فيقول جل وعلا: ﴿وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ [، ويقول سبحانه: ]فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعۡتَصِمُواْ بِٱللَّهِ[، ويقول سبحانه: ]ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ[، فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الأصناف التي تخرج منها الزكاة، ومقاديرها ومواقيتها… وما إلى ذلك من تفصيل.

أما الحج، فقد قال الله عز وجل: ]وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ[، وقال تعالى: ]وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ[، فحج النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه آلاف من المسلمين يقتدون به، ويعلمهم، ويقول لهم: عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ عَلَى بَعِيرِهِ بِحَصَى الْخَذْفِ وَهُوَ يَقُولُ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ». هذا الذي بينه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، لا يرضى أي مسلم أن يغير ولو جزءًا يسيرًا منه، ولا يقبل أن يؤتى أي حكم مما بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم إلا على وجهه الذي بينه.

لكن العجيب والمحيِّر، هو أن المسلمين رضوا، أو قل سكتوا، عقودًا من الزمان، عندما تم تغيير أحكام الإسلام، المتعلقة بالحكم والسياسة والاقتصاد وغيرها، رغم أنها جاءت بآيات صريحة، بينها النبي صلى الله عليه وسلم وفصّلها، بل وحكم بها عمليًا، وسار على أساسها صحابته الكرام، والتابعون من بعدهم، قرونًا من الزمان، فالله سبحانه قد أمرنا بأن نحكم بما أنزل، فقال عز وجل: ]فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ[، وقال جل وعلا: ]وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ[، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو خطاب لأمته، أن تحكم بما أنزل الله من بعده، وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم من هو الذي يحكم بما أنزل الله من بعده، فقال صلى الله عليه وسلم: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ»، أخرجه مسلم. فعلم الصحابة رضوان الله عليهم أن نظام الخلافة هو النظام الذي على أساسه يتم تنزيل أحكام الله المتعلقة بالسياسة والحكم والاقتصاد والاجتماع وغيرها، فأقاموا أحكام الله في الأرض، ضمن هذا النظام، وظلت الأمة قرونًا من الزمان، لها خلافة، ولها خليفة، ولكن منذ سقوط الخلافة في إسطنبول في العام 1342هـ، الموافق 1924م، وحتى يومنا هذا، غاب حكم الإسلام عن الأرض، وتحكمت فينا أحكام الكفر الغربية، وأهواؤهم، واعتاد الناس على هذه الأنظمة عقودًا من الزمان، وسكتوا على ضياع أحكام الإسلام المتعلقة بالسياسة والحكم والاقتصاد…

فلماذا سكت الناس عن عدم تطبيق أحكام الإسلام في الأرض، ولماذا ارتضوا بأنظمة تخالف نظام الإسلام في الأساس والفروع؟ ثم لماذا يبطئ الناس عند النداء لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ولا يبادرون للعمل مع المخلصين من أبناء الأمة، الساعين لاستئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وإعادة حكم الإسلام إلى الأرض؟

الإجابة عن هذا البطء في الاستجابة من قبل المسلمين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة يكمن في عوامل عديدة، نذكر منها الأهم:

أولًا: ضياع دولة الخلافة، وهذا تسبب في تقسيم بلاد المسلمين بين المستعمرين الأوروبيين الكافرين، الذين أبعدوا الإسلام عن الحكم والسياسة، وحكموا الناس بأنظمتهم وقوانينهم، ثم أقاموا المدارس والمعاهد والجامعات، على الأساس الغربي، فتعلم فيها قسم كبير من أبناء المسلمين، الذين أصبحوا فيما بعد عملاء فكريين وسياسيين للغرب الكافر، فأورثهم الكافر المستعمر حكم بلاد المسلمين، بعد أن ضمن أنهم سيحكمون بالأحكام ذاتها، والدساتير والقوانين التي حكم الغرب بها بلاد المسلمين عقودًا من الزمان، وكان الكافر المستعمر حريصًا على عدم المساس بالعبادات، مثل الصلاة والصوم والحج.. حتى لا يثير مشاعر المسلمين، بل كان يشجع على هذه العبادات، ولكنه ما كان يسمح بالحديث عن الحكم والسياسة، على أساس الإسلام، وبذلك نشأ جيل من أبناء المسلمين لا يعرفون عن الإسلام غير أحكام العبادات والأخلاق والمطعومات، وإذا تحدثوا لهم عن الحكم، أو حتى الخلافة، ذكر ذلك باعتباره تراثًا تاريخيًا انتهى بزمانه!

ثانيًا: علماء باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وارتضوا لأنفسهم بأن يكونوا مطايا للحكام، يفتون بما يوافق هوى الحكام، لتثبيت عروشهم المهترئة، ومقابل عملهم هذا يقوم الإعلام المأجور بتلميع هؤلاء العلماء، ليأخذ العامة من الناس دينهم عنهم، فثبَّط هؤلاء العلماء همم أبناء الأمة، وقالوا إن الحكام الموجودين الآن هم ولاة الأمر، الذين تجب طاعتهم، ولا يجوز الخروج عليهم حتى ولو بالقول، وبعضهم يفتري على أحكام الإسلام، ويؤوِّل النصوص وينزلها في غير محلها، حتى يلبس على الناس دينهم، فكان لهؤلاء أثرٌ سيئٌ في وسط الأمة، خاصة وأن الأمة تحتاج لعلماء تأخذ دينها منهم.

ثالثًا: وجود حركات وجماعات وأحزاب تتسمى بالإسلام، وهي أبعد ما تكون عن الإسلام، بعضها يشارك الحكام باطلهم، ويقول بأن الإسلام مرن، يتماشى مع الواقع، أي أنهم واقعيون، يأخذون معالجاتهم من الواقع الفاسد، رغم ادعائهم الإسلامية. ومنهم من يقول إنه لا بد من الاهتمام بالعقيدة وتصحيحها دون فهم لماهية العقيدة، وكأن عقيدة الإسلام عقيدة نظرية لا علاقة لها بأنظمة الحياة، فأبعدوا كثيرًا من الشباب عن العمل السياسي الجاد. وقسم ثالث يقول بالقدرية الغيبية، أي أن الحكم من الله، وهو الذي يولي في كل زمان من يولي، وما علينا إلا الدعاء والصبر حتى يولي الله علينا الصالحين، ويزيل عنا الطالحين الذين جثموا على صدورنا بذنوبنا، هؤلاء وغيرهم كان لهم أثرٌ كبيرٌ في تضليل الأمة وإقعادها عن العمل من أجل النهضة على أساس الإسلام العظيم.

ولكن رغم وجود هذه العوامل، وغيرها، التي تبطئ بالناس في الاستجابة لنداء الخلافة، إلا أن الأمة ما زال الخير فيها، وفي المخلصين من أبنائها الذي يصلون ليلهم بنهارهم، من أجل استئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، متحمِّلين كل التبعات والمشاق في سبيل تحقيق هذه الغاية السامية، وقد أثمر عملهم هذا أنْ أصبحت الخلافة أشواق الأمة، بعدما كفرت بكل الأنظمة التي طبقت عليها، وبعدما سقطت كل الدعاوى لبعض الحركات الإسلامية والأحزاب، التي تقول بالديمقراطية، والمشاركة في السلطة لتحقيق شرع الله في الأرض، وبعد أن انكشف كل عملاء الغرب الكافر، السياسيين والفكريين، كما انكشف علماء السلطان، فما عاد الناس يثقون في فتاويهم، بل أصبح الناس أكثر ثقة بحمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. وهنا يقع العبء الأكبر على حملة الدعوة، في أن يبذلوا مزيدًا من الجهود، في إقناع الأمة بفكرتهم التي لا خلاص للأمة إلا بها، بل لا خلاص للبشرية كلها إلا بها، في وقت استشعر فيه الغرب الكافر خطورة الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فبدأ مذعورًا يشعل الحرائق في كل مكان في العالم الإسلامي، ويوجد الفتن بين أبناء المسلمين، ويجيش الجيوش، ويصنع الأحلاف لضرب الإسلام، باسم الحرب على (الإرهاب).

ورغم هذا الكيد، ما زالت الأمة بخير، وما زالت الدعوة إلى الخلافة ترتقي من عليّ إلى أعلى، في نفوس أبناء الأمة، فالمطلوب من حملة الدعوة أن يصدقوا الله ويسرعوا الخُطا، ويركزوا على مناقشة الناس مناقشة عقائدية، ويبينوا لهم أن أمر الخلافة فرض كفرضية الصلاة التي لن يقصروا في أدائها، وأن الذي جعل الصلاة فرضًا، هو الذي جعل الخلافة فرضًا، وإن كانت الخلافة فرض كفاية، فإن الكفاية لم تحدث بعد؛ لأن فرض الكفاية لا يسقط إثم القاعدين عن القيام به، إلا إذا أُقيم، فكل مسلم لا يتلبس بالعمل الجاد لإقامة الخلافة فهو آثم، وإن مات على ذلك فميتته جاهلية، فالأمة جاهزة يا شباب حزب التحرير لتتحرك معنا من أجل إعادتها راشدة كالخلافة الأولى؛ خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم أجمعين، فكونوا لها القادة، وكونوا لها القدوة في الدعوة والعمل، حتى يأذن الله بنصره وفتحه، وإقامة حكمه في الأرض بعد أن استفحل ليل الظلم والظالمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ ٥١

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *