العدد 383 -

السنة الثالثة والثلاثون، ذو الحجة 1439هـ،، آب 2018م

مشروع الأمة الإسلامية الحضاري إلى صعود وارتقاء، ومشروع الغرب إلى انحدار وهبوط

مشروع الأمة الإسلامية الحضاري إلى صعود وارتقاء،

ومشروع الغرب إلى انحدار وهبوط

الأستاذ خالد حسن – أبو مصعب

إن المتتبع للأحداث والمدقق لما يجري ويدور هذه الأيام يرى أن مشروع الأمة الإسلامية الحضاري “الإسلام السياسي” والمتمثل بـ”دولة الخلافة” إلى صعود وارتقاء رغم ما لحق ويلحق بالأمة من ويلات ومآسٍ ودمار وخراب على يد الكافر المستعمر، وفي مقدمته أميركا العدو الأول للإسلام والمسلمين، فلم يكتفِ هذا الكافر بإزالة تاج الأمة عن رأسها المتمثل بالخلافة وإقصاء الإسلام عن سدة الحكم؛ حيث عمد إلى تقسيم الخلافة إلى كنتونات ودويلات هزيلة، ونصب عليها حكامًا عملاء نواطير يطبقون أحكامه وقوانينه، وقام بغزو الأمة الإسلامية في جميع نواحي الحياة. وزاد المستعمر من وحشيته وتنكيله بالمسلمين لا سيما أميركا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول من عام 2001م، حيث أقدم على احتلال أفغانستان، ثم بلاد الرافدين العراق، وقد أهلك الحرث والنسل، فقتل وذبح وشرد الملايين، ودمر الحجر والشجر ونهب الخيرات والثروات.

بالرغم مما أصاب الأمة من ضربات ونكبات ونكسات وهزات عنيفة على يد عدوها الكافر المستعمر وعملائه حكام العهر والخيانة الذين ساموها سوء العذاب، ونالوا منها من ظلم وعسف وجور وتنكيل وتجويع وقتل وترويع، إلا أنها أمة حية ما دام الإيمان ينبض في عروقها، فقد تحركت وزمجرت وثارت على حكامها الظلمة، وأخذت تطالب بالتغيير، بل أبعد من ذلك أخذت تنادي بضرورة إسقاطهم، فرفعت شعار “الأمة تريد إسقاط النظام”، لا سيما ما حدث من ثورات في بعض بلدان المسلمين، مثل تونس ومصر وليبيا واليمن، وأخيرًا ثورة الشام المباركة التي أخذت منحى آخر، فبرزت فيها الهوية الإسلامية، فأخذت تطالب وتنادي بإسقاط النظام وإيجاد الإسلام السياسي المتمثل “بنظام الخلافة” بديلًا عنه. هذه الثورة كشفت شعاراتها عن هوية الأمة وتطلعاتها، والتي كان منها: “هي لله، هي لله، لا للسلطة ولا للجاه”، “قائدنا للأبد سيدنا محمد”… هذه الشعارات وغيرها أثلجت الصدور، ورقت لها القلوب، وذرفت لها العيون.

وعندما ظهر على ثورة الشام المباركة هويتها الإسلامية، تآمر عليها القريب والبعيد، وقبل قادة الفصائل بالمال السياسي القذر الذي كان يدفع بقصد إخمادها والإبقاء على النظام العلماني القائم.

إن هذه الثورات التي حصلت في بلاد المسلمين كشفت عن معدن الأمة الأصيل الطيب، وإن تنكبت وتعثرت في طريقها ردحًا من الزمن لكنها أمة حيّة، أمة تأبى الضيم والخنوع. هذا الموقف يبعث على الأمل، ويبشر بخير إن شاء الله.

* موقف آخر يبعث على التفاؤل ويعزز الأمة هو ثقتها بدينها عندما تهجمت بعض الصحف الغربية لا سيما الدنماركية والفرنسية على سيد الخلق محمد B؛ حيث قام ثلة من أبناء المسلمين بالثأر للنبي B، فهاجموا مقرات تلك الصحف، هذا عدا عن المسيرات والاحتجاجات التي جابت كثيرًا من بلدان المسلمين؛ حيث أوصلت الأمة رسالة للغرب عمومًا بأن المسّ برمز الأمة نبيها وقائدها وقدوتها محمد B خط أحمر لا يجوز المساس به مهما بلغت التضحيات الجسام.

* وموقف آخر تبرز فيه العزة ويكشف عن معدن الأمة الطيب الأصيل هو هبّة المسلمين في فلسطين، وبالذات أهل القدس، عندما أراد يهود تدنيس المسجد الأقصى المبارك ومنع المسلمين من أداء الصلاة فيه. فكان ثبات المسلمين وصبرهم وإصرارهم على دخول المسجد الأقصى بعزة وكرامة، وامتناعهم عن الدخول من خلال البوابات الإلكترونية قد كسر شوكة يهود وأجبرهم على سحب إجراءاتهم ومخططاتهم الخبيثة بحق المسجد الأقصى المبارك.

 هذا الموقف البطولي أظهر نصرًا للمسلمين وضعفًا لليهود الأعداء من جهة، ومن جهة أخرى كشف عن روح الجهاد وحب التضحية في سبيل الله عند المسلمين، كذلك حبهم لعقيدتهم وحبهم لصاحب المسرى سيد الخلق محمد B.

وكان من آخر المواقف التي أظهرت حيوية الأمة عندما أعلن رئيس أميركا ترامب الأرعن والأحمق بأن القدس بقسميها الغربي والشرقي عاصمة لكيان يهود، حيث خرجت الأمة في مسيرات ووقفات غضب نصرة للقدس التي فيها المسجد الأقصى مسرى الحبيب محمد B أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، هذا الموقف كشف عن معدن الأمة الأصيل، وعن مدى حبها لمقدساتها، وعن مدى شوقها وحبها لتحريرها بل لتحرير كل فلسطين من بحرها إلى نهرها عن طريق الجهاد في سبيل الله.

هذه المواقف وغيرها تكشف حقيقة معدن الأمة، وحقيقة موقفها، وتكشف أن الصورة واضحة وجلية عندها، وأنها أخذت تتحسس طريقها وتؤوب إلى رشدها، وأنها أدركت أن خلاصها ونجاحها وفلاحها وسعادتها وتقدمها، لا يكون إلا بالرجوع إلى دينها الذي لا يصلح حالها إلا بما صلح به أولها، كيف لا يكون ذلك ودينها هو دين الفطرة، دين الحق والعدل، دين القيم والمثل العليا، هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله جل في علاه لنا، قال الله تعالى: ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾. كما أدركت الأمة بأن مبدأ الإسلام هو رمز عزتها وقوتها ووحدتها، قال الله سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ٨﴾، ورحم الله فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب عندما قال مقولته المشهورة: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله».

بهذا الإدراك والشعور والإقبال من قبل الأمة على دينها أخذت ترتقي وتصعد شيئًا فشيئًا، خاصة وأن الله سبحانه قد حباها بحزب مبدئي، هذا الحزب هو حزب التحرير الذي نذر حياته طاعة لله وحده، وهو يواصل ليله بنهاره من أجل استئناف الحياة الإسلامية، وتطبيق شرع الله تعالى من خلال دولة الخلافة التي ترفع الأمة إلى الرفعة والسناء والعز، والنصر والتمكين. وقد استطاع الحزب بفضل الله سبحانه ومنته أن يوجد في الأمة رأيًا عامًا عن الخلافة، حتى غدا مطلبًا ملحًا عندها.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن ما يدلل على صعود مشروع الأمة الحضاري، وأنه إلى تقدم وصعود، البشائر التي ساقتها الأدلة الشرعية، والتي تبعث على التفاؤل والأمل، وتعزز ثقة الأمة بدينها الذي هو رمز عزتها، وأن مشروعها الحضاري كائن وحاصل رغم أنف الكفار وأعوانهم، ومن الأدلة الشرعية التي تتحدث عن مستقبل مشروع الأمة الحضاري:

* قال الله سبحانه: ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥﴾.

* قال رسول الله B: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها… ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت» رواه البزار والطبراني ورجاله ثقات.

* وروى مسلم والحاكم وغيرهما عن ثوبان قال رسول الله B: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها».

* وروى ابن حبان في صحيحه عن المقداد بن الأسود عن النبي B: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل به الكفر».

أما مشروع الغرب الرأسمالي فهو مشروع هابط وإلى زوال، يحمل في طياته السقوط، وزواله آتٍ في كل مجالات الحياة، سواء على الصعيد الفكري، أم الاجتماعي، أم السياسي، أم الاقتصادي، أم العسكري.

* أما على الصعيد الفكري: فأساس المبدأ الرأسمالي يقوم على فصل الدين عن الحياة “دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله”، ويجعل المنفعة والمصلحة مقياس أعماله، ومفهوم السعادة عنده يقوم على الأخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية، وأعطى للإنسان الحريات المطلقة بمعنى الإفلات من كل قيد، سواء حرية العقيدة، أم حرية الرأي، أم حرية التملك، أم الحرية الشخصية. كما نظر للقيم نظرة مادية بحتة، وهو لا يقيم وزنًا ولا اعتبارًا للقيمة الروحية، ولا للقيمة الخلقية، ولا للقيمة الإنسانية.

* أما على الصعيد الاجتماعي: فالمبدأ الرأسمالي ينظر إلى المرأة على اعتبار أنها تحفة جميلة، فأبرز مفاتنها وجسمها العاري في الحياة العامة، وأعطاها الحرية الشخصية المطلقة، وشجع الإباحية والشذوذ الجنسي، وهذه العلاقات غير الطبيعية تأباها حتى الحيوانات.

وإليكم إحصائيات حديثة لجرائم القتل والاغتصاب والسرقة؛ ففي أميركا مثلًا زعيمة المبدأ الرأسمالي كنموذج لهذا المشروع الغربي المتهالِك، وفقًا لأحدث التقارير الصادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي “إف بي آي” فإن البلاد شهدت العام الماضي مليونًا و195 ألفًا و704 جرائم عنف، قتل فيها 15 ألفًا و696 شخصًا، وسجلت الشرطة الأميركية خلال العام الأخير 90 ألفًا و185 حادثة اغتصاب، و323 ألفًا و374 حالة سرقة.

وبحسب بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي فإن نسبة جرائم الكراهية ضد المسلمين زادت 67%، وارتفعت حالات الاعتداء عليهم من 154 في عام 2014م إلى 257 في عام 2015م.

* أما على الصعيد السياسي: فالغرب الكافر وعلى رأسه أميركا عدوة الإسلام والمسلمين تقوم سياسته على الخداع والاحتواء والهيمنة وبسط النفوذ دون أن يعبأ بمصير الدول وشعوبها وحقوقهم وسعادتهم، لا سيما المستضعفين منهم. كيف لا والمبدأ الرأسمالي يقوم على الجشع والمصلحة. فالغرب الكافر يتدخل في رسم سياسات الدول الضعيفة لتحقيق مصالحه ومآربه، ولا أدّل على ذلك من احتلال أميركا الحاقدة لأفغانستان والعراق حيث أهلكت الحرث والنسل هناك.

* أما على الصعيد الاقتصادي: فالنظام الرأسمالي يناقض الفطرة حينما أعطى الإنسان الحرية المطلقة لحرية التملك، فهو لم يحدد له كيفية التملك وأسبابه، سواء أكان بالقمار، أم بالغش، أم بالسرقة، أم بالمخدرات، أم غيرها؛ فنجد هذا النظام يقوم على أساس المنفعة وتحقيق القيمة المادية فقط، ولا يعبأ بغيرها من القيم، وبالتالي ينظر الغرب الذي يتزعم هذا النظام الجشع للعالم وكأنه مزرعة يسخرها لتحقيق مصالحه المادية، ومن أجل ذلك قام الغرب عمومًا وأميركا خصوصًا على نهب وسلب خيرات وثروات الشعوب الضعيفة لا سيما المسلمة منها؛ لذا يقوم باحتلال البلاد لتحقيق هذه المآرب، ولا أدّل على ذلك من إقدام أميركا على احتلال العراق.

كما أن الغرب الكافر وعلى رأسه أميركا سخّر المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لبسط النفوذ والهيمنة.

مع كل هذا وذاك نجد الاقتصاد الغربي، لا سيما الاقتصاد الأميركي، يعيش أزمة اقتصادية مستعصية، وقد مرَّ بعدِّة أزمات اقتصادية لا سيما الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1929م، وتحت عنوان أسباب تعثر الاقتصاد العالمي منذ الأزمة المالية – موقع الجزيرة نت: يواصل الاقتصاد العالمي تعثره في عام 2015م فوفقًا لتقدير الأمم المتحدة “وضع الاقتصاد العالمي وتوقعاته لعام 2016م، انحدر متوسط معدل النمو في الاقتصادات المتقدمة بما يتجاوز 54% منذ اندلاع الأزمة، وقد بلغ عدد العاطلين عن العمل في الدول المتقدمة نحو 44 مليونًا، بزيادة بلغت نحو 12 مليونًا عن عام 2007م، في حين بلغ التضخم أدنى مستوياته منذ بداية الأزمة”.

* أما على الصعيد العسكري: فنرى الدول الغربية وفي مقدمتها أميركا التي تعتنق المبدأ الرأسمالي، والذي من طريقته لنشر مبدئه استعمار الشعوب المغلوبة على أمرها والمقهورة، وخاصة المسلمين منهم، بقصد بسط السيطرة والنفوذ والهيمنة عليها، ونهب الخيرات والثروات والمقدرات. ولتحقيق ذلك دأبت تلك الدول الاستعمارية على تقسيم دولة الخلافة العثمانية إلى دويلات من أجل تفتيت وإضعاف المسلمين ضمن معاهدة أجريت بين بريطانيا وفرنسا آنذاك والتي سميت معاهدة “سايكس بيكو”.

وقد زادت أميركا شراسة عندما أعلنت الحرب على أفغانستان، ثم تلتها بلاد الرافدين العراق بعد أحداث أيلول لعام 2001م، وكانت نتيجة الحرب المستعِرة احتلال كل منهما؛ حيث قامت بأهلاك الحرث والنسل، وبسط النفوذ والهيمنة، وهي تعمل على تقسيم العراق إلى أقاليم طائفية عندما تكون الفرصة سانحة. بمعنى آخر تريد أميركا تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ لبلاد المسلمين، وإقامة مشروع جديد أطلقت عليه مشروع الشرق الأوسط الكبير، وقد دأبت على عقد تحالفات دولية عسكرية لا سيما في أفغانستان والعراق وليبيا واليمن، وكان آخرها في سوريا عقر بلاد المسلمين من أجل تحقيق مشروعها الجديد.

كل هذه المعطيات وغيرها تُري بأن مشروع الغرب حمل ويحمل في طياته وجنباته للبشرية الشقاء والفناء، فهو لا محالة إلى هبوط وتردٍّ وإلى زوالٍ بإذن الله تعالى.

في حين نجد أن مشروع الأمة الإسلامية الحضاري، الإسلام السياسي المتمثل بإعلان “الخلافة الراشدة على منهاج النبوة” إلى صعود وارتقاء، وهو يسير من عليٍّ إلى أعلى حتى غدا مطلب الأمة الإسلامية، فلتطمئنَّ ولتقرَّ عينها، فإنَّ النصر والتمكين موعدها، والخلافة الراشدة مستقبلها، وهي آتية لا محالة بإذن الله تعالى.

وما على الأمة إلاّ أن تعمل مع العاملين، والله غالب على أمره، وناصر عباده الأتقياء، ومنجز وعده، ومدافع عن عباده المؤمنين المخلصين.

قال الله سبحانه: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٤٧﴾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *