العدد 52 -

السنة الخامسة – العدد 52 – محرم 1412هـ الموافق آب 1991م

مع القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

 (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (سورة التوبة 40).

 

تتحدث هذه الآية الكريمة عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بصحبة أبي بكر رضي الله عنه من مكة إلى المدينة، وكان ذلك لثلاث ليالٍ بقين من جُمادى الآخرة حين خرج رسول اللهصلى الله عليه وسلم  من بيت أبي بكر ليلاً إلى غار ثور بأسفل مكة، ومكث فيه ثلاثة أيام خُفْية ومعه أبو بكر الصدِّيق.

وخرج من الغار في الأول من ربيع الأول ودخل المدينة يوم الاثنين في  12من ربيع الأول. وقد أرَّخ المسلمون فيما بعد للهجرة من أول شهر محرم من السنة نفسها، أي أنَّ التاريخ سابق للهجرة بشهرين.

(إِلَّا تَنْصُرُوهُ) أي تنصروا الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم فان الله ناصره كما نصره (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي عام الهجرة من مكة إلى المدينة لمَّا هم المشركون بقتلة أو حبسه أو نفيه (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) فأمر عليَّ بن أبي طالب كرم الله وجهه أن ينام مكانه وخرج من بين القوم سالماً بتوفيق الله.

(ثَانِيَ اثْنَيْنِ) أي الرسولصلى الله عليه وسلم  ومعه أبو بكر رضي الله عنه.

(إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )أي أثناء وجودهما في الغار كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لصاحبة أبي بكر (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )وهذه فضيلة لأبي بكر رضوان الله عليه شهد بها القرآن الكريم. فليفهم هذا الذين يطعنون بأبي بكر، وليتقوا الله فإنهم يخالفون نص القران القطعي الدلالة.

لقد حاول بعضهم تأويل النص، وزعم أن الآية لا تتضمن مدحا بأبي بكر بل هي تتضمن ذمَّهُ: قالوا بأن الصحبة لا تستلزم الصحبة الفكرية أو الإيمانية بل قد تكون كذلك وقد تكون صحبة جسمية فقط. فمثلاً في سورة الكهف (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ)، (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ) والرجلان هنا أحدهما مؤمن والآخر كافر فصحبتهما هي مكانية فقط. وقالوا بأن صحبة أبي بكر للرسول صلى الله عليه وسلم كانت صحبة جسمية مكانية فقط بدليل بقية الآية( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا )فلم يقل ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِما وَأَيَّدَهُما ) بل قال( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ) فيكون قد استثنى أبا بكر من السكينة والتأييد، وهذا ذم لأبي بكر.

إن هذا تحريف للكلم عن مواضعه وفيه قفزٌ معتمَّد عن جزءٍ من النص، فالآية تقول: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )فحين يقول لأبي بكر: لا تحزن فهو يحاول إيجاد الطمأنينة عنده. وحين يقول له: إن الله معنا فهي تشمل أبا بكر قطعاً كما تشمل الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعنى إن الله معنا أي حافظنا ومؤيدنا وناصرنا. وهذا يدل قطعاً على أن الصحبة ليست جسمية مكانية فقط بل هي بالإضافة إلى ذلك فكرية إيمانية.

اما قوله تعالى: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ )فالضمير في (عليه) وفي (أيده) يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم على أرجح الأقوال، ولا يكون أبو بكر مستثنى من هذه السكينة والتأييد بل يكون مشمولاً بالتبعية لرسول الله صلى الله عليه وسلمبقرينة ما سبق ذلك من قوله: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).

وإذا عرفنا أن هناك فرقا في المقام بين الرسول وأبي بكر فهمنا انه لا يليق تشريكهما في ضمير واحد فلا يليق القول: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِما وَأَيَّدَهُما ) لأن هذا يشعر بالمساواة بين المشتركين في ضمير المثنىَّ. فقد روى مسلم وأبو داود والنسائي أن خطيبا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: »من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى«. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: »بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعصِ الله تعالى ورسوله فقد غوى». قال الشوكاني في نيل الأوطار ج3\ص 265: (قال القاضي عياض وجماعة من العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على الخطيب تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه).

( بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا )أي الملائكة. (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى )كلمة الذين كفروا هي الشرك، وتشمل كل معتقدات الكفار وعاداتهم وعباداتهم ونظمهم. (وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) كلمة الله هي لا اله إلا الله وما ينبني عليها من عقائد الإسلام و شرائعه. (وَاللَّهُ عَزِيزٌ )أي منيع الجناب لا يضام من لاذَّ به. (حَكِيمٌ) فيما فعل وفيما شرع.1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *